الكلمة الترحيبية لمؤسسة ابن رشد في مناسبة منح جائزة ابن رشد ﻟ “أمان” الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة-فلسطين في 1 كانون الأول/ديسمبر 2018
السيدات والسادة الأعزاء، الضيوف الأعزاء، الأعزاء الذين جاؤوا من أماكن بعيدةٍ أو قريبةٍ، أصدقاء مؤسسة ابن رشد ومسانديها الأعزاء، أعضاء المؤسسة الأعزاء:
اليوم يحضر جمهورٌ متنوِّعٌ، تنوُّعًا حيويًّا، فهناك خبراءٌ في اختصاصاتٍ معينةٍ، وهناك ناسٌ من أصولٍ عربيةٍ وغير عربيةٍ، مع أو بدون خلفيةٍ مهاجرةٍ، أحاديو الثقافة ومتعددو الثقافات. ما نشترك فيه جميعًا هو الاهتمام ڊ “الفكر الحر”.
إن قيم الفكر الحر والحق في حرية التعبير والممارسة الديمقراطية هي قيمٌ تدعمها مؤسسة ابن رشد منذ تأسيسها عام 1998. ونحن نقوم بذلك من خلال تنظيم “محاضرات ابن رشد” والصالون الفلسفي “ديوان الفلسفة”، ومن خلال القيام سنويًّا بمنح شخصٍ أو مؤسسةٍ أو منظمةٍ جائزة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر. إن جائزة ابن رشد للفكر الحر في العالم العربي هي جائزةٌ عربيةٌ وعالميةٌ، في وقتٍ واحدٍ؛ لأنها ممنوحةٌ من أشخاصٍ في ألمانيا تعود أصولهم إلى بلادٍ عربيةٍ مختلفةٍ، بالإضافة إلى أشخاصٍ من أصولٍ ألمانيةٍ ومتصلين بالعالم العربي، وأشخاصٍ من بلادٍ مختلفةٍ من كل أرجاء العالم. الجائزة هي، أولًا وقبل كل شيءٍ، اعترافٌ بإنجاز شخصٍ ما وجدارته في ميدان حرية الفكر في العالم العربي. ويصحُّ ذلك على هذا العام أيضًا، حيث تم منح الجائزة المخصَّصة ﻟ “شخصٍ أو مؤسسةٍ أسهمت إسهامًا بارزًا في مكافحة الفساد”، إلى “الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة أمان”.
لماذا اقترحنا موضوع “الفساد”؟ ولماذا صوَّت أعضاؤنا بنسبةٍ كبيرةٍ لهذا الموضوع الذي سجل تفوقًا كبيرًا على المواضيع الأخرى التي تم اقتراحها هذا العام (2017)؟ لا يوجد مجتمعٌ خالٍ من الفساد، لكن حجم الفساد، في القطاعات العامة والخاصة في العالم العربي، قد وصل إلى مستوىً لم يسبق له مثيلٌ. فالفساد يعيق عملية التنمية في المجتمع ويدمر قيمه الأخلاقية. وينعكس ذلك على السلوك الفردي والجمعي، في آنٍ واحدٍ. فغنى أو اغتناء بعض الأشخاص هو فقرٌ أو إفقارٌ للآخرين؛ وعدم وجود الأخلاق والمحسوبية أو محاباة الأقارب والجشع، من ناحيةٍ، يؤدي إلى فقدان الثقة وانعدام الفرص واليأس، من ناحيةٍ أخرى. وهكذا يسود الركود أو الجمود بدلًا من التقدم. والسبب الرئيس لانتشار الفساد هو غياب الديمقراطية. ولضمان الحكم الرشيد، لا غنى عن الفصل بين سلطات الدولة الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية؛ لكن السلطة التنفيذية، في معظم الدول العربية، تسيطر على السلطات الثلاث، وبالتالي تمتلك السلطة المطلقة، بما يؤدي إلى فسادٍ مطلقٍ. ولهذا، فإن مكافحة الفساد ليست غايةً في حد ذاتها؛ فالغاية من مكافحة الفساد هي تحقيق الحكم الرشيد، وبالتالي إنفاذ الديمقراطية.
وهذا هو السبب في أن موضوع الفساد مهمٌّ جدًّا لمؤسسة ابن رشد، المهتمَّة اهتمامًا بالغًا بمسائل الفكر الحر والديمقراطية في العالم العربي.
وبالنظر إلى الطابع المتعدد الأبعاد الموضوع وتعقُّده، لم يكن الاختيار سهلًا بالنسبة إلى أعضاء هيئة المحلفين لهذا العام (العمل، كما هو الحال دائمًا، على أساس تطوُّعي شرفيٌّ)، وهم: عطا البطحاني من السودان، وأحلام بلحاج من تونس، حسن نافعة من مصر، وناتاشا سركيس من لبنان.
وكان عليهم اختيار الفائز من بين عدد كبير من المرشحين، كلٌ منهم يستحق جائزةً. وقد جاءت الترشيحات من مختلف دول العالم العربي، وعلى رأسها مصر وسوريا وفلسطين وتونس ولبنان. وقد كان من المدهش أن ترشيح المنظمات كان حاضرًا أكثر من ترشيح الأفراد.
كثيرًا ما يخاطر الأفراد الذين يكافحون الفساد بمفردهم، بخسارة الكثير خلال كفاحهم ضد الفساد، وقد يصل الأمر إلى فقدان حريتهم الشخصية. إن التزام الأفراد بهذا العمل قيمةٌ لا تقدر بثمنٍ. لكن هيئة المحلفين لهذا العام اختارت منظمةً، مجموعةً من الناس الذين يكافحون الفساد معًا. ويتعلق هذا بالقيمة الكبيرة للتعاضد والتعاون لمكافحة الفساد، مكافحةً جماعيةً. إن وجود العديد من المنظمات التي تسعى إلى استئصال الفساد هو دليلٌ على الأهمية المتنامية لعملٍ جماعيٍ مؤسَّساتيٍّ ومنظمٍ، وتعبيرٌ عن تضامن أعدادٍ كبيرةٍ من الناس ووعيها المتزايد بهذا الموضوع.
إن المنظمة
التي تسعى جاهدةً إلى القضاء على الفساد ومكافحته بطريقةٍ مستدامةٍ في الموقع الذي تعمل فيه، والتي لم تقتصر على تطوير قابلية نقل مناهجها إلى أماكن اخرى في العالم العربي فحسب، بل عملت على جعل ذلك النقل ممكنًا أيضًا؛
إن المنظمة
التي تُعَدُّ واحدةً من أقدم المنظمات، في هذا المجال، في العالم العربي؛
إن المنظمة
التي تمكنت من تحقيق نتائج ملموسة، وتأكيد ذاتها، على الرغم من الأوضاع الصعبة الناتجة خصوصًا عن الاحتلال؛
إن المنظمة
التي حظيت بسمعة النزاهة في المجتمع الفلسطيني على مدى عقدين:
هذه المنظمة تستحق شرف تلقي جائزة ابن رشد للفكر الحر 2017! إنها منظمة “الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة “أمان” شفافية فلسطين”، وهي تستحق من كل واحدٍ منا كل الاحترام والتقدير والتصفيق!
لقد تأسست مؤسسة ابن رشد منذ تسعة عشر عامًا. وخلال هذه الفترة، قامت المؤسسة بمنح جائزتها السنوية للفكير الحر في العالم العربي ثماني عشرة مرة. والجائزة ممولةٌ بالكامل من رسوم اشتراك الاعضاء والتبرعات.
السيدات والسادة الأعزاء، مساندينا الأعزاء، أعضاء المؤسسة الأعزاء، هذه هي الطريقة التي بدأنا بها خطابنا اليوم. ونحن، في مؤسسة ابن رشد، بحاجةٍ أيضًا إلى دعمٍ لعملنا. وإننا نود كثيرًا أن نحيِّي، في العام المقبل، أولئك السيدات والسادة الذين كانوا في استقبال هذه الليلة، بوصفهم قد أصبحوا مسبقًا مؤيدين وداعمين لمؤسسة ابن رشد؛ لأنه بدعمكم فقط يمكن لمؤسسة ابن رشد أن تستمر في دفاعها عن الفكر الحر.