منطق الامبراطوريات أمريكا نموذجاً بقلم محمد باقي محمد


     مرة ثانية نحن في حرم عالم اللسانيات الشهير نعوم تشومسكي، ولكنّ تواجدنا في هذا الحرم هذه الكرّة جاء بالتداعي، فالذاكرة إذ راحت تستعيد المخيلة كتابه الشهير “501 الغزو مُستمر”، لتتذكر جرائم تبعث على القرف والاشمئزاز، هذا إن لم تكن تضع إنسانيّتنا على المحكّ، جرائم اقترفها بشر – “مُتمدنون”. – قدموا من أوروبا العجوز ذات هبّة ريح ربّما، لتضع فلك كريستوف كولومبس وأحلامه على أعتاب قارة بكر عام 1492، ولكن لماذا 501 بالضبط، وما دلالة هذا الرقم؟ كتاب تشومسكي ذاك أبصر النور عام 1993، وإذاك كان قد مضى على اكتشاف الأوروبيين لأمريكا الشماليّة، فاستعمارها، ثمّ تشكّل الولايات المتحدة الأمريكيّة في أعقاب حرب الاستقلال، تلك التي قادها جورج واشنطن خمسمئة عام وعام بالتمام والكمال.

    اجتث البيضُ الأوروبيون الهنودَ الحمرَ من براري كندا والولايات المتحدة، والإسكيمو من الدرع الكنديّ، هناك حيث يغطي بياض الثلج الأرض طوال العام، وذلك بأسلوب “توراتيّ” أصيل بحسب تشومسكي. تحت خانة تعارف عليها الدارسون من غير ما سبب بـ “نداء الأرض الخالية”! ولعل أبسط هذه الجرائم ترقى إلى مرتبة جرائم الحرب بتعبير اليوم، إذ ألقى أصحاب نظرية المركزية الأوروبيّة – التي تذهب إلى أن لا مدنية أو حضارة خارج أوروبا – بالأطفال الرضع في الماء، وذلك في محيط نهر هدسون، حتى إذا ألقى الأبوان بنفسيهما في الماء لإنقاذ وليدهما، حضرت المجاديف – خارج وظيفتها الاعتياديّة بما هي وسيلة لإبحار السفن – لتمنعهما من الصعود إلى اليابسة، فإذا أدركهما التعب غرقا مع رضيعهما! على هذا كان الكثيرون يتوّهمون بأنّ السكّان الأصليين لأمريكا الشماليّة، هم الوحيدون الذين تعرضوا لهكذا إبادة، ليحلّ محلهم المُهاجرون الأوروبيّون، فيُستعمروا من قبل أهليهم الأوروبيين، ثمّ تقام على الحطام الامبراطوريّة الأمريكيّة، بولاياتها الواحدة والخمسين – ذلك أنّها اشترت آلاسكا من روسيا القبصريّة – ولتنصّب نفسها سيدة للعالم الحرّ، في أعقاب الحرب الكونيّة الأولى / 1914 – 1918 /، ثمّ لتترسّخ سيادتها تلك بعد الحرب الكونيّة الثانية / 1939 – 1944 / ، في حين أنّ التأريخ لا يُعفيهم من دور مماثل بحقّ الأوستراليّين الأصليّين مثلاً.

    في الهزيع الأخير من القرن المُنصرم اختتم العالم انقسامه إلى كتلتين، شرقية وغربية، إذ انهارت منظومة الدول الاشتراكية، غبّ إذ تركها السوفييت لحال سبيلها، وذلك بعد عجزوا عن مُتابعة صراعهم مع الكتلة الغربيّة، ثمّ تفكك الاتحاد السوفييتيّ ذاته، وتذرّر هذا الكيان الجبّار إلى دول قوميّة وأثنية عديدة، فاستيقظ الحلم الأمريكيّ في بسط سطوته وهيمنته على مُقدرات العالم، الحلم الذي لم يهن يوماً، وبدا يتماهى – بحسبهم – ورؤى الآباء المُؤسّسين. فهل نتذكّر في هذا الصدد عسفها بدول أمريكا الوسطى واللاتينيّة، تلك التي خذلتها الجغرافية إذ جاورتها بالولايات المتحدة الجار الجبار والجائر، فمحضتها بصلف وَسْمَ الحديقة الخلفيّة لها، وهو وسم مُذلّ ومُهين!

    بيد أنّ كتاباً بالغ الأهمية – في ما نزعم – سيُغني اللوحة بكثير من التفاصيل، من غير أن يكتفي بتوصيف سياسة هذا الكيان الهائل، بل نزع إلى إعادة سياسته – تلك – إلى أسّها العميق الضارب في العقل الجمعيّ للساسة والجمهور الأمريكيين، وذلك مع تشكّل هذا الكيان الغريب، المُفتقد إلى مُقومات الأمة أو القوم، وصولاً إلى عتبات القرن الواحد والعشرين.

    لكنّ المُلغز في المسألة هو مرور هذا الكتاب بصمت لا يعبّر عن أهميته – آخذين في حسابنا أنّ تأريخ ترجمته يعود إلى العام 2001، غبّ أن أنجزها الـ : د. حامد فرزات – فعلى الضدّ من سفر تزفيتان تودورف “فتح أمريكا”، الذي أحدث هرجاً لمّا ينته في حينه، تغافلت النخب الثقافيّة، وبخاصّة السياسيّة منها، كتاب “أمريكا المُستبدّة” لمُؤلفه “ميشيل بينيون – موردن”، الذي أصدره اتحاد الكتاب العرب في سورية، والذي يُعادل سلفه في الأهميّة.

    إنّ سياسة الولايات المتحدة – وبحسب غير دارس – تتسم بالالتباس، لا سيما لمن لا دراية له بتأريخ العالم المُعاصر، وطبيعة صراعاته، ذلك أنّ التساؤل سينبثق حاداً أن كيف يوسم كيان عملاق – طرح نفسه راعياً لحقوق الإنسان – بالاستبداد!؟ ناهيك عمّا تواتر عنه من ديموقراطيّة خاصة به، ديموقراطيّة ما خلف الأطلسيّ، بيد أنّ التبصّر في العمارة الفكريّة الفلسفيّة لهذه الامبراطوريّة سيقع على المبدأ المُؤسّس في فلسفة كالفن كجذر عميق حكم رؤيته لدوره العالميّ، أي في الكالفينيّة، ذلك أنّ المهاجرين الأوائل ترسّموا هذا المبدأ، إذ رؤوا بـ : “أنّ اللّه سمح لشعب من الرجال والنساء أن يجتمعوا في الأرض الأمريكية، لأنّ اختياره وقع عليهم، ذلك أنّه مناط بهم – أي بهذا الشعب – مهمة حكم العالم ذات يوم”، وإذا كانت الموضوعة – على مُستوى علم النفس – تحتاج إلى مُراءاة تحقق للنفس توازنها، فلقد تقنع هذا “اليقين” – ولنلاحظ الدلالة الميثولوجية للمُفردة – بأنماط من الرفق أو الرحمة والتضامن وفق جرعات دقيقة ومحسوبة، بيد أنّ غياب الضدّ ممثلاً بالكتلة الاشتراكيّة أسقط هذه الأقنعة، إذ لم تعد ثمّة مُعارضة جديّة تجبه سياسة الولايات المتحدة في العالم، وها هي تكشف لنا وجهها المُمرض، ذلك أنّه تأسّس على القوة والصلف والعجرفة والأنانيّة، المُعبّرة عنها بقسوة عزّ نظيرها عبر التأريخ.

    إنّ موردن يضع كتابه في خانة مُجرّد نظرة أقلّ مجاملة لأمريكا، إلاّ أنّ ما يشهده العالم من تسارع للأحداث طاله بتبدّل غير مسبوق، يسم نظرته هذه بـ ” المؤقتة “، ويظلّ السؤال أن هل لهذه القراءة أن تستنفر فينا قدرتنا على الرفض، وبالتالي قدرتنا على المُقاومة، لا لشيء.. فقط حتى نثبت لأنفسنا بأنّنا لسنا سلعاً تباع وتشرى في السوق، فنتوازن كبشر لهم كرامتهم في حدود الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان لا أكثر !؟

    وبالعودة إلى البدايات سنحجز قصب السبق – في السيطرة على العالم الجديد – للإسبان والبرتغاليين، بيد أنّ الانكليز أزاحوهما، ما أتاح لها إرسال الأفاقين إليه، ربّما في بحث محموم عن الحلول لمشاكلها الاجتصاديّة، ناهيك عن إشباع رغبتها في الانتقام من منافسيها، وذلك بإطباق الحصار عليهم، وسدّ المنافذ في وجوههم، بهدف تدميرهم، والغريب أنّ هذا كله ما كان بعيداً عن “نفحة إيمانيّة” كاذبة، إذ ها هو مُؤرخ أمريكيّ – وأهل مكة أدرى بشعابها كما يقال – يُؤكّد أن ليس ثمّة شعب واثق من أنه يسير على السراط المُستقيم كالشعب الأمريكيّ، ولا نظنّ بأنّ رائحة الدينيّ الوثوقيّ التي تزكم الأنوف تحتاج إلى تدليل أو توكيد، على هذا فإنّ من تسوّل له نفسه الوقوف في وجه هذا النموذج إنّما هو عدو الله، الغريب هو أنّ الكتاب ورجال الكنيسة والمثقفين والأساقفة وعلماء الأخلاق والفنانين والساسة اصطفوا خلف هذا اليقين بآن.

    من بين هذه الدفعة للمُستوطنين الأوائل إذاً، أولئك الذين تلطخت أيديهم بدم غزير، ستتشكل السمات المُكوّنة للآيديولوجيا الأمريكيّة، المحاكة من “أنّ الإرادة السماوية قد اختارت الأمة الأمريكية للقيام بهذه المهمة الكونية بجدارة”.

    بداية أبيد الهنود الحمر – سكان غابة الأونغافا في كندا والولايات المتحدة – تحت إلحاف الحاجة إلى المزيد من الأراضي، إلاّ أنّها – كما سيتضح لاحقاً – كانت البداية فقط، ففي دوائر ثلاث تتشبه بدوائر ماء تتسع – إذ ترمى فيه حجرة – ستعمل الولايات المتحدة على التوسع غرباً، هناك حيث يستلقي المحيط الهادي بوداعة، هذا سيتتطلب انتزاع تكساس وكاليفورنيا وأريزونا ونيفادا وألوتا من المكسيك، ولدارسي الجغرافية السياسيّة أن يُقدّروا حجم هذه الولايات من الولايات المتحدة اليوم، وفي إطار هذه الدائرة كان على أمريكا – الدولة – أن تبتلع القارة الأمريكيّة بقسمها الشمالي، ثمّ أنّ كندا إذا كانت قد زاغت من براثن هذا الاستحواذ، فيما انتزع الثائر الكوبيّ الشهير فيديل كاسترو كوبا الكاريبيّة من فم الحوت الأمريكيّ، إلاّ أنّ أجزاء واسعة من القارة – هاييتي، بورتوريكو، هاواي – لم تنجُ من الهيمنة الأمريكيّة المباشرة أو غير المباشرة.

    إخضاع أمريكا اللاتينيّة سيؤسّس للدائرة الثانيّة من حلم أمريكا في الهيمنة على مُقدّرات العالم، ليتمّ هذا الإخضاع على مراحل عبر ممارسة ضغوط شتى، متوخيّة – في هذا – هيمنة مُباشرة أو غير مُباشرة، مفضلة – وعلى نحو دائم – الهيمنة غير المُباشرة، أي تقديم الهيمنة الاقتصاديّة على الهيمنة العسكريّة، ذلك أنّ تكاليف الثانيّة – غالباً – أكبر، ناهيك عن صعوبة ابتكار القناع الملائم للأنا الأخلاقيّة أو للآخر المُغاير، على هذا فهي لن تألوَ حهدها المُكثف في الاتجاهات كافة، ولن نتعجب إن هي لجأت في هذا الإطار إلى دعم حركات التحرّر ضدّ الإسبان مثلاً، الدعم غير المُجرّد من الغاية والقصد، فهي تلبس ثوب الأنسنة إذ تسهم في خلاص بشر من مستعمريهم، ما يُكسبها رضا جمهورها السارح في أحلامه، كما يُكسبها احترام الآخرين، ناهيك عن إبعاد مُنافس انتهت صلاحيته بحسبها، ثمّ من سيتفكّر في عجز السوق الداخليّة الأمريكيّة عن امتصاص الناتج الصناعيّ القوميّ، لتشكّل البرازيل والتشيلي وكولومبيا وفنزويلا أسواقاً داعمة أو بديلة لامتصاص هذا الناتج؟ وها هي الهندوراس تشمل بـ “عطف” الولايات المتحدة، شأنها في ذلك شأن غواتيمالا وبنما، إذ ليس من المعقول أن يظلّ شريان حيويّ للتجارة بين الهادي والأطلسيّ كقناة بنما خارج اهتمام أمريكا وأطماعها، ولعلنا إذ نستشهد بما جاء على لسان السناتور الأمريكيّ ألبير. ج. بفريدج، من “أنّ على التجارة الدولية أن تكون لنا، وسيكون لنا ذلك، سوف نغطّي البحار بأسطولنا التجاري، وسنبني أسطولا يكون على مستوى عظمتنا”، إنّما ندلّل على هذا “العطف”!

    لقد وصلت أمريكا في سياق توسعها المحموم إلى تخوم بحر الصين، من غير أن ينجح اليمّ العظيم – المحيط الهادي – في لجم توسعها، فلم تنجح الفيليبين في الفكاك من قبضتها الجبارة، ولم تعدم الوسيلة، ذلك أنّها – أي أمريكا – لا ترى ضيراً في الاحتلال العسكريّ إن لم يكُ ثمّة بديل له، وقد تعمد إلى دعم دكتاتوريات محليّة كبينوشيه في التشيليّ، أو إلى ربط هذه الدول بأحلاف ومُعاهدات تنتقص من استقلالها، وتصيّرها كيانات تابعة، عبر استتباع اقتصاداتها بالاقتصاد الأمريكيّ، ثمّ أنّ الشركات العملاقة العابرة للقارات كانت – هي الأخرى – حاضرة لالتهام مقدرات غير بلد، أمّا العجب فتأتى من أدباء – نفترض فيهم الاشتغال على أقانيم ثلاثة خالدات، الحق والخير والجمال – انتشوا بالنموذج الأمريكيّ “الكونيّ”، إذ أنّ الشاعر أمرسون مثلاً لم يتوان عن التصريح بـ “أنّ الولايات المتحدة هي الأمل المعقود للبشرية”، فيما رأى والت ويتمان – أحد أهم رواد قصيدة النثر – “أنّ أمريكا هي أكبر القصائد، وهي ليست فقط أمّة، بل أنّها أمّة الأمم!” وعلى الدرب المُعبّد ذاته سار كلّ من  لونجفللو وميلفل وسواهم.

    باختتام الدارة الثانية، تلك التي شهدت انهيار جمهوريات الموز، ستنتقل أمريكا إلى الحلقة الثالثة، الحلقة الأوسع، فعلى مدّ النظر ترامت أفريقيّة وآسيا وأوروبة ذاتها، تراود أمريكا النهمة عن نفسها. ولكن هل ثمّة ما يُدلّل على زعمنا هذا أكثر من مُشاركتها المُتأخرة في الحرب الكونيّة الثانية / 1939 – 1944 / تحت راية الحفاظ على التوازن الدوليّ، والدفاع عن حرية التجارة – بخاصة البحريّة منها – وحماية الديموقراطيّة؟ وهل تدخل عبارة الجنرال اليابانيّ الذي قاد الهجوم على قاعدة بيرل هاربر، والذي تذهب إلى تخوفه من أن تكون بلاده قد أيقظت عملاقاً نائماً، في باب هواجس مشروعة؟ بل هل كنّا حقاً بصدد عملاق نائم، عملاق لن يتوانى عن إطلاق قنبلتيه الذريتين الشهيرتين على هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين بلا داع، اللهم إلاّ توكيد سيطرته على العالم، ذلك أنّ الجميع كانوا يعرفون بأنّ الحرب كانت تضع أوزارها، وأنّ هزيمة دول المحور كانت قد تأكدت على نحو لا يقبل الجدل.

    إنّ جرداً صغيراً لما كسبته أمريكا من حرب عبثيّة – دفعت بدماء أمريكيّة أريقت في بيرل هاربر بدم يابانيّ بارد – إلى عتبة الأضحيات، تذهب إلى أنّها – تحت رئاسة رجل مُقعد – حلت مشكلة البطالة، وإذا زعمنا بأنّ الحرب كانت انتحاراً أوروبياً بامتياز، يؤكده عشرون مليون قتيل، أوهدم اقتصاديات دولها “المملكة المتحدة 44 مليار دولار، هدر 22 % من الثروة القوميّة الألمانية، و 26 % في إيطاليا، و 30 % في فرنسا” إذا كانت انهياراً في قطاعات الزراعة والصحة والتعليم مثلاً، فلقد كانت عصراً ذهبياً لمزارعي القمح، ومنتجي الفولاذ والحديد والنحاس في أمريكا، أي المواد التي كانت تحتاجها فرنسا وبريطانيا بقوة، هكذا إذاً أضحت الولايات المتحدة صاحبة أكبر احتياطيّ عالميّ للذهب “أكثر من نصف الاحتياطيّ العالميّ”، واحتلت المركز الأول في إنتاج الفحم، فيما أبقت ديون الحرب سكينها فوق رقبة الدول الأوروبيّة.

    وها هي أمريكا تعمل على تحقيق حلمها بتفكيك الدائرة الثالثة إلى حلقتين، أوروبا المُستعمرة، وآسيا أو أفريقيّة المُستعمرتين، لتشتغل على إضعاف موقف الأولى في مستعمراتها، ثمّ تخلخل بنى أوروبا ذاتها، فتتشدّد في مسألة الديون مثلاً، ناهيك عن تلفيق الحلول في ما يخصّ شؤونها، بشكل “مُفخخ”، ذلك أنّها في مؤتمر فرساي / 1919 / قسمت أوروبا الوسطى إلى دول تنطوي على أقليات لا تطيق بعضها، كما فككت الامبراطورية النمساوية / الهنغارية، ثمّ غيبت الامبراطوريّة العثمانيّة، فترتبت الأوضاع على نحو سينحرف معه العالم نحو الحرب الكونيّة الثانية، وقد نذكّر في هذا الإطار بالوضع الحالي في البلقان وأوروبا الشرقيّة، إذ برزت مشكلة اليوغسلاف في ألبانيا وكوسوفو، ومشكلة المسلمين في صربيا، أو مشكلة السلوفينيين مع التشيك، ما يستدعي مثال هنغاريا ورومانيا، أو روسيا وأوكرانيا.

    في ظلّ تلك الأوضاع القابلة للانفجار عجزت عصبة الأمم المتحدة – التي وُلدت في أعقاب الحرب العالميّة الأولى – عن إنجاز مهامها، هذا إذا لم ننوّه بأنّ أهمّ دولتين باستثناء أمريكا حلقتا خارج العصبة، هكذا – وعلى نحو حثيث – راحت أوروبا تنهار، وبدا هذا الانهيار عاصفاً عام 1929.

    في العام 1937 بدا شبح حرب لا يمكن تجنبها جلياً لكلّ عين مُتفحّصة، فما دلالة الحدث بالنسبة لأمريكا؟ في الجواب – وببساطة مُتناهية – سنذهب إلى إنتاج مُكثف واستنفار عام لصالح المجهود الحربيّ، ألا يعني هذا تأمين مُشكلة الأسواق – ومن ثمّ – حلّ مشكلة البطالة؟ مرة أخرى سنعود إلى مثال بيرل هاربر، لنشير إلى أنّ النخب السياسيّة في أمريكا كانت تعمل جهدها على إقناع جمهورها العريض بضرورة خوض الحرب، ولنؤكد – ثانية – بأنّ الهجوم على بيرل هاربر إنّما كان ذريعة لخوضها، ولم يكن يوقظ عملاقاً نائماً، ذلك أنّ هذا العملاق لم يُغمض له جفن يوماً!

    وفي الوقوف بالجنى سنذهب إلى أنّ مُجابهة اليابانيين أتاحت للأمريكان إنجاز سيطرتهم على آسيا، أمّا في أوروبا السلف فلقد تطلبت مصلحتهم عزل الجنرال ديغول، الذي وقف في وجه خطرهم عليها، ما قد يُفسّر تغييبه عن مؤتمر طهران / 1943 /، ليحضره روزفلت وتشرشل وستالين، حتى لكأنّ فرنسا لم تكن طرفاً في هذا النصر.

    في الفترة من / 1939 / إلى / 1944 / عمدت أوروبا ثانية إلى انتحار جماعيّ، أعطى الفرصة للولايات المتحدة في إبعاد كلّ من فرنسا وإيطاليا وانكلترة وأسبانيا والبرتغال وهولندة عن مستعمراتها كمرحلة أولى، فوضعت يدها على آسيا وأفريقيا بل وأوروبا الغربية أيضاً كما سنرى، وعلى نحو تدريجيّ، ثمّ اشتغلت على إنهاك تدريجيّ للدول الاشتراكيّ، ما سيفضي لاحقاً إلى تداعيها، بعد أن كانت قد أطلقت لستالين العنان في أوروبا الشرقيّة، تساوقاً مع توازن قوى مؤقتة راحت تقوّضه.

    كان من الطبيعيّ أن يطال الدمار أوروبا باعتبارها المسرح الرئيس للحرب، وعلى نار هادئة كانت ظروف بسط السيطرة الأمريكيّة على المستويات العسكريّ والسياسيّة والثقافية تنضج، وتؤتي أكلها، ذلك أنّ الحرب أنهكت الأوروبيين، فانهارت الزراعة والصناعة، ووصل التضخم في ميزان المدفوعات إلى مستويات مرعبة، كانت البطالة تتغوّل بشكل كارثيّ، وفي الجانب الأخلاقي كان ثمّة تراجع مذهل، عبّر عن نفسه بتفشي البغاء وانتشار السوق السوداء. فهل ثمّة حاجة للقول ثانية بأنّ الاقتصاد الأمريكي ازدهر، إذ أنهيت الأزمة الاقتصاديّة، وامتصّت البطالة، وشكل الناتج الأمريكيّ ثلثي الناتج العالميّ مُجتمعاً، لتقبل مؤقتاً بتقسيم جيوسياسيّ للعالم، إذ محضت أوروبا الشرقيّة للسوفييت، فيما وضعت أوروبا الغربيّة تحت مظلتها.

    ومن رحم الحرب الكونيّة الثانية وُلدت ”  منظمة الأمم المتحدة ” كطفل منغوليّ، مهمته الأولى هي تحقيق التفوّق السياسي الأمريكي، الذي ارتضته – بشكل مُؤقّت – كتفوّق أمريكيّ / سوفييتيّ، وإذ تحدّدت هيكليات المنظّمة تمكنت الولايات المتحدة من وضع شبكتين شاملتين تحت تصرّفها، الأولى اقتصادية متمثلة بالنظام النقدي الدولي، والثاني سياسية وتتمثل بـ “منظمة الأمم المتحدة”.

    كان على خط كوزون أن يرسم الحدود السياسيّة في الشرق، تلك التي اتفق عليها في مؤتمر طهران، وأوكل إلى مؤتمر دومبرتن أواكز مسألة تفكيك الصناعة الألمانيّة، أمّا محادثات  موسكو فلقد وزعت دوائر النفوذ في منطقة البلقان، فيما تمّ الاتفاق على توزيع مقاعد مجلس الأمن بطريقة تضمن هيمنة القوى العظمى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، كانت أوروبا تنحو منحى فوق قومياً، هذا ما تسرب عن مؤتمر لاهاي / 1948 /، غير بعيد عن دعم أمريكيّ لهكذا توّجه، مع ملحوظة صغيرة بين مزدوجتين، ألاّ تندّ وحدة أوروبا عن هيمنتها، ما يمنحها الوقت فتتفرغ للحرب الباردة، بهدف إجهاض التجربة الإشتراكيّة، لتتجلى الآيديولوجيّة الأمريكيّة، التي ترى بـ “أنّ الّله تعالى قد سمح لنا أن نبني دولتنا من أجل نعطي للعالم وبالقوة الأعمال وكلّ وسيلة أخرى ونحمل له الرسالة، هذه الرسالة هي أنّ على العالم أن يتطوّر حسب معاييرنا، لأنّها معايير مباركة من القدرة الإلهية – هاري ترومان” في أوضح صورها وأكثرها بلاغة.

    كان على الأوروبيين أن يقبلوا بمناخ منفتح على التبادلات الاقتصاديّة، وأن يعمدوا إلى رفع الحواجز الجمركيّة، الوسائل لتحقيق هذه السياسة تعدّدت، إذ ربط التبادل النقديّ بالذهب ابتداءً بالعام / 1900 /، ولا نظننا نحتاج إلى التذكير بأنّ الاحتياطيّ الأكبر  للذهب يتركز فيها، وفي خطوة تالية عملت على ربط النقد والذهب بالدولار، أمّا صندوق النقد الدوليّ فقد أوكل إليه ضمان ألية تحويل النقد أو استقرار أسعار الصرف، أو توزيع المساعدات على الأعضاء، بقي أن نعرف بأنّ الولايات المتحدة تهيمن على 23 % من أصواته، ناهيك عن حق الفيتو، على هذا تمكنت من ربط المساعدات النقدية بإصلاحات صارمة، تلك التي أطلق عليها وصفة البنك الدوليّ، وهي وصفة تتوخى – في آخر المطاف – أهداف الولايات المتحدة  السياسيّة والاقتصاديّة، ثمّ أنّ البنك الدولي حمل الدور المُناط بصندوق النقد الدوليّ، فتحت اسم البنك العلميّ لإعادة الإعمار والنموّ، تمّ العمل على ضمان الانتقال من الاقتصادات الوطنيّة إلى الاقتصاد العالميّ للتبادل الحرّ، المُرتهن بكلّ تأكيد لهيمنة أمريكا، ثمّ أنّها كانت تقبض على الأغلبيّة هنا أيضاً، شأنه في ذلك شأن صندوق النقد الدوليّ، فمن المنطقيّ أن يتناسب عدد أصوات كلّ دولة مع رأس المال الذي تقدّمه للبنك، والذي يتسق مع وزنها الاقتصاديّ.

    لقد لعب كلّ من صندوق النقد الدوليّ والبنك الدوليّ دوراً بالغ الأهميّة في تفتيت الكيانات القوميّة، وإعادة هيكلة أسواق العالم الثالث على أساس اقتصاد السوق، فهل نتذكّر بأنّ أول شرط لمنح قرض يمرّ عبر تحرير الأسعار أولاً، وخفض العملة الوطنيّة ثانياً، فتثبيت الأجور ثالثاً، ثمّ ضغط المصروفات العامة بهدف الهبوط بالعجز الخارجيّ رابعاً، وخصخصة الشركات الكبرى خامساً، مع ما للخصخصة من وقع مريب في أذن الجمهور أو نتائج كارثيّة على اقتصاديات البلاد وشرائحها الفقيرة، وفتح الباب في وجه المنافسة الدولية سادساً، وأخيراً لا آخراً التخصص في قطاعات محدودة من الإنتاج المعدّ للتصدير، ما سيُعرف بالدول نصف المُصنعة، أمّا النتائج فيُمكن تصورها من مُعادلة الأسعار المُطلقة والأجور المُثبتة، إذ لا شكّ بأنّ الغلاء سيبتلع أصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة، فيفقر أعداداً غير قليلة من الشرائح الوسطى، تلك التي تنتج الخيرات الماديّة للمجتمع، وتستهلك الثقافة والفنون، وتحمل مشاريع التغيير يميناً ويساراً أو وسطاً، ما يذهب إلى تغيّر بنيويّ خطير في التركيبة الاجتصاديّة، وبالتالي السياسية والثقافيّة لهذه الدول. وأنّ الصادرات ستتناقص بصورة كبيرة، ما يقسم المُجتمع في تجاذب اجتماعيّ ثنائيّ القطبيّة، أولى ميسورة تقوم على قطاع خاص نشط، فتتحصّل على مدارس ومستشفيات مُجهزة بشكل ممتاز، وعلى سكن باذخ، يوازيه بذخ في الاستهلاك، وأخرى بائسة ” عموم الناس “، يُطلب منها أن تتساوق ومؤسّسات عاجزة كالأحياء العشوائيّة، أو الخدمات الطبيّة السيئة، أو المدارس التالفة شكلاً ومضموناً.

    ولنلاحظ بأنّ الدول التي تتبع سياسة الخصخصة تفقد السيطرة على سياستها النقديّة، فتبتلع الشركات الأجنبيّة المُتعدّدة الجنسيات ثرواتها الوطنيّة من معادن ونفط ومنتجات زراعيّة، وقد تصل الأمور إلى حدّ سلب أراضي هذه الدول، أي هدم أسسها، لتضحي عاجزة على فرض إرادتها السياسيّة المُحققة للمصلحة العامة، نصيحة جورج واشنطن أن لا للعلاقات السياسيّة القسرية القائمة على الإكراه المباشر، ونعم للعلاقات الاقتصادية أولاً وأخيراً، كانت الحادي للاتفاقيات بين أمريكا والبلدان الأخرى، وبخاصة مع أوروبا. ذلك أنّ هذه النصيحة تحقق علاقات اقتصادية تتلاءم والسيطرة الأمريكيّة على العالم، ولذلك ستعود إلى الواجهة مع نهاية القرن التاسع عشر عبر ماهان وآخرين، فهل ثمّة حاجة لشرح جوهر مشروع مارشال بما يخصّ إعمار أوروبا بعد الحرب العالميّة الثانيّة، لقد طمأن المشروع أوروبا التي أوهمت بخطر شرقيّ مصدره الاتحاد السوفييتيّ، الذي ينزع إلى التوسع غرباً، بهذا استطاعت الولايات المتحدة إقامة أوروبا الأمريكيّة، فإطلاق اقتصاديات الدول الأوروبيّة لا بهدف تخليصها من يأسها وبؤسها بعد الحرب، بل بقصد فتح أسواق إن لم تبنَ فلن يتحقق للولايات المتحدة أيّ ازدهار.

    على هذا فلا بأس من التلويح بالخطر القادم من الشرق، وأمريكا – طبعاً – هي الحامي المنتظر، وعلى هذا – أيضاً – فالقروض هي ما منحه مخطط مارشال للأوروبيين لا الهبات، بريطانيا وفرنسا أولاً، وألمانيا أخيراً، فحصد الأمريكيون غير جنى، إذ نشطوا اقتصادهم بالتصدير إلى أوروبا، أوروبا التي استعادت قدرتها على الاستيراد، ووضعوا بلدانها في فلك التبعيّة لهم، أمّا الأسّ العميق لاتفاقيّة ” الغات – التجارة الحرّة ” فهو إفشال أيّ توجّه أوروبيّ يضع توجهات تخالف ما رسمه الأمريكيون في مغازيهم، والأمريكيون لا يطمحون إلى الكثير، فهم طامحون – فقط – إلى الهيمنة على السوق العالميّة للفولاذ والسيارات و الطيرانيْن المدنيّ والعسكريّ والكيمياء والألكترونيات والآلات الصانعة والآلات نصف الآليّة والنسيج.

    عبر نظام النقد الدوليّ – إذاً – وصندوق النقد الدوليّ والبنك الدوليّ، المعبّر عنها في اتفاقات بريتون وودز، ومشروع مارشال واتفاقية الغات بسطت الولايات المتحدة سيطرتها على العالم، فهل كانت السيطرة العسكريّة ممكنة؟ وهل ثمّة برهان على ذلك أكثر من اتفاقية الأطلسي، تلك التي جاءت عبر التخوّف من الخطر السوفييتيّ، لتسارع إحدى عشرة دولة أوروبية للتوقيع عليها؟ صحيح أنّه في ظاهره يضمن إيجاد وسائل دفاع مُشتركة لا تنتقص من الاستقلال الوطنيّ للدول المنضوية تحت لوائه، بيد أنّ الحقيقة تعبّر عن نفسها عبر المساعدات العسكريّة الأمريكيّة الضروريّة، ناهيك عن احتكار السلاح النوويّ، ما يحقق قيادتها للحلف، وعندما اعترض الجنرال ديغول على قيادتها له، أفشلت الولايات المتحدة اعتراضه، وعندما سارعت اليابان إلى توقيع معاهدة معها مع اندلاع الأزمة الكوريّة، رجع العالم إلى سباق التسلح، ما رسخ الصناعة العسكرية الأمريكيّة، بيد أنّ الحرب في شبه الجزيرة الكوريّة كانت بداية تدخل الحلف في شؤون الدول الأخرى. أوروبا  ثمّ أوستراليا ونيوزيلندا فباكستان وتايلاند والفلبين وإيران وتركيا كانت تدلل على سيطرة أمريكية مبسوطة فوق جلّ أصقاع العالم، وفي خطوة تالية أضحى الحلف موجهاً ضدّ عدو غفل، عدو غير معروف، مُتحوّلاً إلى مهام أخرى ليست دفاعيّة بأيّ حال، مهام واسعة الطيف إذ شملت السياسة والاقتصاد وما بينهما، أمّا تلك الجهود المضنية التي بذلتها الجمهوريّة الفرنسيّة الرابعة بقيادة ديغول، وذلك لإنجاز سياسة تتمايز عن سياسة الكتلتين، فلقد أخفقت تماماً، حلفه مع ألمانيا – إذاً – فشل، كان الجنرال ديغول بعيداً عن التسليم بأن تضع أوروبا مصيرها بين يدي ” قوة صديقة ” لا شكّ، لكنّ لعبة المصالح ومسار التأريخ والمآلات جعلها تنتمي إلى عالم مُغاير لأوروبا، ولمّا وجهت الولايات المتحدة صفعة لسياسته تلك، فجاءت بالمستشار لودفيغ أردهر – الأمريكيّ النشأة – إلى سدة الرايغستاغ، توجّه الجنرال صوب الصين وأوروبا الشرقيّة وآسيا ” رافضاً أن يكون ناسكاً في محراب الطاعة الأطلسيّة، ديغول “، إلاّ أنّ الجنرال غاب أو غيّب، وعندما أغضبتهم السوق الأوروبيّة المُشتركة، شجعوا بريطانيا على تكوين منطقة مُنافسة للتبادل الحرّ، وفي أعقاب التحوّل الكبير الذي طال خارطة العالم السياسيّة ذهب الأمريكيون أبعد فأبعد، إذ فتحوا الباب أمام دول أوروبا الشرقية للانضمام إلى الحلف، مُصرّين على إكمال هيمنتهم على العالم بالوسائل العسكريّة والثقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، غير بعيد – ربّما – عن قوة نوويّة جاهزة للتدخل ضدّ أيّ منافس يحوز قوة شبيهة، هذا في المقام الأوّل، والوقوف في وجه القوى النوويّة التقليديّة الصينيّة بقوة، وذلك عبر قواعدها في اليابان وكوريا الجنوبيّة، ثمّ القيام بمراقبة الروس والكوريين الشماليين.

    لكنّ الحديث عن دور دفاعيّ للحلف – كما روّج له أطرافه – بدا ضرباً من الغباء، بعد أن تشكلت قوة طوارىء للتدخل السريع في أيّ مكان في العالم، هذا إذا استدعت المصلحة الأمريكيّة مثل هذا التدخل، بشكل قد يُوضح أسباب التدخل في العراق ” لقد اكتشفنا مؤخّرا في العربية السعودية حقولا بترولية ؛ هي أكبر بكثير من التي يتمّ استثمارها “، والسؤال الذريعة هو ماذا لو وضع  صدام حسين – مثلاً – أو أيّ متطرّف دينيّ يده على هذه الحقول؟ إنّ أهمّ الأشكال نجاعة في نهب العالم الثالث هو الهيمنة على مواده الأوليّة، وانطلاقاً من هذه القاعدة الذهبيّة فـ ” الولايات المتحدة مستعدة لأن تقوم بالحرب من أجل أن تشتري النفط الذي لا تملكه وبالسعر الذي تفرضه – تشومسكي “، وقطعاً لدابر أيّ ردّ يذهب إلى عكس ما أوردناه تعالوا نحتكم إلى ما قاله الرئيس الأمريكيّ ريتشارد نيكسون بهذا الصدد ” نحن ذاهبون إلى هناك، وعلينا أن نفعل ذلك لأنّنا لا نسمح لأحد أن يمسّ مصالحنا الحيوية “، فهل ثمّة حاجة بعد لأمثلة أخرى كالكونغو – مثلاً – والصومال وليبيا وتيمور وقبرص.

    الاقتصاد أولاً، وبشكل غير مُباشر، فإن لم يكُ ثمّة بدّ حضرت الحرب، ولكن تعالوا نتفكّر في كيفيّة إدامة هيمنتنا على العالم! هذا ما سيشغل بال الساسة الأمريكيين، ليشير موردن بذكاء إلى أنّ الولايات المتحدة راحت تعمل على إكمال الحلقة، كيف؟ بما يمكن أن يتشبّه بمبدأ الإغلاق في الغشتالت – النظريّة التربويّة الألمانية الشهيرة –  وذلك عبر الهيمنة على العقول، في خطوة تعدّ الأكثر خطورة، ذلك أنّها استبداديّة في جذرها العميق، ربّما لأنّ الحكام – ومنذ زمن موغل في القدم – أدركوا أنّ ما يسوس الشعوب على نحو يُسهّل قيادتها، يتجلى عبر مُعتقدات وعادات حاضرة في الأذهان كصور، فعملوا على حلّ مُعظم رموزها، وتحويلها إلى تقاليد! إذ ما هي الوظيفة الرئيسية لهذه التقاليد؟ أليست إتمام المُعتقدات والعادات في الرؤوس لتتناسب مع مفهوم الطاعة والولاء؟ ثمّ أنّنا لا نظنّ بأنّ الدين في توظيفه السياسيّ سوى مثال جلي على ما أسلفنا من رأي، بشكل يُفسّر أحد أهم التحالفات عبر التأريخ، تحالف السلطان والفقيه برائحته المزكومة.

    على هذا التأسيس سنتبصّر في الخبر، لننوّه بأنّه وإن كان ينتسب إلى الاقتصادي بنسب البنوة، غير أنّه يتمفصل بدائرة الاتصالات بالمعنى الأعمّ للمفهوم، فهو يُسهم في العادات التقليديّة، وفي الوقت ذاته في الشكل الأكثر حداثة واستهدافاً للدعاية، نظنّ بأنّه غدا واضحاً أنّنا نشير إلى عالم الإعلانات، إذ تعالوا نتساءل أن ما هي الاتصالات؟ أليست جملة الأفعال المُتبادلة بين البشر، مُتضمنة الأنباء والمشاعر والانطباعات والانفعالات والأفكار والمُعتقدات والطقوس، وذلك بوساطة سبل مُحدودة تربط عدداً محدداً من الأفراد على نحو حميميّ كالمُحادثة أو تبادل وجهات النظر أو الدردشة أو المحاضرات أو الندوات أو البطاقات الحميمية أو الملاحظات المكتوبة؟ ألا يمكن الاعتماد على وسائل جماهيريّة أكثر فعاليّة تمثلها الصحافة المكتوبة والتلفاز والسينما والطباعة والإعلان والفنون التشكيلية..الخ؟ على هذا أليست الاتصالات بهذا الشكل روح الجماعة في ائتلاف، عبر المُثاقفة في وجهها السلبيّ، أي ذات الاتجاه الوحيد؟ لهذا ستعمل الولايات المتحدة على الفوز بعقول البشر، فتلغي هُويّة الآخرين، إنّ تحطيم هذه الهُويات يتطلب تفكيك الإرث الجماعيّ للشعوب متمثلاً باللغة والتأريخ والفنون والآداب، من غير أن تنسى التقاليد، بما هي انعكاس لنظام القيم ضمناً، أي سمات الجماعة البشرية، وأدواتها الثقافيّة / العاطفيّة، تلك التي تؤسّس لإمكانيّة التفكير والحكم – ومن ثمّ – اتخاذ القرار، ما يُفقد الجماعات البشرية ردود أفعالها الجماعيّة الضاربة عميقاً في ذاكرتها الجمعيّة، ليتجلى طرفي المعركة في الإنسان الاقتصادي، الذي نذر نفسه لإله التجارة والمال من جهة، والإنسان المثقف، الذي لا يُراد له أن يتفكر بسؤال : من أكون؟ خارج المجال المرسوم له بدقة وأناة.

    مؤكد أنّ الأمريكان ليسوا من اكتشف سلاح الدعاية، إلاّ أنّهم تمكنوا من تصييره أداة جدّ فعالة في التحكم بالجمهور، أو الغزو بمستوياته السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، هذا كله غير بعيد عن فنّ أتقنه الأمريكيون، وأولوه رعاية قصوى، ” فنّ التزوير ” بتعبير موردن، ولا نظنه إلاّ المُعادل الموضوعيّ لسفر هام أنجزه تشومسكي تحت عنوان ” صناعة الوهم “، كما نظنّ أنّ الجمهور الأمريكيّ كان بعيداً عن هيمنة هذه الصناعة، إذ صدّقوا تماماً  بأنّ العراق يشكل خطراً على بلادهم، ليقفوا وراء بوش في احتشاد لا مثيل له أثناء حربه على هذا البلد الشقيق، فهل يتجاهل من يتدبّر أموره على هذا النحو، ويرسم لها بدأب وصبر ولكن بإصرار لا يعرف الكلل أيضاً، جهازاً سحرياً كالتلفاز؟ ألا ترتبط الدعاية بهذا الجهاز على نحو عضويّ؟ قد لا نكون على الطريق للتنظير في هكذا موضوع تسلل إلى كلّ بيت وعقل، لذلك سنقف بدلالة الأرقام التي استشهد بها موردن عن السيطرة الأمريكيّة على البث التلفزيونيّ، ذلك أنّ قناة عامة كالقناة الفرنسية الثانية تبث ما مقداره ثلاثمائة دقيقة من برنامجها اليوميّ في الدعاية للنموذج الأمريكيّ في رؤية العالم، هذا إلى جانب إعلانات أمريكية الطابع، وليبرالية طبعاً، في حين أنّ القناة الفرنسية الثالثة، التي لا تعدّ قناة فرنسيّة فقط، بل أوروبية أيضاً، فلا يختلف الأمر فيها عن سابقتها، حتى إذا انتقلنا إلى القنوات الخاصّة بدت اللوحة مُرعبة، إذ يُهيمن البث الأمريكيّ أو الأمريكيّ الشكل على ثمانمئة دقيقة من وقت القناة الفرنسيّة الأولى، وتتشبه بها القناة السادسة، ناهيك عن إسهامها في ظاهرة الأغاني المصورة على شكل كليبات، تولّد تأثيراً بعيداً ومضللاً، بالتأسيس على صور هاربة عبر حركة دائمة، على نحو يجعل التركيز معها مستحيلاً، تأثيراً ضاراً في نتائجه على الملكة اللازمة لحيازة المعرفة، ولنلاحظ بأنّنا نستشهد بالتلفزيون الفرنسيّ، الدولة التي قاومت هيمنة أمريكا طويلاً، والتي لا تزال تجاهد في مجال السينما – مثلاً – على أنّها فنّ، في وجه الولايات المتحدة التي تعمل عليها كتكنولوجيا، فما الذي يمكن أن نورده بشأن الفضائيات العربيّة التي توالدت كفطور سامة، وما هي طبيعة البرامج والمسلسلات والأفلام التي تبثها.

    صحيح أنّ الأخوين لومير اخترعا السينما، ولكنّ أمريكا لم تكن راضية عن اختراعهما لأنّهما فرنسيان، ولهذا عملت على ” التغرير ” بنجوم أوروبا في هذا المجال، وذلك فور ظهور السينما الناطقة، إنّنا إذ نتذكّر شارلي شابلن أو ألفريد هيتشكوك أو ستنبرغ أو أنغريد برغمان وبول براينر أو مادلين ديترش وأرول فلين وغريتا غاربو وغاري غرانت الذين أغوتهم هوليوود عاصمة السينما الأمريكيّة، إنّما نتذكرهم على سبيل التمثيل لا الحصر، إذ من غير المعقول أن تظلّ أداة خطيرة في تأثيرها على العقول خارج السيطرة الأمريكيّة، وفي هذا الإطار يُمكننا أن نستشهد بجان بيير شوفنمان في ملاحظته الهامة حول خطورة ما تقوم به الولايات المتحدة أثناء العمل على حكايات وأساطير أوروبيّة، ذلك ” أنّها تحتفظ بالقصة ظاهريّا، ولكن تحوّل معناها العميق لاستغلالها في خدمة قيمها – الفردية والاستهلاكية – بعيد كلّ البعد عن النموذج البنيوي القائم في المجتمعات الأوروبية “، ولا نظنه جانبَ الواقع في شيء، فلقد تسيّد النموذج الأمريكيّ، نموذج السوبرمان السينما، بل والحياة أيضاً، لوأد النماذج الوطنية، والنأي بالأذهان عن المضامين الثقافيّة التقليديّة لمصلحة الأدلجة الأمريكيّة، ما يعني بالضبط هدم وتخريب الهُويات الوطنيّة، ولكن لماذا؟ لا لشيء، فقط لإنجاز نموذج نمطيّ على المستوى العالميّ يقبل السيطرة الأمريكيّة بسهولة، ناهيك عن إدامة هذا القبول بالتبنيّ، أي عبر الاستلاب أو التماهيّ، تماهي الضعيف بالقويّ، على نحو يذكّرنا بتفصيل ابن خلدون في هذه المسألة! على هذا سنجد أنفسنا في حضرة الزيّ، إذ سيحتجب التنوّع الثرّ في الزيّ العالميّ، المتناغم مع ثقافاته أو – حتى – مع مناخاته، وذلك لحساب الجينز ” الفظ “، العمليّ والذي لا يبلى، أو لحساب أقمشة مبرقشة تخلو من الرهافة والذوق والانسجام، حتى المطبخ العالميّ بتنوّعه وثرائه وتمايزه المتوارث لن يسلم من الاعتداء الأمريكيّ السافر والصفيق، الذي سيعمل على ابتلاعه عبر أطعمة ذات شكل واحد ” هوت دوغ – همبرغر “، فتتلاشى مطاعم الكافيه رويال ومكسيم وشه ثانت إيفيت والبتي روتيه مثلاً، أو المطبخ الهندي والتركيّ والصينيّ أو اليابانيّ والمكسيكيّ، تتلاشى في ماكدونالد، المطعم الأمريكيّ الأمميّ بروعته المأساويّة، والذي يرنو إلى البقاء وحيداً بلا منافس، بقي أن تكتمل الصورة بشيء من الكوكاكولا كمتمم للغذاء الدولي البائس، إلى جانب موسيقى الروك والعلكة والسيارات ذات الصادمات اللامعة، لتلغى من ثمّ الثقافات الغذائيّة المتمايزة، وليترتب على الجمهور أن يصرخ بملء صوته إن سئل عمّا يُريد : “الكوكاكولا”.

    ثمّ ماذا بعد؟ ليس ثمّة الكثير في ما نتوهّم! اللغة ربّما، حسناً.. ماذا لو تمّ الاشتغال على مسلسلات وأفلام انكليزيّة بلكنة أمريكيّة !؟ ثمّ أي ضير في منح دراسيّة جامعيّة، تشمل برعايتها طلبة من مختلف بلدان العالم؟ وماذا لو تمّ الاشتغال على إزاحة اللغات الأخرى عن التدريس والإعلانات، الإسبانيّة – مثلاً – أو الفرنسيّة والعربيّة؟ ألا يُفضي الدرب إلى أمركة حاذقة للعالم لغوياً؟ ولا نظنّ بأنّ امبراطوريّة جبارة كأمريكا ستهمل الحاسوب، بما هو لغة المستقبل، وذلك في ظلّ ثورة المعلوماتيّة، لتضحي المعلومة مصدر قوّة، ففي نهاية عام 1996 أكّد جوزيف ناي، العضو السابق في البنتاغون، ومدير مدرسة كنيدي في هارفارد “بأنّ أمريكا وبفضل قدرتها التي لا مثيل لها على الدخول في الأنظمة الإعلامية، سوف تؤمّن في مستقبل قريب سيطرتها السياسية على العالم”، لهذا أقدمت شركة “مايكروسوفت” على عقد حلف مع ” أي. بي. أم “لضمان السيطرة على سوق الحواسيب العالمي، فهذه الأجهزة الذكيّة ستلعب دوراً بالغ الأهميّة في تجميع الألعاب والأفلام والأخبار والدعايات، ومن ثمّ تأهيلها في كتلة اتصالية متداخلة، وستقوم رقائق السيليكون العجيبة، أي الرقائق الألكترونية بتأمين هيمنة أمريكية تامة على البثّ التلفزيوني ذي الدقة العالية، والنتائج مذهلة، فهي ستضرب كلّ مجالات الفكر وهويّة الأفراد وحتى الدول بالتتابع، إنّها حرب الجميع ضدّ الجميع تحت رعاية وتوجيه أمريكيَّين”.

    مرة أخرى، وفي المجتبى ما قبل الأخير، سنفهم اصطفاف الاقتصاديين والسياسيين ورجال الكنيسة – إذ أنّ الدور الاستتباعي للدين بالسياسة لم يعد سراً، وقد يفسّر المسألة – نقول بأنّنا سنفهم اصطفافهم خلف الحلم الأمريكي في السيطرة على العالم، ومن ثمّ تسيّده! ولا نظنّ بأنّ ثمّة جديد أو غريب في الموضوع، إنّه حال الامبراطوريات التي ظهرت تاريخيا، ولنا في امبراطوريّة الاسكندر المقدوني أو الامبراطورية الرومانية و الفارسية، العباسية الإسلامية، العثمانية، الفرنسية، أو البريطانيّة خير مثال للتأكيد على ما تقدّمَ، أمّا ما سيُشكل على أفهامنا المُتواضعة – ثانية – فهو اصطفاف الشعراء والأدباء والمفكّرين والفلاسفة خلف هذا الحلم، هذا إذا وضعنا في حسابنا أنّ الفلاسفة – في ما نتوهّم – لا يشتغلون بمعزل عن موضوعة الأخلاق، وهذا حال المفكّرين، أمّا الشعراء فهم ينيطون بأنفسهم – عادة – صياغة حساسية الإنسان لعصره، إنّهم أبدا في صفّ الحقّ والخير والجمال، فكيف، ولماذا؟

    أمّا في المجتبى الأخير فسنتساءل : ولكن هل ثمّة أمل في المقاومة بعد؟ وبمعنى آخر سنتساءل : أمن الممكن أن نقف في وجه هذه القوة العاتية الباغية، التي تفرض “آيديولوجية وشرطة تلجأ إلى الرعب، واحتكار لوسائل الاتصالات الإعلامية، واحتكار للقوة المسلّحة، واقتصاد متمركز – كلود بولان”؟

    بداية علينا أن نقرّ للأمريكان بأنّهم يحوزون الإرادة في متابعة حلمهم المُؤسّس على قواعد آيديولوجية وسياسيّة، وهو بلا شكّ إيمان راسخ ورثوه من الآباء المؤسّسين، ولا تنقصه شجاعة الفعل، أو العناد في مُجابهة مكر التأريخ أو مخاطره، أو تجاوز الحواجز، محتملين – في هذا – عداوة الشعوب والأحقاد، وهذا أتاح لهم أن يُنجزوا ” رسالتهم ” العالميّة، اللهم إلاّ قليلا. بقي أن نتساءل : بفرض بصيص إمكان للمقاومة وجدواها، نقول بفرض فكيف سيكون الردّ؟ ربّما كان علينا القول – بداية – باستعادة الوعي، إذ لا يمكن – والكلام هنا لموردن – مجابهة من يروم فرض قوانينه علينا، إلاّ إذا “أحسسنا فكريا وجسديا بسلطان من يهيمن علينا”، وعليه فسوف تسمح السياسة التربويّة السليمة “بأن نفهم ما يجب أن تكون أوروبا عليه ثقافيا واجتماعيا وسياسيا – موردن”، فهل ينطبق هذا على بقية قارات العالم على آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، أوستراليا، وكندا، وأمريكا الوسطى أيضا؟ وأين هي من هكذا دور، يفترض وحدة في الموقف والسياسات؟

    هي مهمة الجميع إذاً، مهمة تبدأ بالتعليم، أي بالمدرسة، بما هي الحلقة الأساس في تكوين الشخصيّة الإنسانيّة اليوم، بعد الأسرة طبعاً، إنّ نظام التعليم إذ يضع إنتاج الوعي في مقاصده، سيُنجز رؤيا واضحة للتاريخ والعلوم والآداب والفلسفة والفنون، كما سيخلق مواطن الغد، المواطن الناقد، المتسامح، والمتمسك – على – عناد بمواطنيته وبانتمائه الثقافيّ، وسيعي هذا المواطن بأنّ الأولويّة هي للسياسيّ، وأنّ على الاقتصاد أن يرجع إلى موقعه في ارتباطه بهذا السياسيّ، أي المرتبط بإرادة المواطن، الطرف الرئيسيّ في العقد الاجتماعيّ بينه وبين الحاكم، ولهذا عينا أن نضع في حسابنا – وعلى نحو دائم – أن لا فئة من البشرية لها أن تحوز صيغاً تنطبق على المجموع، وأنّ البشريّة إذ تجتمع في بوتقة واحدة ولون واحد، إنّما هي بشرية بائسة، عصيّة على الاستحضار كصيغة واقعيّة، ذلك أنّها – عندئذ، ومن كلّ بدّ – ستكون عبارة عن هياكل عظميّة، أمّا نحن، أي شعوب العالم الثالث على وجه العموم، والشرق الأوسط على نحو خاص، فلا شكّ بأنّ طريقنا أطول، ذلك أنّ نخبنا السياسيّة الحاكمة – على امتداد هذه الساحات – يجب أن تتصالح مع جمهورها أولاً، وهذه أكثر المهمات صعوبة إن لم نقل استحالة، في تشاؤم له غير مُبرّر، أي أن ترتقي إلى صيغة العقد الاجتماعيّ، التي تنظم علاقتها بجمهورها، هذا بعيداً عن علاقة الراعي بالقطيع المسيحيّة بحسب ميشيل فوكو، وأن تعيد النظر في علاقة الديني بالسياسيّ فالدولة، وتعيد إلى المؤسسات اعتبارها في ظلّ دولة القانون، إذاك – فقط – ربّما يكون ثمّة أمل بعد، غير بعيد عن تحالف عالميّ – نؤكّد : عالميّ – وثيق.

محمد باقي محمد عضو اتّـحاد الكتّاب العرب في سوريا – عضو جمعيّة القصّة والرواية يُشغل حاليّاً موقع رئيس فرع الاتّحاد في محافظة الحسكة يحمل إجازة عامة في الآداب؛ قسم الجغرافية، كما يحمل دبلوماً في التأهيل التربويّ من كليّة التربية في جامعة دمشق صدر له قصص وروايات.

______________________________________________     
–    أمريكا المستبدة – ميشيل بينيون موردن – ترجمة د. حامد فرزات – إصدارات انحاد الكتاب العرب 2001
–    ميشيل بينيون – موردن : من مواليد عام 1947، درس الأدب واللسانيات الانكليزية والفرنسية والفلسفة الصينية في جامعات نيو شاتل وفريبور وأوكسفورد، حصل على إجازة في الآداب، وتابع دراسته في لتدن واستنكز، ثمّ حضّر أطروحته في الآداب الانكليزية حول الشاعر كوليدرج، يحمل دكتوراه في الآداب، وهو أستاذ في جامعة فريبور، ويعدّ حاليّا دراسة معمّقة حول كتابات كونفوشيوس وزونزي وسينيك.
–    كلّ ما ورد في المتن بين قوسين بلا إسناد مأخوذ من كتاب “أمريكا المستبدة”.

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial