المرأة العربية والثقافة العربية بقلم فيحاء عبد الهادي

تمهيد
أحبّ أن أذكِّر في بداية كلمتي، بأن اليوم: 30 تشرين الثاني 2013، هو اليوم الخامس، من بداية الحملة الدولية لهذا العام: 16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة، والتي تنتهي في اليوم العاشر من الشهر المقبل، الذي يصادف اليوم العالمي لحقوق الإنسان. وتشارك في الحملة 1700 مؤسسة، من أكثر من 135 دولة، عبر العالم، وشعارها العام لهذا العام: “سيادة القانون والعدالة الاجتماعية..تحميان السلم في المنزل والمجتمع” “من السلام في البيت إلى السلام في العالم”. أما شعارها الخاص، ذو اللون البرتقالي، فهو: “أماكن عامة آمنة للنساء والفتيات”.
كما أذكِّر بأن بداية الحملة تتزامن مع الذكرى الثالثة عشرة لصدور القرار الأممي 1325، المكوَّن من 18 نقطة، تشتمل على أربعة مواضيع رئيسة، وهي: مشاركة النساء في صنع القرار وفي عمليات السلام، والتدريب المبني على النوع الاجتماعي في عمليات حفظ السلام، وحماية حقوق الفتيات والنساء، وتعميم منظور النوع الاجتماعي في أنظمة الإبلاغ والتنفيذ في الأمم المتحدة.
وأعتقد أن المرأة العربي في أمس الحاجة إلى سيادة القانون والعدالة الاجتماعية. وليس هناك أحوج منها إلى الأمن والأمان؛ حتى يمكنها أن تشارك في عمليات السلام. ذلك السلام المبني على العدل، والذي يتسع ليربط بين الخلاص من العنف والسيطرة على الموارد – الحقوق القانونية والتعليم والعمل والصحة – وتحقيق الأمان.

المرأة العربية والثقافة العربية

أبدأ ورقتي، بمقدمة تاريخية، أقارن، من خلالها، بين وضع المرأة  العربية أمس ووضعها اليوم، وأناقش أوضاع المرأة العربية بين التقدم والتراجع، ثم أقف لدى أثر الثقافة العربية، في التغيرات التي لحقت بوضع المرأة العربية، إيجابا وسلبا ضمن رؤية تتبنى مفهوم الثقافة الواسع، الذي يعبر عن مجموع السمات الروحية، والمادية، والفكرية، والعاطفية، التي تميز المجتمعات، او الفئات الاجتماعية، والتي تشمل: الفنون والآداب، وطرق الحياة، وحقوق الإنسان، ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات، اعتماداً على ما جاء في إعلان مكسيكو في العام 1982م، بشأن السياسات الثقافية.  
 استعنت ببعض الإحصائيات العربية والعالمية، بما يخدم الرؤية التي أطرحها في هذه الورقة.

مقدمة

لدى المقارنة بين حال المرأة أمس، في القرن العشرين، وحالها اليوم، في القرن الحادي والعشرين، سنجد تقدّماً ملحوظاً في وضع المرأة العربية، يتمثل في زيادة إدماجها في المجتمع: ازدياداً في المشاركة السياسية، وازديادًا في نسبة النساء المتعلمات، وازدياداً في النساء المساهمات في الإنتاج الثقافي الإبداعي، بشكل لم يسبق له مثيل، وازديادا في مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار، خاصة على المستوى الثقافي، وتراجعاً في نسبة الأمية الأبجدية بين النساء، وتزايدا في المشاركة في سلك القضاء.
أما المجال الذي لم يراوح مكانه فحسب؛ بل تدهور، حسب النسب العلمية والإحصاءات، فيما يتعلق بواقع المرأة، فهو المشاركة في سوق العمل المأجور. حيث سجلت الدول العربية أكبر نسبة بطالة بين النساء في العالم، طبقاً لتقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (الإسكوا)، الذي صدر في نهاية أيلول 2013 : بلغت نسبة بطالة النساء العربيات 40% من مجموع العاطلين عن العمل، مقابل 25% من القوى العاملة.

لقد خاضت النساء في القرن الماضي، ومنذ أواخر القرن التاسع عشر، نضالاً عنيداً من أجل حقوقهن، وأثبتن كفاءة متميزة في ميادين عديدة؛ ما جعل النساء بعد ذلك يحصدن نتيجة ما زرعت النساء الرياديات في مجالات عديدة:  الكتابة، والصحافة، والسياسة، والطب، والفن، والفكر؛ نذكر روز اليوسف، التي شقت طريقها بنفسها، وأسست مجلة روز اليوسف، ثم عالمة الذرة الأولى في الشرق العربي: د. سلوى نصار، التي تعد تاسع امرأة، في هذا الاختصاص في العالم.  ونذكر الشاعرة فدوى طوقان، وعنبرة سلام الخالدي، التي ترجمت “الإلياذة” و”الأوديسة” و”الإنياذة” عن الإنجليزية، وكانت أول سيدة تلقي حديثاً نسائياً من إذاعة القدس. ونذكر الطبيبات الأوائل: سنية حبوب وهيلانة سيداروس. كما نذكر أسماء نساء خليجيات، أسسن لدور جديد للمرأة، مثل: خيرية السقاف، التي شغلت موقع أول مديرة تحرير، في منطقة الخليج العربي، في جريدة الرياض، كما كانت د. فاتنة أمين شاكر، أول مذيعة سعودية، قدمت برنامجاً نسائياً، بعنوان البيت السعيد، سنة 1381 هجرية. وبالإضافة إلى هذه المجالات، شاركت نساء عربيات في مؤتمرات عالمية: مثل هنا كسباني كوراني اللبنانية، التي شاركت في العام 1892، في المؤتمر النسائي الدولي، الذي انعقد في شيكاغو، ومريانا مراش السورية، التي اقامت صالوناً أدبياً في حلب، ثم هند نوقل اللبنانية، التي أصدرت مجلتها “الفتاة” العام 1892، وكذلك لبيبة ماضي هاشم، التي اصدرت مجلة “فتاة الشرق”، العام 1906م، كأول مجلة نسائية شهرية لبنانية، ثم أصدرت في الأرجنتين، مجلة “الشرق والغرب”، العام 1923م. (بيومي: 1998: 17).

وإذا اعتبرنا أن الإنجاز الأعمق للنساء، هو ذلك الذي يزاوج بين التقدم السياسي والاجتماعي؛ فسنجد أن الإنجاز الأكبر لنساء الوطن العربي، تحقق في تونس والمغرب.
كان لتونس، فضل السبق، في تحقيق عديد من المكاسب للمرأة، منذ العام 1956م، حيث صدرت مجلة “الأحوال الشخصية”، التي تم بموجبها: منع تعدد الزوجات، والمساواة ما بين المرأة والرجل في الطلاق، والحصول على الحق في منح الجنسية لأبنائها ، وتدل الإحصائيات، على أن هناك ارتفاعاً في المشاركة في البرلمان: 27%، وهي الأعلى في الدول العربية بعد الجزائر .
كما أصدرت المغرب، مدوّنة “الأحوال الشخصية” عام 1957، ثم عدلت أولاً عام 1993، وعدلت مرة ثانية في 5 شباط عام 2004؛ لتصبح مدونة للأسرة. تلك المدونة، وتعديلاتها لاحقاً؛ تضمنت كثيرا من حقوق المرأة المغربية: في المساواة، وفي الزواج، وفي الطلاق، وحقوق الأطفال، وتقييد تعدد الزوجات، وفي صرامة تنفيذ القانون .
أما في الدول العربية الأخرى، فقد تركز الإنجاز في الجانب السياسي، بالرغم من بعض التحرك، على الصعيد الاجتماعي. وقد تمثلت هذه المشاركة، في تبوّئ مواقع ضمن الجهاز التنفيذي، في معظم الدول العربية، وفي المشاركة في بعض البرلمانات العربية:
في لبنان، وفي عام 2004 بالتحديد، وبعد نضال نسوي لبناني عنيد، لأكثر من سبعة عقود؛ عينت امرأتان هما: ليلى الصلح ووفاء حمزة، وزيرتين في الحكومة اللبنانية. بعد أن كانت لبنان قد عينت القاضية: جورجيت شدياق، في العام 1969م. وفي قطر: عينت امرأة على رأس وزارة التربية والتعليم،  عام 2003، هي: شيخة المحمود، وهي أول امرأة قطرية وخليجية تتبوأ هذا الموقع، كما فازت فاطمة المنصور، نائب رئيس بنك ابو ظبي التجاري، بجائزة المرأة العربية المتميزة، في دورتها الثانية، وهي أول خليجية وعربية، تحصل على جائزة المرأة العربية، في قطاع البنوك والاقتصاد. أما ندى زيدان، فقد كانت أول قطرية وخليجية، شاركت في راليات الشرق الأوسط، وفازت بكأس السيدات، في رالي دبي الدولي العام 2004. وعينت د. راوية بنت سعود البوسعيدي، كأول وزيرة للتعليم العالي،  في عُمان، عام 2004 . وفي البحرين؛ عينت امرأة وزيرة للصحة، وتتولى الآن “سميرة رجب”، وزارة الإعلام، كوزير الدولة لشؤون الإعلام، والمتحدث الرسمي باسم الحكومة البحرينية، بعد أن عينت عام 2012 . (وزيرة الثقافة في البحرين امرأة اسمها ميّ الخليفة)
وفي تونس عينت امرأة والية لولاية “زغوان”. وفي موريتانيا، ترشحت “عائشة بنت جدان” لرئاسة الجمهورية، كما ترشحت “لويزا حنون” في الجزائر لمنصب رئيس الجمهورية، وتولت امرأة منصب رئيس مجلس الدولة. وفي السعودية، عينت شرطيات في وزارة الداخلية، وشغلت فاتنة شاكر في العام 1980 موقع: أول رئيسة تحرير مجلة في المملكة العربية السعودية. وفي الأردن؛ عدِّل قانون الانتخاب، وثبتت الكوتا النسائية، ليتاح لست نساء الدخول إلى البرلمان، بداية، ثم لتحصل 15 سيدة على مقاعد، في الانتخابات لمجلس النواب السابع عشر . وجرى تعيين امرأة كناطق رسمي باسم الحكومة: أسمى خضر، التي حملت في الوقت نفسه حقيبة وزارة الثقافة، وهي أول من يتسلم مسؤولية هذا المنصب في البلاد العربية، بعد د. نجاح العطار، التي تسلمت هذه الوزارة حوالي ربع قرن من الزمن، وإليها ينسب التقدم المضطرد، والمبرمج لكل أنواع الثقافة الإبداعية الحديثة في سوريا، من الكتاب إلى المسرح إلى السينما والفنون التشكيلية، وغير ذلك، فكانت نموذجاً لما يمكن أن تقوم به المرأة العربية من إنجاز، حين تكون في موضع اتخاذ القرار.
وفي مصر، عينت امرأة، لأول مرة، رئيسة لمدينة المراغة/ سوهاج، في صعيد مصر، المشهور بأنه الأكثر محافظة. كما عينت “تهاني الجبالي”، أول مصرية في منصب القضاء، في 22 يناير عام 2003؛ ليتبعها تعيين 32 قاضية عام 2007 .
وفي الجزائر هناك 900 قاضية، وأربع وزيرات. وفي فلسطين تولت زهيرة كمال وزارة شؤون المرأة، عام 2004، ثم ارتفع عدد الوزيرات إلى خمس، عام 2009 . وفي العراق عينت ثلاث نساء في مجلس الحكم العراقي، كما عينت امرأة، لتكون سفيرة للعراق، في الولايات المتحدة، كماعينت الصحافية عشتار جاسم الياسري، رئيسة تحرير لصحيفة ساخرة “حبزبوز”، وهي ثاني امرأة عراقية، تتولى رئاسة تحرير صحيفة عراقية، وكانت الصحفية الأولى هي: إسراء شاكر، التي تولت رئاسة تحرير صحيفة الاتحاد الأسبوعية، فترة الحرب، وأصدرت جريدة “العراق اليوم” بعد انتهاء الحرب بأيام قليلة.
وفي الكويت أقر البرلمان، يوم 16 أيار 2005، وبعد نضال نسوي ممتد، حق المرأة السياسي، في الترشيح والانتخاب.

وبالرغم من التقدم الرئيس، الذي تجسد في وصول نسبة من النساء، إلى مواقع صنع القرار؛ إلا أن ذلك التقدم يبقى منقوصاً؛ ما لم يتضافر مع تغييرات اجتماعية ثقافية اقتصادية، تصل إلى الجماهير العريضة من النساء العربيات؛ لتعبر عن همومهن وآمالهن، ومنبثقة من واقع الحياة التي يعشنها؛ مما يدفعهن إلى تبني المكاسب التي تحققها النساء، والدفاع عنها، كمكاسب تعنينهن وتمسّ حياتهن وحياة أسرهن: اليومية، والمستقبلية.

وعلى المستوى الثقافي الخاص، الذي يتمثل بالإبداع؛ فإن للمرأة العربية مساهمة أساسية فيه، منذ عصر النهضة. فمع نهاية القرن التاسع عشر، واتساع التعليم، ورغم التقاليد التي كانت تقيد المرأة، وتحصر دورها داخل أسوار البيت؛ إلا أن عدداً من النساء تمكنَّ من الوقوف إلى جانب الرجال، في التعبير الأدبي، عن الواقع الاجتماعي والسياسي، فبرزت كاتبات سياسيات، وكاتبات اجتماعيات، قمن بدور الريادة، وفتحن الأبواب أمام من يملكن الموهبة في كل أنواع الفنون والآداب، حتى بات لكل بلد عربي، عدد من النساء، اللواتي يقفن في الصف الأول مع الرجال، في مجال الإبداع الأدبي والفني، وصار في الوطن العربي شاعرات متميزات، مثل: فدوى طوقان ونازك الملائكة وسلمى الخضراء الجيوسي، وكاتبات قصة مثل: سميرة عزام وغادة السمان وحزامة حبايب، ورواية مثل: حنان الشيخ، وهدى بركات، وأحلام مستغانمي، ورضوى عاشور، وميرال الطحاوي، وسحر خليفة، وليانا بدر، وليلى العثمان، ونقد مثل: خالدة سعيد، ويمنى العيد، ورشيدة بن مسعود، وبثينة شعبان، وفكر مثل: ملك حفني ناصف (باحثة البادية)، ونوال السعداوي وفريدة بناني ومي زيادة وفاطمة المرنيسي وآسيا جبار. ولم تتوقف شهرتهن ولا تأثيرهن عند حدود إقليمية، فهناك من وصل إنتاجهن مترجماً إلى شتى دول العالم، وهناك سينمائيات معروفات على المستوى الدولي، مثل: مي المصري ومفيدة التلالي، وفنانات تشكيليات لهن موقعهن المتميز في التعبير، ومبدعات في غير ذلك من الفنون، بما في ذلك التمثيل مثل: سميحة أيوب وسناء جميل، والغناء مثل: أم كلثوم وفيروز وفايزة أحمد، والمسرح مثل: نضال الأشقر.
وبشكل عام يمكن القول ببروز أسماء، تقف إلى جانب أكثر الأسماء شهرة في العالم، قدرة وانتشاراً؛ ما جعل مشاركة المرأة العربية في الإنتاج الإبداعي الثقافي، ركناً أساسياً في هذا الإبداع، حتى وإن كانت بعد، لا تملك باعاً طويلاً في بعض ألوانه، مثل الموسيقا، تلحيناً وتأليفاً، والنحت، إلى حد كبير، وهو ما يشكل ظاهرة عالمية، لا تقتصر على المرأة العربية وحدها.
ورغم الكثير من الانتقادات التي وجهت، إلى الكتابات النسوية، التي تتحدث عن طبيعة المرأة، ومصادرة الصادق الصريح منها في أوقات كثيرة؛ لكن ذلك كله بات من الماضي، في معظم البلدان العربية، بسبب زيادة عدد المبدعات من النساء، وبسبب زيادة الوعي داخل المجتمع، وبسبب الانفتاح على العالم، عبر أجهزة الاتصال المختلفة.
ومع اتساع مشاركة المرأة في الإبداع، اتسعت مشاركتها في المؤسسات التي تخطط له، أو ترعاه، رسمية كانت أو مدنية. ويمكن القول إن تواجد المرأة العربية في المؤسسات بات جزءاً من طبيعتها، وإذا كان بدأ في الأساس، من باب الحرص على مساهمة المرأة في الواقع الثقافي، فقد أصبح الآن إنجازا للمرأة ذاتها، وجزءاً من حركة المجتمع، وموقع المرأة فيه. وقد بات من النادر غياب المرأة عن مواقع اتخاذ القرار في المؤسسات الرسمية (مثل: وزارات الثقافة، والمجالس العليا للفنون والآداب) كما بات وجودها في المؤسسات الشعبية المنتخبة (مثل اتحادات الكتاب) نتيجة لوجودها الفاعل في المجتمع ذاته. 

أوضاع المرأة العربية بين التقدم والتراجع
كيف نقرأ تراجع دور المرأة، في ضوء ما سبق من تطور وإنجازات؟ وما الذي يعيق تطور وضع المرأة، رغم التقدم الملموس الذي أحرزته، في مجالات المعرفة كافة؟
علينا أن نقف لدى معاناة النساء العربيات أولاً، ثم نقف لدى عوامل تقدمهن وأسباب تراجع دورهن.
لا نستطيع الحديث عن نساء، تحملن السمات نفسها، في أنحاء الوطن العربي كافة؛ لكنا نستطيع الحديث عن سمات متقاربة للنساء، في الوطن العربي.
ورغم التقدم النسبي الذي أحرزته المرأة، في مجالات متعددة؛ إلا أنها تعاني معاناة مزدوجة: معاناتها كمواطنة عربية، تحمل هموم شعبها العربي، وآلامه وآماله، ومعاناتها كامرأة، تعاني التمييز بسبب جنسها؛ الأمر الذي ينعكس من خلال قوانين غير منصفة، تضعها في موقع التابع لا الشريك، الأمر الذي يضعف إمكانية استفادة الوطن من خبراتها وطاقاتها. وحين تحصل، من خلال نضالها الدؤوب، على بعض الحقوق، تتعرض لنقد شديد، من القوى المحافظة. وما زالت المرأة تناضل على جبهات عديدة: جبهة الفقر والتخلف، وجبهة الحريات التي لا تتجزأ، والتي تشتمل على حريتها كامرأة. وحريتها كامرأة، تقتضي النضال بشكل أساس، لتطوير قانون الأحوال الشخصية في بلدها، والمشاركة في النظام التنفيذي، والتشريعي، والقضائي، والإدماج في خطة التنمية.
إذا نظرنا إلى تقدم وضع النساء العربيات، كنضال عنيد تخوضه النساء، مع الرجال، المؤمنين بأهمية إشراك المرأة في مناحي الحياة جميعها؛ ندرك أن تقدم أوضاع المرأة لا يمكن أن يكون صاعداً على طول الخط.
وإذا نظرنا إلى أهمية أن تأتي مكاسب النساء، نتيجة وعي مجتمعي، ورغبة في التغيير؛ لا منَّة وهبة من الحكومات العربية؛ ندرك سبب التراجع في بعض المكاسب التي أحرزتها النساء، والذي يمكن أن يتبعه صعود، أو أن يكون تراجعاً يحتاج وقتاً أطول، كي يترسخ في الحياة الاجتماعية العربية.
ومن الضروري من أجل ترسيخه، أن يتجسد هذا التقدم، في قوانين وتشريعات، تحمي هذا التقدم، وأن تتبناه القواعد العريضة من النساء، كي تكون له قابلية الحياة، بالإضافة إلى مسؤولية الدول، التي تنجح النساء فيها، في تثبيت قوانين عادلة، في تطبيق هذه القوانين. وهذا لا يخص البلاد العربية فحسب؛ بل هو مطلوب من دول العالم كافة، التي تعاني النساء فيها من عدم تنفيذ القوانين التي تم تثبيتها في نصوص قانونية:
” تشير جمعية تضامن النساء الأردنية “تضامن” إلى ارتفاع في وتيرة الإصلاحات القانونية المتعلقة بحقوق النساء على المستوى العالمي والمستوى المحلي، من خلال وضع حد للتمييز القانوني وتوسيع الحماية للنساء، من خلال القوانين، وتحمل الدولة مسؤولية وضمان تطبيقها. فمثلاً 173 دولة ومن بينها الأردن تضمن إجازة مدفوعة الأجر، و139 دولة تنصّ دساتيرها على المساواة بين الرجال والنساء، و125 دولة، ومن بينها الأردن، تجرّم أو تحظر العنف الأسري، و117 دولة تجرّم التحرش الجنسي في أماكن العمل، ولديها قوانين تضمن المساواة في الأجور، و115 دولة تضمن المساواة للنساء في حقوق الملكية” .
من هذا المنطلق، نستطيع فهم ما يبدو متناقضاً، في وضع المرأة العربية أحياناً. نرى التقدم والتراجع يتصارعان معاً، حيث الغلبة للنضال في سبيل تثبيت المطالب أحيانا، ولتوازن قوى المجتمع أحياناً أخرى.
وفي حين ينشغل العالم بالإحصائيات حول أوضاع النساء، من حيث مشاركتهن في مواقع صنع القرار، بشكل عام، وبموقعهن، ضمن البرلمانات المنتخبة، بشكل رئيس؛ تهتم النساء العربيات، بتطوير أوضاعهن بشكل شمولي، وتتضح أولوياتهن، التي تتمثل بتحقيق أمانهن، الذي يستوجب القضاء على العنف ضدهن، ومحاربة الفقر، وتمكينهن من الموارد، حتى يتمكنَّ من المشاركة السياسية، والمشاركة في البرلمانات المنتخبة.
وبناء على هذه الرؤية نستطيع فهم نتائج الدراسة، التي هدفت إلى فحص: أفضل بلد في العالم العربي يمكن العيش فيه، والتي أجرتها مؤسسة “تومسون رويترز”، منتصف الشهر.
نلاظ أن النساء العربيات فضَّلن العيش في جزر القمر ـ كخيار أول – التي تشغل المرأة فيها 3% من مقاعد مجلس النواب؛ على العيش في العراق ـ الخيار ما قبل الأخير/ رقم 21ـ التي تشغل النساء فيها 25.2% من مقاعد مجلس النواب.  
“كان أداء هذا الأرخبيل الواقع بالمحيط الهندي جيداً على كافة الأصعدة، ما عدا التمثيل السياسي. وتتمتع المرأة في جزر القمر بقدر لا بأس به من الحرية الاجتماعية، ويعاقب القانون على الانتهاكات الجنسية” .
وجاء في الترتيب الثاني سلطنة عمان، التي لا تشغل النساء في مجلسها المؤقت سوى 2%.
“تتمتع المرأة العمانية بحماية اجتماعية أفضل مما هي عليه في دول عربية أخرى” .
بينما ليبيا التي يشغل النساء فيها 17% من مقاعد البرلمان؛ حلت في المركز التاسع.
“جاءت ليبيا بين أفضل الدول من حيث التمثيل السياسي؛ لكن الخبراء يقولون إن انعدام الأمن والفقر ونقص التعليم، من أكبر بواعث القلق بالنسبة للنساء” .
أما مصر، ورغم تحقيق النساء إنجازات متميزة عبر نضالهن الطويل؛ إلاّ أن ازدياد العنف والتحرش الجنسي، وانهيار الأمن؛ جعلها خياراً أخيراً للنساء؛ في الوقت الذي انخفض تمثيل المرأة في البرلمان إلى 2%.

أما الدولة التي اعتبرت النساء أنها أسوأ بلد في العالم العربي يمكن للمرأة أن تعيش فيه؛ فهي مصر:
“العنف الجنسي، والتحرش، والاتجار بالنساء، إضافة إلى انهيار الوضع الأمني، وارتفاع معدلات ختان الإناث، وانحسار الحريات منذ ثورة 2011.. كلها دفعت بمصر إلى قاع القائمة” .
ونجد أن بعض البلدان العربية، التي حققت المرأة فيها إنجازات متميزة مثل تونس، تحتل الموقع السادس بالنسبة لأفضل بلد يمكن العيش فيه، في الوقت ذاته التي تحتل فيها النساء موقعاً متقدماً بالنسبة لمقاعد البرلمان: 27%.
“يعرف عن تونس منذ فترة طويلة أنها من أبرز الدول العربية التقدمية. وأباحت تونس الإجهاض عام 1965، كما يمكن للمرأة التونسية أن تنقل الجنسية إلى زوجها الأجنبي” .
وهذا مؤشر على أولويات النساء، المتعلقة بواقعهن، وحيواتهن، فالنساء اللواتي يصنعن الحياة، يرغبن في العيش في عالم خال من العنف، بالدرجة الأولى، ومن التمييز ضدهن، بالدرجة الثانية، كما يرغبن في القضاء على الفقر، والحصول على التعليم، وقبل كل ذلك؛ يطمحن في أن يتنفسن الحرية، على المستويات الخاصة والعامة.
 
أثر الثقافة العربية السائدة في تراجع دور المرأة العربية

علينا ان نفرِّق بداية بين الثقافة العربية ككل، التي احترمت النساء، ووثقت إنجازاتهن، عبر العصور (العسقلاني، والإمام النووي، والسخاوي، والسيوطي، وابن عساكر) ، وبين الثقافة العربية، التي رسَّختها مفاهيم شعبية، لم يجر الوقوف لديها بشكل نقدي جدي وشجاع، تحت عنوان: تقديس التراث؛ الأمر الذي ثبَّت كثيرا من هذه المفاهيم، في الثقافة الشعبية الجماعية، وساهم في تكريس صورة نمطية للمرأة، يصعب التخلص منها.
رسخت في الذاكرة الشعبية صورة سلبية للمرأة، تربط بينها وبين الخيانة والمكر والمراوغة والخداع. كما أن مفهوم “الطبيعة الأنثوية الدائمة” مطبوع بقوة في أذهان الناس، فالمرأة “جاهلة”، و”عاطفية”، و”ضعيفة”، وهي لا تستطيع التحكم في أفعالها، كما أنها رقيقة، وحساسة، وحنون، وكل هذه الصفات مرتبطة بالتركيب الجسدي للنساء، وبأنها ملحق للرجل، كابنة، أو زوجة، أو أم.
مثال: في القرية الفلسطينية، تبرر تبعية المرأة للرجل في القول: ” النسوان لهن نصف عقل”، كما أن المرأة غير قادرة على الاختيار الحكيم: “إن دشّروا البنت على خاطرها يا بتاخذ طبال يا زمار”، ويقال عن الرجل الضعيف بأنه “مثل المرا”. “لا تاخذ رأي المرة ولا تتبع الحمار من ورا” “إسمع للمرة ولا تاخذ برايها”  .
وفي الأساطير القديمة، ترد المرأة والحية والشيطان وجوهاً للبطل نفسه ، كما تتركز الأسطورة التي أوردها الطبري أن إبليس بعد أن عرض نفسه على دواب الأرض، في أن تحمله لدخول الجنة، بعد أن منع من دخولها؛ لم تحمله سوى الحية، بعد أن وعدها بالحماية من بني آدم، فحملته إليه، فكلم إبليس حواء، فكانت الخطيئة الأولى، وعقابها المعروف، هو الطرد من الفردوس، وإدماء حواء الشهري، المتمثل بالحيض، وذلك العداء الأبدي بين الرجل والمرأة والشيطان والحية. “إهبطوا بعضكم لبعض عدو”، هذا ما يؤكده الطبري، في تاريخ الرسل والملوك.
أما بالنسبة لخلق حواء من ضلع الرجل، فهي أسطورة مستقرّة ومنتشرة بكثرة، على طول الشرق الأوسط، تؤكد سيادة الرجل، وتنقص من مساواة المرأة به، وتوحد بين المرأة والحية والشيطان والجنية. وحين نعود إلى القرآن الكريم، لنبحث عن أثر هذه الأسطورة؛ لا نجد أثراً لها؛ إذ إن الله تعالى يؤكد أن مصدر الخلق واحد، وأنه خلق الرجل والأنثى من نفس واحدة: “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء” .
ومقابل الأمثال والحكايات التي تعبر عن ميل المرأة للخيانة، والتي تتحدث عن مكرها ودهائها؛ هناك حكايات تطرح رجاحة عقل المرأة، مثل حكاية بنت الكندرجي، التي تدل على ذكاء المرأة وفطنتها، فبنت الكندرجي ترفض الزواج بابن الملك؛ إلا إذا تعلم صنعة، فهي ترفض الزواج من رجل عاطل عن العمل، حتى لو كان ابن ملك. وهذا يدل على وجود ثقافة مضادة للثقافة السائدة، تحاول فرض نفسها، وتلعب المرأة دوراً بارزاً في هذه الثقافة، يكاد يتساوى مع دورها المادي، على أرض النضال، من أجل توفير الخبز” .
وهنا تبرز أهمية نشر هذه الثقافة وترسيخها، حتى تقف في مواجهة الثقافة السائدة، التي نال منها العلم الحديث، حين أكد أن التركيب الفسيولوجي للمرأة لم يعد تبريراً مقنعاً لتقسيم العمل المنزلي أو الخارجي (عمل الرجل) على أسس جنسية .
وقد ساهم علماء الأنثروبولوجيا الحضارية بشكل فعّال، في دحض نظرية “الطبيعة الأنثوية”، في دراساتهم عن المجتمعات البدائية، وذلك عندما برهنوا أن “الأمومة”، و”الأبوة”، مفهومان اجتماعيان. كما أوضحوا أن الصفات الملاصقة للطبيعة الأنثوية، و”الطبيعة الذكرية” (كالرقة والخشونة، والاعتماد، والاستقلال، والعاطفية، والهدوء) هي في الواقع صفات مكتسبة وليست ثابتة .

من الضروري أن تجري غربلة الموروث، ضمن نظرة نقدية للتراث، تضع الإيجابي منه في الصدارة، وتعيد امتلاكه، على أساس معرفيّ علمي معاصر. تستبعد صورة الإنسان العربي القدري، مسلوب الإرادة، وتستحضر المشرق والمبدع من تاريخ الإنسان العربي وثقافته، وفي القلب منها المساهمة الفاعلة للمرأة العربية في مناحي الحياة كافة.

وبعد،
لن تستطيع المرأة العربية أن تساعم بشكل فاعل، في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية؛ في غياب القانون، وغياب العدالة الاجتماعية، وحين يسود الأمان؛ وتتحقق العدالة الاجتماعية؛ تتمكن النساء من المساهمة الفاعلة في صنع السلام.

لا نساء لا سلام في العالم،
لا نساء لا أمن إنسانيّاً

لنصنع السلام في الفضاء الخاص وفي الفضاء العام،
في المنزل والشارع،
في الحقل وفي المصنع،
في المدرسة وفي المكتب،
كي نحصد الأمان الإنساني،
وننتصر لإنسانيتنا.


هوامش

———————–

  تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (الإسكوا).  أيلول 2013
  الموسوعة الحرة. مجلة الأحوال الشخصية في تونس.
  تقرير حقوق المرأة في العالم العربي.  مؤسسة تومسون رويترز. نوفمبر/ تشرين الثاني 2013. ص. 7.
  موقع الحوار المتمدن. المرأة المغربية بين مدونة الأسرة والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. 17 أيلول 2004.
  راوية البورسعيدي أول وزيرة تدخل الحكومة العمانية. في الشرق الأوسط. مسقط: 9 مارس 2004.
   وزيرات خليجيات.. المرأة قطب متحرك في السياسة. في العرب. ع. 9290. 15/8/2013. ص. 12.
  النساء يحصدن 12 بالمئة من مقاعد مجلس البرلمان السابع عشر. الدستور. 27 يناير/ كانون الثاني 2013.
  الموسوعة الحرة. تعيينها قاضية في المحكم الدستورية.
  وجود خمس وزيرات مؤشر على تحسن وضع المرأة. وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا). 25 تشرين الثاني 2013.
  تقرير تقدم المرأة العربية 2012/ تقرير نساء العالم: سعياً لتحقيق العدالة. هيئة الأمم المتحدة 2011- 2012.
  تقرير حقوق المرأة في العالم العربي.  مؤسسة تومسون رويترز. نوفمبر/ تشرين الثاني 2013. ص. 8، 9.
Thomson Reuters Foundation-Tue, 12 Nov 2013
  المصدر نفسه. ص. 8.
  المصدر نفسه. ص. 6.
  المصدر نفسه. ص. 1.
  المصدر نفسه. ص. 7.
  بيومي. نهى. “المكبوت في الزمن المكتوب”، في زمن النساء والذاكرة البديلة. تحرير: هدى الصدة، وسمية رمضان، وأميمة أبو بكر. ملتقى المرأة والذاكرة. القاهرة. 1998: ص. 15.
  تماري. سليم. “الطبيعة الأنثوية” الركيزة الأيديولوجية لتبعية المرأة في المجتمع العربي، في التراث والمجتمع، جمعية إنعاش الأسرة البيرة، إبريل 1974: ص. 63.
  عبد الحكيم. شوقي. الفولكلور والأساطير العربية. بيروت: لبنان: دار ابن خلدون،  1983. ص. 127.
  القرآن الكريم. سورة النساء. الآية الأولى.
  الزريعي. عابد عبيد. المرأة في الأدب الشعبي الفلسطيني. منشورات الهدف.  ط 2. سوريا: 1986. ص. 51-53.
  تماري. سليم. الطبيعة الأنثوية. ص. 65.
  المرجع نفسه. ص 65.

مؤسسة ابن رشد للفكر الحر Copyright © 1999 – 2018

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial