فلسفة المقاومة اللاعنفية – هنري ديفيد ثورو – أنموذجا

PDF

     بدأ الأدب الأمريكي : Amerrican literature بداية متواضعة ، ثم ما لبث أن أخذ مركزه بين الآداب الأولى في العالم . ومن إيجابياته أنه يمجد : المثل العليا، وصفات الاعتماد على النفس ، والاستقلالىة ، واحترام الإنسان ، والتأكيد على الديمقراطية ، وحب الطبيعة والخروج على التقاليد الأدبية من أجل كل إبداع جديد. 

     وتعد الفكاهة عامة والساخرة بخاصة من الخصائص المميزة لهذا الأدب . وقد شهد تطور الأدب الأمريكي عدة مراحل هي : أدب المستعمرات ( 1765 – 1608م ) ، وعصر الازدهار الأول ( 1765 – 1850م ) ، ثم ظهرت أشكال أدبية جديدة بعد الثورة الأمريكية :  American Revolution . فقد أشعل الاستقلال السياسي رغبة قوية للاستقلال في فن الأدب ، ولأول مرة انفصل أدباء أمريكا عن ماضيهم الأوروبي.  ويبدو ذلك بوضوح في كتاباتهم عن السياسية وتحرير العبيد  ، وما لبث الأدب الأمريكي أن بلغ مرحلة النضوج عام (1850-1900م ) .

     وإلى جانب هذا النوع من الأدب الأمريكي ” الأبيض  ” إذا جاز التعبير – كان يوجد نوع آخر من الأدب الأمريكي هو الأدب الأمريكي ” الأسود ” الذي يدور حول مكافحة العبودية ، والمناداة بالحرية والمساواة ، والحق الكامل في المواطنة على قدم المساواة مع الأمريكي الأبيض . وهذا النوع الأخير من الأدب كافح بدوره في تحقيق كافة حقوق المواطن الأمريكي الأسود.

      ومن المذاهب الفلسفية التي ظهرت بين هؤلاء الأدباء : ” التعالى ” ، و” البرهمية ” ، و” الكنفوشيوسية  ” وغيرها من المذاهب الفلسفية . وظهرت مجموعة من الأدباء أطلق عليهم ” المتعالون Transcendental : ” . والمتعالون مجموعة من ” كتاب نيوإنجلاند ” :  New  Engalnd أكدوا على أن بصيرة الإنسان بفطرته وحواسه تسمو على المعرفة التي تأتي عن طريق المنطق أو الاستنتاجات.  وكان ” رالف والدو ايمرسون ” : Ralph Waldo Emerson ( 1803-1882م ) متحدثا باسم أنصار الفلسفة المتعالىة في كتاباته . أما ” هنري ديفيد ثورو ” : Henry David Thoreau ( 1817-1862م ) صديق إمرسون فقد طبق نظريات الفلسفة المتعالىة فعاش عامي ( 1845 – 1847م ) حياة بسيطة في والدن بوند Walden Pond بولاية ماساشوسيتس Massachusetts وسجل تجربته في كتابه ” والدن ” ، وهذا الكتاب يغوص في عمق الطبيعة وأسرار النفس البشرية وماهية الحياة.

     لقد عاش ” ثورو ” في كوخ على الشاطئ الشمالى لبحيرة والدن بوند من أعمال الكونكورد : Concord ، وألف هناك : أسبوع على نهري الكونكورد وميريماك : Merrimack Rivers Concord and ، وقصته ” والدن ” أو ” وحي الغابة ” : وهذا الكتاب الأخير اشتهر شهرة كبيرة بل يعده البعض من أفضل ما كتب في تاريخ الأدب الأمريكي عامة . تكلم في هذا الكتاب عن فلسفته المتعالية إلى جانب وصفه لما يوجد في البحيرة التي كان يقيم فيها  من  سهول ، وحشرات ، وحيوانات ، وأسماك ، وطقس ، وفصول السنة ، وأشجار ،،،الخ . 

     أسس المتعالون مجلة دايل : Dial (1840-1844م ) التي نشروا فيها أفكارهم . ومن هذه الأفكار أنهم يجدون الإله في كل شيء : فى الإنسان ، والطبيعة ،،، الخ . لقد كانت الطبيعة كتابهم المقدس كما يزعمون .. وانقسم المتعالون إلى قسمين : الأول : الذين اهتموا بالإصلاحات الاجتماعية . أما الثاني : فيضم أنصار ” إمرسون ”  و” ثورو ”  الذين اهتموا كثيرا بالإنسان الفرد . وكان بينهما قواسم مشتركة عديدة جعلت ” ثورو ” يعيش في بيت  ” إيمرسون ” عامين ، وكان يوجد أيضا تشابه كبير بين أفكارهما ، ولكنهما بمرور الزمن اختلفا وافترقا.

     حركة التسامي التي جسدها كاتبا المقالات ” ايمرسون ”  و ” ثورو ” كانت بمثابة ردة فعل ضد المذهب العقلاني : Rationalisme الذي كان سائداً في القرن الثامن عشر في أوربا ، وارتبطت بوثوق مع الحركة الرومانسية : The Romantic movement . وقد ترافقت عن كثب مع كونكورد بولاية مساتشوستس، وهي بلدة تقع بالقرب من بوسطن : Boston – غربي الولايات المتحدة الأمريكية – حيث عاش ” إيمرسون ” و ” ثورو ” ومجموعة من الكتاب الآخرين.

     مقال ” ثورو ” الذي حمل عنوان “العصيان المدني” : Civil Disobedience ، المتضمن نظرية حول المقاومة السلبية في مخالفة القوانين غير العادلة ، شكل مصدر إلهام للكاتب الروسي ” ليو تولستوي ” : Aleksey Nikolayevich Tolstoy  ( 1828 – 1910م ) ويبدو ذلك واضحا في كتابه ” مدينة الرب بداخلك ” . وكان أثر أيضا مقاله على حركة استقلال الهند التي قادها المهاتما ” غاندي ” : Mohandas Karamchand Gandhi (1869- 1948م ) ، وكفاح ” مارتن لوثر كنغ ” : Martin Luther King, Jr ( 11929 – 1968م ).

      فى الحصول على الحقوق المدنية للأميركيين السود في القرن العشرين . وفي القرن العشرين انتقلت أفكار ” تولستوي ” و ” غاندي ” إلى الولايات المتحدة وألهمت العديد من الأميركيين الذين لم يعرفوا في معظم الأحيان أن كثيرا من نظرية اللاعنف قد انطلقت أصلاً من بلدهم.

     لم يكن اهتمام ” ثورو ” منصبا على اندماج الفرد في مجتمع قاس يفرض على أعضائه ضريبة باهظة ، وإنما كان اهتمامه منصبا على كيفية صد الفرد لمجتمع طفيلي ، يتودد للمرء بلا مناسبة ، ويتدخل في شئونه بلا موجب .

     ولقد رفض البعض الحلول التي طرحها ” ثورو ” ، ووصفوه بالمتهرب ، والمتقاعس ، وقالوا : ” إنه كان يجب أن يشارك بقية مواطنيه حياتهم بدلا من الانسحاب إلى مركز دفاعي ، محصن يجمع بين صفات الصومعة وصفات الكمين . كذلك اعترضوا قائلين : إنه لم يخسر شيئا عندما دخل السجن في كونكورد ؛ لرفضه أن يدفع ضريبة الرأس لحكومة يعتبرها غير عادلة ، حيث إن صديقا له دفع الضريبة نيابة عنه ، وحصل له على إفراج عاجل ، استطاع بعده أن يتوجه مباشرة إلى الحقول ليلتقط ويأكل من الثمار البرية الشبيهة بالتوت . وفي ذلك أصدق الدليل على تواكله وتهربه من المسئوليات . وقالوا فضلا عن ذلك : إنه لم يقم بعمل معجز أو بطولي عندما عاش لمدة عامين في كوخه المطل على بحيرة وولدن ، فقد كان بيت والدته من القرب منه بحيث تكاد تصله رائحة الطعام التي تطهوه (1).

      إن من يتصفح الموقع الإلكتروني لـ ” وزارة الخارجية الأمريكية ” على ” الشبكة العنكبوتية ” يجد عرضا تاريخيا للفكر اللاعنفي عبر صفحات التاريخ الأمريكي ، حتى إن المرء ليدهش من هذا التاريخ الطويل للفكر اللاعنفي منذ إنشاء الولايات المتحدة الأمريكية بل يمكننا القول أن تاريخ الولايات المتحدة وأيديولوجيتها تتمحور حول الفكر اللاعنفي . ولقد أشار الموقع إلى كتاب ” اللاعنف الأميركي : تاريخ وفكرة “. لمؤلفته ” آيرا تشيرنوس ” أستاذة الدراسات الدينية في جامعة كولورادو في ” بولدر ” ، الذي يحكي تاريخ اللاعنف الأمريكي . فهذا الفكر اللاعنفي انتقل إلى أمريكا من أوروبا القرن السادس عشر ونضج وتطور في أمريكا ، ومن هنا انتقل إلى آسيا وأفريقيا.

   وحقيقة ما حدث في أمريكا أن الشعب : People هم بتغير الوضع الاجتماعي فكان أمامه إما أن يستخدم العنف أو اللاعنف ، ولكن الشعب قرر – رغم قدرته على استخدام العنف –  أن يستخدم اللاعنف . وانتقل ذلك إلى أمريكا عبر أوروبا فى القرن السادس عشر عندما نادوا بتجديد المعمودية ، فقد كانوا منفصلين عن المجتمع بكل مشكلاته وتجاذباته وصراعاته العنيفة ولذلك كانوا ينبذون العنف.

     لقد بدأ استخدام فكرة اللاعنف في أمريكا عندما انخرط الأمريكيون في مقاومة الاستعمار البريطاني قبل إعلان الاستقلال ، فقد تكونت جماعة ” الأصدقاء ” التي عرفت باسم ” الكويكرز ” :  Quakers الذين رفضوا : دفع ضرائب الحرب ، والرق ، واضطهاد الهنود الحمر . إن ” نقطة التحوّل الكبرى جاءت في العشرينات والثلاثينات من القرن التاسع عشر ،عندما بدأت مجموعة تنتمي إلى خلفيات دينية متنوعة تطالب بإلغاء الاسترقاق في الولايات المتحدة . كان هؤلاء المطالبون بالإلغاء جميعهم تقريباً من المسيحيين ، ولم يكونوا جميعهم ملتزمين السعي وراء أهدافهم بوسائل لاعنفية.

     لكن الملتزمين منهم شكلوا أول مجموعة حول هدف التغيير السياسي الاجتماعي ثم اختاروا اللاعنف كوسيلة لهم . كانوا يؤمنون بالإله الحاكم الأسمى للكون . لذلك ، قالوا إنه : لا يجوز مطلقاً لأي إنسان أن يمارس سلطة على إنسان آخر . وعلى هذا الأساس شجبوا الاسترقاق . لكن لما كان العنف دائما هو الطريق لممارسة السلطة ، فقد انقادوا بصورة منطقية إلى نبذ العنف أيضا. وفي هذا الجو من الفكر اللاعنفي ظهر ” ثورو ” الذي قعد ومارس الفكر اللاعنفي في مواجهة الحكومة : Government سواء حكومة الدولة : State أو حكومة الولاية ، لقد آثر حريته وفرديته على ما عداها ، وآثر ضميره الفردى على قانون الحكومة . ويبدو ذلك واضحا في العديد من مقالاته ؛ بخاصة مقالته عن العصيان المدني التي كتبها عام 1849 م  (2).

للاطلاع على الدراسة الكاملة أنظر ملف بي دي إف.

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial