المســتبعـدون ـ نهايـة الحلـم بمجتمـع عادل بقلم أ. د. هاينتس بودِه

Deutsch

إن الاستخلاصات الواردة في هذا النص بشأن ظاهرة المستبعدين في ألمانيا هي جزء من علم اجتماع العموم. والهدف منها ليس التوجه الى جمهور المختصين من الأكاديميين، بل مخاطبة كل المهتمين بالشأن العام من المواطنين والمواطنات. وكذلك نقل المشاكل من الحيز الشخصي كي يجري طرحها بوصفها مسائل عامة؛ فعلم اجتماع العموم يختلف من ناحيته عن ذلك الشكل العلمي الجاف المألوف لعلم الاجتماع، الذي يخلو محتواه من أسئلة الهم العام ويفتقر بل ويقيد في أبحاثه وكتبه التقارير المتعاطفة مع أحوال المشاكل الشخصية، فضلاً عن كونه في غمرة النقاش المبدئي للمسائل العامة، لا يرغب في أن يبدو راضياً عن الأوضاع في حياتنا المشتركة؛ أضف إلى أنه لا يرى مغزىً من إبقاء الأمور التي تهمنا جميعاً حية على الدوام. في المقابل وبالنظر الى مجتمعنا فإن أبحاث علم اجتماع العموم تتناول الجزئيات لمواجهة العموميات، ولهذا الغرض بالذات تضع جانباً البدائل السيئة لعمى المفاهيم والخبرات الخاوية.
في الوقت عينه ينأى علم اجتماع العموم بنفسه عن بحوث العلوم الاجتماعية التي تعمل في خدمة نظام سياسي. علماً أننا نشهد حالياً قلة الطلب على البحوث المطلوبة لأغراض تجارية. ونجد في المقابل زيادة في عروض الأبحاث المطروحة على المؤسسات التي تخفت لديها النزاهة في النظرة الاجتماعية. إن علم اجتماع العموم لا يبحث أو يسعى لتقديم مقترحات حول كيفية تحسين الأوضاع على نحو أفضل، لكنه يتعامل مع الواقع القائم ويقدمه كما هو. إنه يهدف بالدرجة الأولى إلى تثقيف الرأي العام عن ظروف العلاقات الاجتماعية في المجتمع الذي نعيش فيه، فضلاً عن كونه لا يجد نفسه معنياً بتقديم المبررات للناشطين السياسيين الذين يكتبون ويتداولون في الإعلام عن رؤاهم ورغبتهم في إجراء تغيير واضح في الظروف الاجتماعية. وقد ثًبتَ هذا العلم قوته باستمرار من خلال كشفه عن القضايا التي ما زالت مجهولة في الكائن الاجتماعي، فضلا عن جذبه الانتباه دوماً كلما قام بإثبات أن الأمور تسير بشكل مختلف عما قد يتوقعه المرء، وتبيان ما لم يتطرق اليه أحد عن كيفية تحقق ذلك. وعبر هذا الطريق فقط يتحقق لنا أن نفهم حقاً الكل باختلافاته ايضاً.
 
الكل المنقسم
تغيرت أوجه عدم المساواة في مجتمعنا مع بداية القرن الجديد. فعندما يتم تناول مدرسة >>التأهيل المدرسي الأولي Hauptschule << [تسع سنوات مدرسية] بوصفها مدرسة البقية >>Restschule<<، للطبقة الدنيا المعزولة أو للتوابع المأزومة، يكون الحديث قد بدأ مباشرة عن الفجوة الاجتماعية في مجتمعنا. وهذا لا يعتمد على حقيقة استمرار اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء فقط، على الرغم من المقارنة التي تزعج بشأن ما شهدته مداخيل أصحاب رؤوس الأموال من ارتفاع حاد في السنوات الأخيرة مقارنة مع مداخيل جمهور العاملين ، وفي الوقت ذاته قد ييقى هذا الشأن مقبولا في ما لم تفقد مجموعات معينة من خلاله تواصلها مع الاتجاه السائد في مجتمعنا،  أي أولئك الذين يشاركوننا في المسير، لكن لا عنوان لهم في فهمنا الذاتي الجماعي عن مجتمعنا.

هؤلاء الناس يعيشون في مناطق ليست بعيدة عن مراكز المبادرة والابتكار والتفرد. وقد يستغرق الطريق مسافة رحلة نصف ساعة بالمترو كي تجدهم في منطقة “فالّ” Wall في هامبورغ، وفي شارع “كونيغ شتراسه” Königstraße في شتوتغارت أو في “هاكـِّشـِن ماركت” Hackeschen Markt في برلين، أو حالما انطلقت في حافلة بعد الساعة الثامنة مساء من أمام مبنى البلدية “شموكـِّن راتهاوس بلاتس” Schmucken Rathausplatz وجهتها محددة صوب منطقة المباني الجديدة للسكن الاجتماعي على حوافي المدينة في منطقة “تسِلـِّس” Celles، أو إذا اتجهت نحو ضواحي آخن Aachen أو رويتلينغين Reutlingen: في كل مرة يجد المرء نفسه في منطقة اجتماعية تزداد فيها البطالة أو ترتفع فيها معدلات العمالة الرخيصة غير المتخصصة، حيث الشوارع قذرة، ومحطات الباصات محطمة، وانتشار كتابات عشوائية على الحيطان، والمدارس متداعية. هناك، تواجه التهميش الاقتصادي والانحطاط المدني والمناطق المعزولة. والناس الذين تلتقيهم في أسواق المواد الغذائية الرخيصة، ترى على محياهم كيف أن الحياة اليومية لم تترك لديهم طاقة لرعاية بعضهم بعضاً أو لاحترام أحدهم الآخر، ولا تظهر عليهم حتى اللحظة علائم احتجاج أو شكوى أو تمرد. فالشباب يتسكعون في انتظار أن يحدث شيء، والرجال في منتصف العمر تراجعوا لينكفئوا إلى داخل مساكنهم في العمارات، والنساء اللواتي في منتصف العشرينات من العمر تراهن مع الأطفال الصغار وكأن واقعهن الراهن هذا هو أكثر ما يتوقعنه من الحياة لا غير.

يسود جو من التجانس الممل. هنا يعيش أناس اعتادوا أن يمتلكوا القليل، واعتادوا على الفعل القليل وتوقع القليل أيضا. إنهم نادراُ ما يتوجهون إلى المناطق الأخرى، وقلما يتعرفون على آخرين خارج أقرانهم، ويتعاملون بعدم ثقة مع المقترحات والعروض والمبادرات وفرص العمل [المقدمة من مكتب العمل]. لكن في نظرات المراهقين الذكور الذين يتسربلون بقبعات ستراتهم البيضاء المنتفخة، قد يبدو للناظر كأنهم قادرون على فعل أي وكل شيء.

كما يمكن أن يحدث لأحدهم أيضاً أن يلتقي مصادفة في حفلة عيد ميلاد خاصة بصديق قديم لم يجتمع به منذ سنوات عديدة، يسهب في الحديث ويكثر في المشروب [الكحول] والتعرق. يقول إن الأمور في هذه الآونة ليست على ما يرام، ولكنه مجدداً بصدد التحضير لمشروع جديد. وبعد توجيه السؤال اليه عن الأمور مع الزوجة يجيب: لا…لم يعودا منذ فترة طويلة معا، لكن الابنة من هذه العلاقة المشتركة قد بدأت للتو دراسة الطب.

وهكذا دواليك يتضح أن من كان يوماً مديراً ناجحاً لدار نشر، ومن كان يحسد سراً من زملائه بسبب نجاحه الكبير، اضطر إلى أخذ قبعته ومغادرة المكان بعد تحكم مركز استشارات بدار النشر ووضعه لها خطة تسويق جديدة. وانطلاقاً من تلك اللحظة وصاعداً انتقل وهو في منتصف الاربعينات من عمل الى آخر كمحرر حر. تلاحظ فجأة، كيف أن أحدهم، ممن كان يمكن مقارنة نفسك به في وقت سابق، قد فقد التربة من تحت أقدامه. لم يسرّح لأنه لم يكن ناجحاً أو لأن خدماته لم تستغل بما فيه الكفاية، بل لأن الشركة الاستشارية اقترحت على غالبية حملة الأسهم الجدد في دار النشر شكلاً مختلفاً للتعريف بالسوق مما جعل مواصفات وقدرات صديقنا غير مناسبة.

فقدان الصفة الوظيفية أعقبه الانفصال عن زوجته، الذي حصل على أعقاب علاقة طويلة الأمد له مع زميلة تصغره سناً، ومن ثم انهارت عملية التمويل المشترك للسكن والمسجل كله على اسمه. في حمى ذلك يحدد اكتشافه السعادة عن طريق المشروب، مع اعترافه ساخراً بوجود مشكلة كحول لديه. هذا الاعتراف الساخر أدى الى تصنيفه من قبل الموظف المعني بملفه في مكتب العمل ضمن الفئة التي لا جدوى من التنقيب لها عن عمل، كل هذا لا يخفي الذعر من سؤال: هل لا يزال تابعاً لنفس دائرة المدعوين الاجتماعية أو أنه قد شطب منها منذ فترة طويلة.

ثمة نوع ثالث من الملاحظات التي يمكن معاينتها أثناء زيارة مخزن أدوات البناء. إذا تمهل المرء وقتاً طويلا أمام صنبور خلاط، يفاجئه بالحديث رجل في أواخر الخمسينيات يرتدي سترة صيفية وحذاء رياضياً، ليست له صفة بائع، بل هو زبون، تماما مثل المرء نفسه، لكن لديه معرفة دقيقة بسلبيات وإيجابيات كل السلع المعروضة. يتبين خلال المحادثة بأنه زبون ناقد لا نية شراء محددة لديه. يؤكد رئيس القسم في مخزن البناء وجود هذه الفئة المحددة من العملاء الذين يبقون ساعات في تفحص بضائع المخزن المعروضة وإجراء مقارنات والسؤال عن الضمانات الموضوعة للسلع. عندما يشترون شيئا، غالباً ما يعيدونه في اليوم التالي، ويستردون ثمن الشراء. يعلق رئيس القسم، بأنهم عادة من الرجال في سن التقاعد المبكر أو لأسباب أخرى خرجوا من سوق العمل. لا يحتملون البقاء في منازلهم أو يهربون من توتر أعصاب زوجاتهم. ليس لديهم قطعة أرض كحديقة في المزرعة القريبة لتشغلهم، ولا هم أعضاء في نادٍ، ولا يمكنهم أخيراً الجلوس كل النهار ومشاهدة برامج التلفاز. لهذا يأتي ذهابهم إلى مخزن أدوات البناء كأحد أشكال مشاركتهم على قدم المساواة في الحياة الاجتماعية. يتسامح مخزن أدوات البناء مع هؤلاء العملاء الوهميين لأنهم يعملون خاصة في أوقات الهدوء عند فترة الظهيرة على إحياء المكان في تلك الأحياء من المدينة. هم موجودون، ليسوا باعة أو متسوقين، وفي مقياس الغرض والوظيفة ليس لهم أي علاقة بالمشهد القائم.

ترتبط هذه الملاحظات والتجارب بالاستبعاد الاجتماعي: المستبعدون هم المنفيون في مناطق المجتمع المتعبة. المستبعدون هم الذين أصابتهم نكسة في حياتهم المهنية أخرجتهم عن مسارهم. والمستبعدون هم الذين يظهرون في مجال الاستهلاك. هؤلاء الناس يعانون من الازدراء، وهم مشلولون بسبب مشاعر اليأس والاحباط. لهذا قام علم اجتماع العموم (سوسيولوجيا العموم) بصياغة هذه الحالة بمصطلح جديد: لا يتعلق الأمرهنا بعدم المساواة الاجتماعية ولا بالفقر المادي فحسب، بل بالاستبعاد الاجتماعي.  فالنقطة المرجعية لهذا المفهوم هي شكل ومحتوى المشاركة في الحياة الاجتماعية، وليس درجة الحرمان على حسب التقديرات العامة للملكية مثل الدخل والتعليم والمكانة الاجتماعية.

يعرف كل مجتمع عدم المساواة الاجتماعية. ويبقى مؤشر معدلات القوة والامتياز والسلطة مفتوحاً من حيث المبدأ. حتى في المجتمعات التي تشكلت تبعاً للنموذج الاشتراكي، كي يكون الجميع حراً من العوز، توفر للبعض فيها أكثر من غيرهم، واحتسب أناس معينون امتيازات لأنفسهم، وتمتعت قلة قليلة فوق كل الآخرين، ونُظر اليهم على أنهم كتلة الوفر الكثير. إنما تبقى هناك حدود لعدم المساواة قد تكون مقبولة فقط من أجل تجاوز حساب التمرد الكامن أو المناورات اليائسة. فعندما يتركز الترف والسلطة والمعرفة عند عدد قليل، يتوجب على الكل الآخر إبداء رضاه عن معيار الجهل والضعف. لكن في مثل تلك الظروف قد تسقط قطرة  ماء من السماء تجعل البرميل يفيض.

الفقر عبارة عن مصطلح نسبي أيضا. فبحسب التقارير المألوفة عن الفقر والثروة، يسمى بالفقير من يقل دخله عن 60 في المئة من متوسط الدخل المتاح، في حين تنمو ثروة الأغنياء تلقائياً من زيادة فقر الفقراء. وبطبيعة الحال يمكن تلمس عتبات الاختلال الاجتماعي هنا أيضاً، عندما يترسخ الانطباع باتساع الاستقطاب المطرد بين المداخيل العالية والمنخفضة، الآمنة وغير الآمنة. عندها يلحق الضرر ب>>الاقتصاد الأخلاقي<< كأحد أدوات الكل لبناء نمط حياة للجميع. وينتشر الشعور بأن قلة قليلة تجمل حياتها على حساب الكثيرين.

ومع ذلك فالحرمان الاجتماعي والفقر النسبي لا يفسران مسألة الإقصاء الاجتماعي. والمسألة هنا ترتبط في حجب أو منح الفضاء في نسيج المجتمع الاجتماعي العام. ما يقرر وجوده شعور الناس بأن الفرص مفتوحة على مصراعيها أمامهم وبأن أمكانياتهم لها وقع مسموع، أو في حال وصولهم الى قناعة من أنهم لا ينتمون إلى أي مكان، وجهودهم ومكابدتهم لا يأخذ بها أحد. والمُستبعِدون لا يحسبون إلا مبدأ الجدارة فقط >>الإمكانيات مقابل المشاركة<<. أما المُستَبعَدون وما يمكنهم القيام به فلا يحتاجه أحد، وما يفكرون به لا يقدره أحد، وما يشعرون به لا يهم أحد. وجودهم يشكل استفزازاً لأي >>مجتمع لائق<< . لأنهم يقودون الأغلبية الشبعة لكي تأخذهم في الاعتبار، فهم أناس بسبب بعض الآليات الاجتماعية أوقفوا خارج أسوار المجتمع، وتم فرزهم إلى خارج دوائره الاجتماعية أو أجبروا على المغادرة بعد انتهاء مساهمتهم وتركوا كلية ليواجهوا مصيرهم.

نحن لدينا هذه الظواهر من الاستبعاد الاجتماعي في ألمانيا، ولفترة طويلة تعاملنا معها باعتبارها مسألة مجموعات هامشية. ففي مرحلة الانتقال من مجتمع العوز الى مجتمع الرفاة الاجتماعي لم يشترك الجميع في الفورة الحاصلة. تخلفت الضواحي عن مواكبة هذا الحراك، مثل المناطق الريفية أو المناطق الفقيرة في “نيدر بايرن” Niederbayern أو المناطق المتاخمة لشمال “هـِسـِّن” Nordhessen، إضافة الى مجموعات إشكالية اتسمت بالضعف وعدم القوة. كل هؤلاء جرى الاهتمام بهم وكوفئوا بشكل خاص عبر توسيع الضمان الاجتماعي في دولة الرفاه. كان في بداية الستينيات قد تأسس لهذه المناطق الكاثوليكية الفتية المنتمية لبيوت الطبقة العاملة في الريف حرمانها الصارخ حرفياً من التوسع الهائل في التعليم.  ونُظر الى كل هذه الفئات في بقائها عصية على الاندماج بأنها ظلت أسيرة التقاليد، لكنها قابلة للتفكك أو ببساطة عبارة عن مجرد بقايا مخلفات متبقية على الهامش، وسوف يتم دمجها تدريجياً في قلب المجتمع، مع الإشارة إلى أن استعارة تعبير جوهر التقدم والهوامش اللاحقة بالركب تدل هنا على تفاؤل كبير بالحداثة. وقد رأى علم الاجتماع التصاعدي في تشخيصه ظاهرة الفئات المهمشة بأن حل هذه المشكلة يقع على عاتق المرشدين الاجتماعيين والأطباء والمعالجين النفسيين والمدرسين.

ان تعريف مفهوم الاستبعاد المقدم اليوم من علم الاجتماع، والمقبول في معظم البلدان الأوروبية، دليل على نهاية هذا السرد الطويل عن القضاء التدريجي على هذه الظاهرة الاجتماعية بتعزيز الاندماج في المجتمع. إن لإعادة موضعة الفئات بين الامتياز وافتقاره إلى الاستبعاد ووصمة العار، علاقة بخيبة الأمل من الاعتقاد بالتقدم في مجتمعنا،  مع كل ما يتعلق به من الايمان بإمكانيات دولة الرفاه. فقد أفضت ما يطلق عليها رأسمالية دولة الرفاة المثبطة في نطاق جميع بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، رغم الاختلافات في القواعد المنظمة، إلى فكرة أن الأمر لا يقتصر فقط على شكل تحويل ايرادات الدولة من الأموال العامة، بل أن العامل المقرر هو شكل وطبيعة المشاركة في المجتمع. فقد أدت القناعة بتعويض التفاوت الاجتماعي إلى العكس من ذلك: إذ أدت الى زراعة ثقافة الاعتماد على الغير، وحولت الناس إلى رعايا تتكفلهم المؤسسة [الدولة] بدل أن يكونوا أسياداً على حياتهم. ومشاكل تمويل دولة الرفاه لا تكشف عن أمراضها الداخلية إلا لكي تجبر على التثبت من عجزها لتبرير مواصلة ضمان الاستحقاقات وتوفير الخدمات. فقد تحول المبدأ الأصيل بتقديم المساعدة [للفئات المهمشة] لتمكينهم من مساعدة أنفسهم، إلى نقيضه، أي إلى توطيد اعتمادهم على المساعدة والرعاية الاجتماعية. يجب علينا ألا نخدع أنفسنا: من يعيش معتمدأ على المساعدات الاجتماعية، كما كتب “توكفيل”  Tocqueville في عام 1835، ليس لديه خوف، ولا أمل أيضا.  ولن يطرأ أي تغيير على هذا الموقف حتى لو قـُدم مزيد من المال للعاطلين عن العمل والمعوقين والفقراء.

فضلاً عن تلاشي الإيمان بالنمو الاقتصادي بوصفه ترياقاً للمستبعدين أيضاً، فحتى لو تمكنا مرة أخرى في ألمانيا من تحقيق النمو مجدداً إلى خمسة في المئة أو أكثر كما في فترة ما بعد الحرب>>الذهبية<< ، – مع عدم توقع ذلك – فسوف لن يختفي التقسيم الاجتماعي بين المنضوين والمقصيين. بل على العكس: فمع إطلاق العنان للقوى الاقتصادية والاجتماعية المنتجة بقي على الدوام جزء خارج هذا المسار، ولم يلحق بالركب لأسباب عدة، منها عدم الكفاءة وانعدام الحافز. تغير اجتماعي سريع يجلب معه مجموعة زائدة لا لزوم لها، تصادَفَ وجودهها لسبب أو لآخر في المكان الخاطئ، هناك حيث تنهار الصناعات القديمة، أو تبقى غارقة في الماضي الذي كانت فيه قيمة العمل تقاس بدرجة اتساخ الأيدي.  آثار ترتبت على النمو الاقتصادي، الذي لم يسر على خط تنمية العمالة، بل سار بوسائط انتقائية اجتماعية محددة، سمح بأن يكون البعض فيها فائزاً، وأن يخسر آخرون.

وأخيراً، إن الاعتقاد بقوة الاندماج في مجتمع متنوع لم تعد مطمئنة. كما تمكن كذلك رؤية التأثير الشافي لمبدأ التمايز في زمن التصورات الهزلية للتحديث.  ليس هناك وجود للاستبعاد في سياق التواصل المجتمعي على الأقل. من خاب أمله في العمل، قد يتحمل نتيجة الاستهلاك من حسابه وعلى حسابه؛ والذي يفتقر إلى التعليم العالي، بإمكانه التمسك بمتابعة البرامج التلفزيونية الخاصة بالطبقات الدنيا، ومن يشعر بالاستبعاد، بإمكانه على الإقل إثارة اهتمام علماء الاجتماع. لهذا لا يمكن أن يسقط المرء من المجتمع الحديث، لأن المرء، كما استخلص “باول فاتسلافيك” Paul Watzlawick لا يمكن أن يسقط إن لم يستطع التواصل.

بطبيعة الحال تأتي أقوى الشكوك بشأن قوة الاندماج خلال التمايز مباشرة من مدرسة علم الاجتماع، وهي التي تغني بحمد أي شيء وكل من شمل التواصل في أغانيه.  فإمكانية الانتقال بين مختلف المجالات والارتباطات تبقى قائمة فقط حتى يتم تعويض الانتكاس في مجال ما في مجال آخر عبر تقديرات أعلى. كما يؤدي الاستبعاد من سياق تسلسل معين الى إدراج في نظام فرعي آخر، فيتزايد الفشل وتتصاعد الفوارق: لا برامج تدريب معتمدة، ولا وظائف منتظمة، ولا نظام غذائي صحي، ولا مداخيل كافية، ولا مسؤولية للأهل، ولا اهتمام في الشؤون السياسية، ولا مداخل للحصول على المشورة القانونية، ولا تأمين صحي كاف، والقائمة تطول. ويضاف إليها تبعاً للظروف، تاريخ لسلسلة متعاقبة من العيوب للانتظام المهني والاستبعاد الاجتماعي. إن التمايز الاجتماعي لم يعد ينطوي على الإنقاذ، بل بات مقرِّرَ مصير.

نحن لا نتحدث هنا عن نسبة 4 أو 5 في المئة المسجلة في نظام التحليل الاجتماعي للمهمشين اجتماعيا، التي كانت موجودة كظاهرة حتى في أوقات الازدهار والعمالة الكاملة وانتعاش الرفاهية الاجتماعية.  وليس عن صعاليك الشوراع الذين يتهددهم خطر انخفاض درجة الحرارة في فصل الشتاء، أو عن المشردين بلا مأوى المدمنين على الكحول، والتائهين المشوشين والمعتوهين، من لا يشاهَدوا في عيادات الطب النفسي. كما أن الحديث لا يتناول كذلك مدمني تعاطي الهيرويين وحبوب الهلوسة أو أولي الإدمان المركب الذين انزلقوا وانضموا إلى أوساط معينة في مراهقتهم ولا يستطيعون في كثير من الأحيان تخليص أنفسهم منها. نسل صعاليك ومشردي المدينة كان قائماً وسيبقى موجوداً على الدوام، يضاف اليهم حشد تجده >>في أولاد محطة قطار حديقة الحيوان Bahnhof Zoo في برلين<< وكذلك بالطبع أولئك الذين في “إنغولشتات” Ingolstadt، أو في “أويتين” Eutin  أو “هاغـِن” Hagen، أولئك الذين يصعب الوصول اليهم في المجتمعات المنفتحة والدول الحرة. لكن لهذا رصيد حساب آخر يرتبط بموضوع التعامل مع الاقتصاد العالمي للمخدرات.  نحن لا نتحدث هنا عن عشرات الآلاف من البائسين ممن فقدوا مقومات الوجود، والذين يمثلون بلا شك مشكلة اجتماعية كبرى، بل نتحدث عن ملايين الناس المستبعدين، الذين دقوا إسفينا في مجتمعنا: عن الأطفال الذين ينشؤون في ظروف لا تتوفر فيها إمكانية زيارة حديقة الحيوانات والحصول على دروس في الموسيقى، ولا توجد لديهم إمكانية شراء حذاء كرة القدم، شبيبة تسربت من المدارس ولم تنهِ تحصيل شهادة التعليم الأساسي [إنهاء الصف التاسع]. شبيبة عليها إبداء رضاها عند حصولها على اشغال موسمية، نساء ورجال في منتصف العمر تم >>تسريحهم<< وليس لديهم أي احتمال لإعادة توظيفهم، بطالة أعمال حرة مقنعة وموظفو مشاريع مؤقتة دون حقوق اجتماعية وبلا صوت سياسي، عمال حرف وضيعة مضافون إلى فئة المساعدات الاجتماعية Hartz –IV، الذين يكادون لا يحصلون على ما يكفيهم للعيش، مع مساهمة البرامج المتكررة لعملاء الوكالة الاتحادية لمكتب العمل بقصد تشغيلهم المهني في ضياعهم، أناس مسنون وقورون تقاعدوا وتقهقروا إلى بيوتهم، يجمعهم كلهم قاسم مشترك، فهم لا يرون لأنفسهم أي مستقبل، وفقدوا الشجاعة وسيطر عليهم الاعتقاد بأنهم لن يصلوا إلى شيء.

فالاستبعاد الاجتماعي بحسب التقارير الاجتماعية المعترف بها من الاتحاد الاوروبي هو عبارة عن >> عملية يصبح  بها اشخاص محددون على هامش المجتمع، قد يجبرهم الفقر على ذلك أو عدم كفاية مهاراتهم المهنية أو افتقارهم إلى فرص التعلم مدى الحياة، أو لأنهم، نتيجة للتمييز، ممنوعون من المشاركة الكاملة<<.  هذه التركيبة المعقدة في صياغة التعريف والتي أتت نتيجة تسويات سياسية >>لنظام متعدد المستويات<< في بروكسل، كان عليها أن تعكس، عبر تعميم المخارج والتمييز بين الاجراءات، أن هذه المشكلة تحت السيطرة، وأن التناقضات والتوجهات المختلفة في التصور العام عن التطورات الاجتماعية جعلت من وجود المستبعدين جزءاً لا يتجزأ من مجتمعنا منذ وقت طويل. ليس من الواضح كيفية تخليص العالم من هذه الظاهرة. ففي أعقاب كل جهد ممكن لاحتوائها تظهر عاجلاً أو آجلا آثار معينة جديدة من الاستبعاد، ويبرز على السطح للعيان أولئك الذين يراد اختفاؤهم.
لماذا؟ ماذا يحصل في مجتمعنا، لماذا لا يتغلب الاندماج الاجتماعي فيه إلا على حساب الاستبعاد الاجتماعي؟ من هو المسؤول عن هذا التطور في خيبة أملنا من الايمان بالتقدم؟

كان الحديث بطريقة غير مباشرة عن ضحايا انهيار التصنيع. فالمستبعدون، إذا أخذنا التعريف الكلاسيكي من قبل “ويليام يوليوس ويلسون” William Julius Wilson، هم كل تلك البقية الباقية، التي تبقى موجودة عندما يختفي العمل.  يتبادر إلى الذهن مباشرة أحد أزمان العصر الصناعي الضاحك في “ديترويت” Detroit المهجورة، و “ويلز” Wales، أو “كاتوفيتس” Kattowitz. الاشخاص الباقون هناك، هم من الناحية الاقتصادية من الزوائد، وحياتهم مرهونة بمعونات الدعم الاجتماعي. إنه تنامي الفقر، وانهيار الأحياء السكنية، وارتفاع معدلات الجريمة. الناتج >>مناطق محظورة<< يعتبرها سكانها مثلما يعتبرها من خارجها أنها جحيم الفقر في المناطق الحضرية. فالجمود وخبرات العنف لا يحتملها إلا مجتمع المنبوذين فقط: وهي في ألمانيا المناطق التي اعتمدت على الصناعات الكيميائية في معيشتها سابقاً مثل مدينة “بريمرهافن” Bremerhaven، و “فيرفتـِن” Werften و “دوزبورغ” Duisburg و “شتال” Stahl و “بيتّرفِلد” Bitterfeld، تعد اليوم شاهداً حياً على مناطق الصناعة المنهارة والمنفى الاجتماعي.

لكن الصورة خادعة. فليس فقط بسبب النجاح في التغيير الهيكلي الذي ترعاه الحكومة مثل تحويل “بريمرهافن” الى ميناء للحاويات ومتحف للاغتراب، وربط جامعة “دوزبورغ” مع كل جديد في ثقافة الخدمات، وجلبها لها من أجل تقدم المناطق الثقافية الأوروبية، لجعل منطقة الرور و “بيتّرفِلد” >>منارة<< التحولات الصناعية. إن الاستبعاد في ألمانيا اليوم لا ينتج بسبب الصناعة، ولكن من خلالها. فالتقسيم الوظيفي للعمالة المبنية على المعرفة، وخدمة العمل الماهرة على الأنموذج القياسي للاقتصاديات الصناعية عالية الإنتاجية هو الذي ينتج زيادة في مجموع المستبعدين. إذ أن التكنولوجيا الطبية، وبناء المحركات والآلات، وكذلك صناعة السيارات الألمانية، التي تدعي بأنها باعتمادها على هذه المواصفات حافظت على مركزها في صدارة التقسيم الدولي للعمالة. فإدارة المشاريع الهامة، والتخصص المرن والمسؤولية الذاتية عن مراقبة الجودة هي الكلمات الرئيسية لنظام العمل الجديد. حتى العمل في مستودعات التخزين لم يعد ذاك العمل السهل الذي يمكن القيام به على الطريقة التقليدية القديمة في توضيب الأشياء وإخراجها، بل بات يتطلب قدرة في التعامل مع متطلبات العرض المعلوماتي لمسارات التشغيل التي تحتاج لمهارات نظم تحليل إلكترونية معينة.

لكن ماذا عن أولئك الذين يشعرون بالغربة في عملهم الجماعي تماماً مثل غربتهم عن أوامر تشغيل الكومبيوتر، والذين يعايشون المتطلبات الجديدة للخبرة كتهديد لهم، ويشعرون بأنهم لم يعد لديهم إطلاقاً ما يقولونه في وجه رؤسائهم من أولي الياقات البيضاء خريجي الجامعات؟ فلا تبقى لأولئك إلا إمكانية الاستغناء عنهم والاستعانة بمصادر خارجية وتحكيم أجنبي لجميع الأنشطة قائمة من حيث المبدأ. في هذا السياق يمكن الحديث عن استقطاب فئة >>عمال الأسواق<< من العمالة غير الماهرة، في علاقات عمل غير مستقرة محفوفة بالمخاطر، ممن يمكن الاتفاق معها لضمان تكرار التحاقها بالعمل على أجور مقطوعة أقل من التعرفة. ولتأدية مهام الترتيب والتنظيف تتخذ قاعدة عمادها >>ساعات عمل مرنة<<، أما خدمات الأمان الاحتياطية فيتم إنجازها بوظائف موسمية (حسب الحاجة) ووظائف بدوام جزئي. وبهذا تشهد عقود الوظائف المعنية أجوراً منخفضة ومهلّ تسريح قصيرة وحقوقاً قليلة. كل هذا خلق نوعاً جديداً من البروليتاريا التي لم يعد العمل والنشاط المهني يمثل لها شكلاً من أشكال النظام الصارم والتجانس، بل على العكس تماماً، أصبح النشاط المهني مصدراً للتشتت وعدم اليقين.

نحن نواجه أنموذجاً مفارقاً: فهناك من ناحية زيادة في طلب القوى العاملة المندفعة الماهرة والواعدة، ويزداد من ناحية أخرى الاستعداد لاستبعاد الاشخاص الذين يفتقرون إلى المعرفة والحماس والمهارة المهنية. وفي حين أن البعض قادر على التفاوض بثقة على شروط عقد عمله، يتعين على غيره القبول بشروط فاضحة الاجحاف مختومة بعدم الاستقرار. هذا يؤدي إلى أنواع قلق مختلفة عند الدوائر الاقتصادية: في فترات الانتعاش يجري في المقام الأول الإعلان عن أرباب العمل في المواقع ذات الإنتاجية العالية، أما في فترات الركود الاقتصادي فيتم التخلص أولا من العمال في الوظائف المحفوفة بالمخاطر. لذا فإن هذا ليس ابتعاداً عن التصنيع، بل إفراطاً فيه، مما ينتج مجموعة من السكان المستبعدين في ألمانيا.

هناك سبب ثان لزعزعة الايمان بالتقدم الحديث يرتبط بعواقب الهجرة التي لا تزال غير مفهومة في مجتمعنا. وكما كتب “جوزيف شومبيتر” Joseph Schumpeter في مقاله الشهير عام 1927 عن إعادة انتاج الحالة النقدية، بأننا لم نعد نعيش في>>بيئة متجانسة عرقياً<<، ونعرف حقاً بأن هذا شأن لن يتغير.  ففي غضون جيلين تحولت أجزاء في ألمانيا من أماكن تصدر المهاجرين إلى مجتمع يستقبل المهاجرين. إذ عاش في نهاية عام 2003 في جمهورية ألمانيا الاتحادية نحو 7,3 ملايين نسمة من الأجانب، وهو ما نسبته 9 فى المائة تقريباً من مجموع السكان. وحافظت هذه الأرقام بين عامي 1999 و 2003 على استقرارها عموماً. وقد انخفضت أعداد طالبي اللجوء من نحو 95 ألف شخص في عام 1999 إلى قرابة  36 ألف شخص في عام 2004. والعدد في حد ذاته ليس هو المشكلة. لكن السؤال هو: هل تشكل نسبة 10 أو 15 ، أو 20  في المئة من المهاجرين عبئا؟ إن العبء هو بالأحرى في العيش المشترك، فالهجرة في حد ذاتها تحمل بين طياتها انقساماً في صفوف جمهور المهاجرين: كثيرون منهم حالفهم الحظ ووجدوا لهم مكاناً في مجتمعنا. وعلى الرغم من رفض دمجهم القانوني لفترة طويلة، فقد وجدوا مكاناً لهم في الامور المتعلقة بدور المواطن متخطين بذلك بقاء التحفظ إزاء الاندماج الثقافي كما سبق. لكن تعاملهم المنفتح مع الاختلاف بأسلوب الحياة، جعلهم والأجيال المتعاقبة منهم يحرزون تقدماً في اندماجهم الاجتماعي. ووصلت النجاحات التعليمية للأطفال مراحل أعلى بكثير من ذويهم، وشهدت نسبة مشاركة القوى العاملة من الجيل الثالث تحسناً نوعيا مثيراً للإعجاب.  وتشكلت في ألمانيا طبقة وسطى من المهاجرين أولي الأصول الطليانية واليونانية وكذلك التركية بالطبع. إن لدينا في جمهورية ألمانيا الاتحادية قاضياً اتحادياً ذا أصول ايطالية، ورجل أعمال ناجح في السياحة من أصول تركية يزين أحد أكثر الأحزاب شعبية. مع ذلك، وبالمقابل، فإن أعداد المهاجرين المنعزلين ممن فقدوا وسائل التواصل غير واضحة. ويتصاعد التطرف داخل هذه الفئة تعبيراً عن خسارتها. إنهم الخاسرون من الهجرة، وهم من تراهم فيهم أعين المتحضرين >>طبقة الأغلبية<< في مجتمعنا خطراً على التماسك الاجتماعي ككل.
وهم يتجمعون ـ حسب التصور العام ـ في كثير من الأحيان في الأحياء الفقيرة، حيث أن 70 أو 80 في المئة من التلامذة في المدارس >>من غير الأصول الألمانية<<، NDH. وهذه هي الصيغة المشتركة والمتعارف على استخدامها بين المعلمين والمربين لنسبة الأطفال>>من غير الأصل الألماني<<. وهناك، حيث الأعمال التجارية الصغيرة ومحلات بيع الهواتف الجوالة أو الحلاقة أو محلات القمار في أيدي >>الأجانب<<، وحيث الشوراع محاطة بالأطفال الصغار، وتظهر فيها النساء المحجبات، تتوفر لدينا بفضل دراسات بيزا PISA [أبحاث التقييم الدولي للتلامذة] بيانات ذات صلة: إن التمييز مرتفع بشكل خاص بين الأطفال من أصول مهاجرة. ففي عام 2003  تسرب 17 في المئة من التلامذة الألمان دون إنهاء مرحلة المدرسة الإلزامية الأساسية (إنهاء الصف التاسع).  هنا يتركز الخاسرون المحتملون من الهجرة، حيث تتراكم المعوقات، وبالتالي تنغلق المداخل، مما يؤدي غلى خيبة الأمل ويشجع بدوره على العنف. هكذا تعليل لا يختلف مع المنطق اليومي السليم، ولا مع نظريات علم الاجتماع عن الحرمان والشذوذ الاجتماعي والاستبعاد لمجموعة محددة.

ولكن كيف حصل الانقسام في صفوف المهاجرين، وكيف يفكر المهاجرون الخاسرون، وماذا يريدون وبماذا يشعرون؟ ثمة سبب تقل العناية به يكمن في ديناميات دورة الهجرة. فمن الواضح لدى الجيل الأول أنه كانت هناك سهولة في اغتنام الفرص وبناء رأس جسر والحفاظ على الهدوء. كان المرء يعيش مستبشراً بالرصيد الإيجابي للهجرة لتحسين ظروفه المعيشية. معظمهم قدم من اقتصادات الكفاف في المناطق الريفية >>العمال الضيوف<< في الستينيات والسبعينيات، عملوا في مجال الصناعات التحويلية كعمال غير مهرة وشبه مهرة. نظروا لعملهم هذا باعتباره نقطة ارتقاء اجتماعي لهم. كان منتظراً من الجيل الثاني الوفاء بتحسين الموقف في البلد المضيف، وهو ما تهددته خيبات أمل أخرى. فالابن عليه ان يكون من العمالة الماهرة، والإبنة عليها إيجاد رجل يستطيع الحصول على سيارة متوسطة الحجم ومطبخ. طموحات الجيل الثالث تعدت ذلك كله ولم تعد تقتصر على أنموذج الأهل المرتبط بهم في الوطن الأم، لكنها باتت تحمل طموحات في الحصول على نفس فرص الحياة المتاحة لزملائهم عموماً. ولم يعد الأحفاد يفكرون حتى بأنهم خلقوا للإحباط لأن لهم خلفية أخرى. ولم يعودوا بالتأكيد مستعدين لقبول تغاضي الأجداد عن الأسباب المستخدمة لعدم المساواة في فرص الحياة. هذا الوضع الذي كان في الماضي هو الوضع الطبيعي للنهوض [للجيل الأول]، بات يعني لأولئك [الجيل الثالث] الموافقة على بقاء التخلف. إن الشعور بالظلم هو الذي يجعل من الخاسرين في الهجرة يبحثون عن الدعم بالأفكار التي تَعِدُ بالتعويض عن الحرمان وتريح من الإحباط. فالمنطق يقول إن المرء يجعل نفسه مختلفاً، ليكون مساويا.

ولذلك، ليس علينا توقع الاستعداد للتكيف مع >>ثقافتنا الرائدة<< وبهجة المشاركة في ديمقراطيتنا، ولا سيما بين صفوف المراهقين من أبناء المهاجرين، من يجدون أنفسهم مهمشين في الداخل. إنهم يرون أنفسهم في نجاحهم وفشلهم كعنوان للوصم من طرف مجتمع الأغلبية، ومطالبتهم بوجوب إثبات أنفسهم تجاهه على الدوام. فضلاً عن التنافس بين مجموعات المهاجرين، وتقاسم الأمكنة مع اللاجئين القادمين من حروب أهلية. وبالمقابل تقف الغالبية الألمانية عاجزة من الدهشة وعدم الفهم أمام تنامي العنصرية العرقية في أوساط المهاجرين.

هناك كذلك سبب ثالث للاستبعاد الاجتماعي: فالنمط الجديد لدولة الرفاه الاجتماعي لم يعد يعتمد فقط على تنظيم وتخفيف وطأة عدم الاستغلال الاجتماعي لقوة العمل، بل أصبح يعمل على تمكين وتفعيل >>ديناميكية أسواق العمل<<. لذلك لم يعد هناك أي برامج للتقاعد المبكر، بل >>التعلم مدى الحياة<< مع تمديد سنوات العمل الإلزامية قبل التقاعد. >>التحدي والدعم<< هما كلمتا السر. بعدها يتم قياس من ذا الذي، وما هي الطريقة، وإلى أي مدىً تم الحفاظ على عدم السقوط الاجتماعي. لهذا فإن الحفاظ من حيث المبدأ على الصفة الآمنة (الاستقرار الوظيفي) تغيرت وأصبحت رهينة التنقل الكلي. فإن >>التفعيل<< و >>التشجيع<< أو>>التمكين<<- أو كما يطلق عليها من سمات اخرى ـ تبين كلها أن دولة الرفاة الاحتماعي لم يعد عليها حماية الناس من الفوضى في الأسواق، وإنما عليها أن تشكل تحريضاً لهم للمضي قدماً والتكيف مع هذا التغيير. هذا لا يشكل تناقضاً مع السياسة، لكنه المبدأ التوجيهي الذي يحكم الأسواق. لهذا يجب إعادة تصميم العفن المسيطر على دائرة العمل وإصلاح >>مركزة العمل<< لتصبح أكثر تلوينا. وتمشياً مع المبادئ الخاصة بـ >>كفاءات التوظيف<< يتقدم مبدأ >>التقييم<< بدلاً من رعاية مؤسسة الدولة.

وبغض النظر عن طبيعة تحولات دولة الرفاه التي تتسامح مع حالة السلبية والعجز المكتسب، وتجعل منها إحدى أدوات التقييم، لكي تكافئ النشاط الذاتي وتطالب بالمسؤولية الفردية، تبقى هذه التحولات ذات أثر ضار لا مفر منه. فإن برامج التفعيل والتعبئة تولد حتماً الفئة المتبقية من الناس الذين لا ينشطون ولا يعبؤون على الرغم من كل العروض والحوافز. ويمكن أن تكون لهذا أسباب كثيرة مختلفة جداً: دكتور الرياضيات صاحب التأهيل العالي الذي تفرض اللوائح الوظيفية ذات الصلة وجوب عدم تمديد عقد عمله بعد انقضاء 12 عاماً على نشاطة العلمي في الجامعة، يمكن أن يكون مصيره مشابها لمصير أربعيني صاحب مؤهل منخفض لا يحسن إثبات حصوله على الشهادات المدرسية، والذي عمل 20 عاما مساعداً لعمه ضمن ورشه عائلية في مطعم للوجبات السريعة، والذي تم إغلاقه الآن. يصنـَّف الأول على خانة التوظيف الصعبة بسبب صعوبة تواصله مع الآخرين، والثاني بسبب مسافة الانقطاع عن التعليم. كما ستعتبر دورات التطوير التأهيلية أو إعادة  التدريب والتعليم لهما بلا جدوى. هؤلاء هم المستبعدون من قبل دولة الرفاه الجديدة. وأخيراً يمكن القول دون أي تأنيب ضمير: لقد جربنا كل شيء، لكنهم ببساطة لا يستطيعون ولا يريدون شيئاً.

هذا الإدراك يخيف أكثر عندما يطرح السؤال اليوم عن خصائص أنماط الطبقات الاجتماعية ومخططات حياتها. إذ يمكن النظر بإيجابية إلى الأوضاع الاجتماعية عند المفاضلة بين النزعة الفردية والصيغ الجماعية، طالما وجد التقدم الاجتماعي مع فائض في الفرص مع أقل المخاطر الممكنة. لكن في اللحظة التي يُفتح فيها الحساب، وعند وجوب شراء الفرص الجديدة مع مزيد من المخاطر الأخرى، تنتشر حالة من الذعر بخاصة عند أولئك الذين لديهم ما يخسرونه. وهذا يدل هنا على وجود صلة رابعة مؤثرة في الاستبعاد الاجتماعي، ناتجة عن التحول الدستوري العام لمجتمعنا. فقد طرأ شيء من التغير على الصيغة التوافقية بين الفرد والجماعة في المجتمع. وعلم الاجتماع يتحدث عن الموضعة الاجتماعية للفرد، في إشارة إلى العمليات والأنماط التي تحدد كيفية حصول الأشخاص على وظائف وسبل بقائهم في مواقعهم، وكيف يضطرون للخضوع لإجراء التغييرات في أوضاعهم. فالتفاحة ـ أخيراً ـ لا تسقط بعيدا عن الشجرة. فما هي تأثيرات المنشأ [ البيت، البيئة]، وما هي القرارات الصحيحة، ومن سوف تصادفهم فرصة، ومع ذلك كله يبقى هناك غموض وعدم ثقة في كل تلك الحالات.

إن النسيج الاجتماعي بأكمله واقع تحت الضغط الزمني. وقد قدم “نيكلاس لومان” Niklas Luhmann قاعدة جميلة للانتقال من البيت إلى مهنة.  وفيها لا يسير كل شيء في اتجاه واحد أو يأخذ طريقاً مباشراً. الموقع المهني مفهوم مبهر: فهناك المهني الصاعد، والمهني الخاسر وهناك >> مهنة (من لا مهنة لهم) الخروج من المهن<<.

ليس واضحاً من البداية الأمر إن كان المرء سيصل على سكة المسار المحددة له في بيت والديه. إذ يمكن له كطفل من أصول أسرية متواضعة إحراز تقدم بطريقة غير متوقعة. ولكن يمكن للمتسلل المتفوق علمياً أن يعاني بشكل غير متوقع من تحطم السفينة. ولطالما كان دعاة الإقتصاد المتعدد على حق: الفرد ليس مجرد صورة مصغرة عن المجتمع، وإنما هو على الدوام تعبير عن استراتيجياته وقراراته وحساباته أيضا. على المرء أن يصبح ما هو فعلاً (الإناء ينضح بما فيه). وكثيراً ما يعتمد ذلك على ما يقوم المرء بتعيينه وكيفية فهمه وطريقة اعتماده.

هذا يبدأ من المدرسة، فالكفاءة هي الكلمة السحرية، حيثما لا يتوقع تأدية واجبات محددة، وإنما تقديم تعامل خلاق، ومبادرة خاصة وتلقي عام. ففي الابتعاد عن الدرس المباشر هناك دعوة للتلامذة لا لمتابعة المعلم أو المعلمة فقط، بل ولتنظيم أنفسهم. التعليم عن طريق اللعب يعني أن يعلم المرء ذاته بذاته. هذه القواعد المنهجية الخفية تحكم مجمل العملية التعليمية بأكملها، وكل من يهيئ نفسه لتعلم كيفية تعلم التعلم. ومن لا يعرف كيف يفعل ذلك، ولا كيف يعمل على استيضاح كيفية اكتساب المهارات بخاصة، يجد نفسه فجأة في وضع غير مؤات. فمن المدربين التربويين قد لا يجد الأهالي القلقون نصيحة على وجه اليقين حيال سؤال، ما إذا كان التعليم في مدرسة “فالدورف شوله” Waldorfschule أفضل من مدرسة دينية، أو ما إذا كانت المدارس العامة العادية هي الخيار

الأفضل مع خبرة التعليم لسنوات طويلة للمنهج التربوي “مونتـِسّوري” Montessoripädagogik.
هناك تواصل سلس مع النظريات الإدارية الجديدة، ولا سيما للأنشطة ذات الإنتاجية العالية التي تؤكد على طرق العمل ضمن نماذج مشاريع، وتعميم للمسؤوليات ضمن كفاءة ومرونة التشغيل. واصبح واضحاً منذ زمن أن متابعة ومراقبة بريد العمل الإلكترني في عطلة نهاية الأسبوع لم تعد حكراً على المديرين التنفيذيين فحسب، ومثلها الاستماع الى الهاتف النقال كإجراء أمان في الطريق الى البيت، أو الجلوس مساء بعد انتهاء ساعات العمل مرة أخرى لعدة ساعات أمام الكمبيوتر في البيت. من يرغب في الترقي والتقدم قدماً ينبغي له، ولا يهم الموقع الذي يشغله، أن يبين (هو أو هي) أنه مبادر لا يميل الى انتظار التعليمات كي يتحرك، وأن حركته لا تجري فقط ضمن أطر القنوات التقليدية المرسومة سلفاً. فالارتقاء الوظيفي التسلقي وأقساط التأمين والتمويل الإضافي (للنفقات الإضافية) ستحل محل النظام المنطقي لنيل الموقع والصفة المهنية. إن أولي الكفاءة والمرونه وسريعي الحركة سيحصلون على الدعم، بينما سيبقى الساكنون والخائفون وضيقوا الأفق على قارعة الشارع، وهذا بحد ذاته سوف يجلب معه إمكانات التوتر الخاصة به.

لكن إلى متى يمكن أن تستمر قناعة الشخص في دوام احتفاظه برشاقته الخاصة وسرعته وسلاسته؟ فالشخص يحافظ على لياقة مظهره بوساطة العقاقير المضادة للشيخوخة وبأخذ المنشطات اليومية لتبقيه نشطاً ومرناً. لكنه في لحظات التعب والإرهاق سرعان ما يشعر بتهديد شبح عدم الجدوى. ما الذي يهمه بعد، إن لم يعد قادراً على المنافسة؟ هذا >>الضغط الزماني والمكاني<< يبدو مباشرة عند شخص من النخبة، شخص يتحرك في القطارات السريعة بين مواقع العمل وعناوين السكن المختلفة، ويقع ضحية اكتئاب مفاجئ عندما يجلس أمام بار صغير في غرفة الفندق، ولا يكون بإمكانه رؤية معجنات “كرواسان” الطازجة على موائد إفطار العمل، ينتشر لديه الشعور بالانجراف أكثر.  أي شخص يتجرد من جميع الملابس الجماعية في خدمة مفاتيح مقدراته من النواحي المختلفة، يجد نفسه مرة أخرى في لحظات الانقطاع، والفترات الانتقالية في حيز>>التشرد الاستعلائي<< الذي تبينه سيرته الذاتية. ينبغي عليه تقديم أنموذج عن التعبئة لمجموع قدرات العمل، لكنه لا يشعر بالرضى عن نفسه، ووضعه الاجتماعي لا يوحي بأي أمان.

أرضية المجتمع تتمايل. وقد أطاح “روبرت كاستل” Robert Castel بالمفهوم المعتاد في علم الاجتماع عن الطبقات والتحول الطبقي، وأدخل مفهوم الدائرة المناطقية لتحديد العلاقة الهشة بين المندمجين والمهددين بالسقوط والمنفصلين.  في ثقافة معممة >>ثقافة الصدفة<< “التي تخفى السؤال القلق وراء كل اختيار فيها، إن كان قد أفلح في الاختيار الصحيح مقابل الخيار الآخر، عن إمكانية إيقاع نفسه دون أن يدري خارج الصلات المستقرة في دائرته المناطقية، ليدخل هنا في تردد محفوف بالمخاطر. الأسئلة بشأن ما إذا اختير التأهيل المهني الصحيح، أو الشريك المناسب، او فرصة العمل الواعدة، او المدرسة الأفضل للأطفال، لا تدع مجالاً للشعور بالأمان.  فإذا تهدد وضع الرفاه الاجتماعي واتسعت الثقوب في الشبكة الاجتماعية عبر الانفصال والبعد، تضعف الثقة في مؤسسات الحماية الاجتماعية، وتتعمق بالتالي التبعية على الإدمان الجسدي. فجأة سيجد المرء نفسه دون أن يدري في الدائرة المناطقية للمنفصلين. وعالم الفرص المتاحة يبدو هذه المرة يحالف الآخرين، ويصبح عند الشخص الذي يعاني من حقائق الحياة زيادة في تأثره بالأحداث والتطورات الخارجية بدل القيام بنشاط للتأثير الفعال في عالمه.

وليس ذلك فقط، فكل حقل اجتماعي يعرف >>قليلاً عن بؤسه<<، كما قال “بيـير بورديو” Pierre Bourdieu مرة، أعتقاد المرء الأبدي بالطبيب، بالموظفة التي تشعر بالمرارة، بعدما تُركت معلقة على خط الضواحي، بـ >>أنوثة<< ربات البيوت والأمهات اليائسات من حملة الشهادات الجامعية . لا، هذا ليس أكثر أو أقل من سوء طالع طبيعي لكنه ليس وحده. فقد اصبح السّلم الاجتماعي زلقاً بشكل عام. ويبدو أن السقوط ممكن من أي مكان.

بالطبع لا تزال هناك حماية في شكل أرصدة احتياطية للثروات من الموارد والألقاب المهنية والأصدقاء المفيدين، لكن مشاعر الثقة فُقدت وأصبحت دورة الحياة مرهونه بالاحتمالات الإيجابية والسلبية المتوقع حدوثها في هذا السياق. المسار المهني لم يعد واعداً، لكنه أصبح بدوره تهديدا.

فالانقسام الاجتماعي داخل مجتمعنا تشده مجموعة واضحة من الخطوط غير النظامية. ففي جانب يقف أولئك الذين يجسدون التغيير الاجتماعي ويحددون الموقف على مدار الساعة، وفي جانب آخر يقف أولئك الباقون في أماكنهم، من خرجوا عن الإيقاع. هذا يحصل على كل المستويات، وفي مختلف الأوساط الاجتماعية في مجتمعنا: في أوساط الفقراء والمعدمين كما في أوساط العاملين من الفئات المتوسطة، وبين أوساط الفئات الوسطى من الأطباء النفسيين، والمعالجين وكذلك بين المدرسين تماماً كما بين الطبقة الوسطى المتعلمة من الأساتذة والكهنة والمحامين، وفي طبقة مدراء المصارف وكذلك بين أوساط أصحاب الملكيات العقارية. تقسم الأوساط نفسها بشكل نسبي بين الفائزين والخاسرين. ولديهم كلهم حال من الشك، في مسألة الطاقة والمهارة والحساب، وفي الفرص وحظوظ السعادة إذا انتهى بهم المطاف إلى السكن في الجهة المشمسة من حيهم أو في الجانب المظلم منه.

الفضاء الاجتماعي مرتب ضمن بعدين: فالسلم الاجتماعي يمتد على مستوى البعد العمودي، بينما التواصل مع التغيرات الاجتماعية على المدى الأفقي .  إذ ان المتغيرات لم تبق أي منحىً في الحياة وأي نظام اجتماعي لم تطاله، مثل التغيير في التقسيم الوظيفي للعمالة، وفي تركيبة السكان عن طريق الهجرة، وفي إعادة بناء دولة الرفاه الاجتماعي وعدم التوحيد القياسي لنظم السير الذاتية. فديناميات الاستبعاد الاجتماعي لا تسمح باختصارها في مجرد الفقر المضاعف. كما أن مدى الانقسام يتقرر بين أولئك الذين يمكن أن يكونوا واثقين من أخذ أصواتهم في الحسبان، وأولئك الذين يسيطرعليهم الشعور بعدم أهميتهم في >>الحياة الجيدة<< التي يتيحها المجتمع لأعضائه. فإذا تعطلت وسائط التواصل بين أولئك الذين هم في الداخل وأولئك الذين بقوا في الخارج، فإن الفجوة الاجتماعية ستقطع وتمزق الرابط الاجتماعي للعيش المشترك.

ترجمة فادية فضة

الباب الأول من كتاب ” Die Ausgeschlossenen. Das Ende vom Traum einer gerechten Gesellschaft” الصادر عن Carl Hanser Verlag, München 2008

هاينز بوده (المولود سنة 1954 في فوبرتال) هو عالم الاجتماع الألماني وأستاذ جامعي. وقد شغل الكراسي في الجامعة الحرة في برلين وViadrina  في فرانكفورت/أودر في عام 1996 وكان باحثا زائرا في مركز الدراسات الأوروبية في جامعة كورنيل. منذ عام 2000 يدرس كأستاذ علم الاجتماع في جامعة كاسل الكلي.
ويركز في بحوثاته على فرق الأجيال والإقصاء. وهو عضو في رابطة علم الاجتماع الألماني، وقد انتخب في الهيئة الادارية للرابطةعام 2004.

المراجــــــــع:
•    OECD, Education at a Glance, Paris 2005.
•    Martin Kronauer, Exklusion: Die Gefährdung des Sozialen im hochentwickelten Kapitalismus, Frankfurt am Main/New York 2002
•    Bude und Andreas Willisch (Hrsg.) Das Problem der Exklusion. Ausgegrenzte, Entbehrliche, Überflüssige, Hamburg 2006
•    Heinz Bude und Andreas Willisch, Exklusion. Die Debatte über die „Überflüssigen“, Frankfurt am Main 2008
•    Avishai Margalit, Politik der Würde. Über Achtung und Verachtung, Frankfurt am Main 1999.
•    Hansgert Peisert, Soziale Lage und Bildungschancen in Deutschland, München 1967
•    Lutz Leisering, Desillusionierungen des modernen Fortschrittsglaubens, in : Thomas Schwinn (Hrsg.), Differenzierung und soziale Ungleichheit. Die zwei Soziologien und ihre Verknüpfung, Frankfurt am Main 2004, S. 238-266.
•    Alexis de Tocqueville, Über den Pauperismus. Erste Denkschrift von 1835: Das allmähliche Fortschreiten der Massenarmut in den modernen Staaten, zitiert nach Alexis der Tocqueville, Das Elend der Armut. Über den Pauperismus. Übersetzt von Michael Tillmann. Mit einem Nachwort von Manfred Füllsack, Michael Tillmann und Thomas Weber, Berlin 2007, S. 31
•    Mancur Olson, Rapid Growth as destabilizing Force, Journal of Economic History, Jg. 23, 1963, S. 529-552
•    Heinz Bude, Die Überflüssigen als Transversale Kategorie, in : Peter A. Berger und Michael Vester (Hrsg.), Alte Ungleichheiten-neue Spaltungen, Wiesbaden 1998, S. 363-382
•    Paul Watzlawick und andere, Menschliche Kommunikation. Formen, Störungen, Paradoxien, Bern 1969
•    Siehe Miklas Luhmann, Jenseits von Barbarei, in : ders., Gesellschaftsstruktur und Semantik, Studien zur Wissenssoziologie der modernen Gesellschaft, Band 4, Frankfurt am Main 1995, S. 138-150.
•    Karl Martin Bolte, Dieter Kappe und Friedhelm Neidhardt, Soziale Schichtung der Bundesrepublik Deutschland, in : Karl Martin Bolte (Herg.), Deutsche Gesellschaft im Wandel, Opladen 1967, S. 233-351, hier S. 316.
•    Europäische Kommission, Gemeinsamer Bericht über die soziale Eingliederung, Brüssel 2004, S. 12.
•    William Julius Wilson, When Work Disappears. The World of the New Urban Poor, New York 1996
•    -Joseph Schumpeter, Die sozialen Klassen im ethnisch homogenen Milieu (1917), in : ders., Aufsätze zur Soziologie, Tübingen 1953, S. 147-213.
•    Stefan Hardil, Die Sozialstruktur Deutschlands im internationalen Vergleich, Wiesbaden 2004, S. 157 f.
•    Rainer Geißler, Die Soziale Struktur Deutschlands im internationalen. Zur gesellschaftlichen Entwicklung mit einer Bilanz zur Vereinigungen 4. Aufl. Wiesbaden 2006, S. 46-S.68., hier S. 68.
•    Niklas Luhmann, Die Gesellschaft der Gesellschaft. Frankfurt am Main 1997, S. 1013.
•    Armin Nassehi, Die paradoxe Einheit von Inklusion und Exklusion, in: Heinz Bude und Andreas Willisch (Hrsg.), Das Problem der Exklusion. Ausgegrenzte, Entbehrliche, Überflüssige, Hamburg 2006, S.46-69, hier. S. 68.
•    Richard Sennett, Der flexible Mensch, Die Kultur des neuen Kapitalismus, München 2000.
•    Robert Castel, Die Metamorphosen der sozialen Frage, Eine Geschichte der Lohnarbeit, Konstanz 2000, S. 13 ff.
•    Fritz Schütze, Verlaufskurven des Erleidens als Forschungsgegenstand der interpretativen Soziologie, in : Heinz-Hermann Krüger und Winfried Marotzki (Hrsg.), Erziehungswissenschaftliche Biographieforschung, Opladen 1996, S,. 116-157.
•    Pierre Bourdieu u.a., Das Elend der Welt. Zeugnisse und Diagnosen alltäglichen Leidens an der Gesellschaft, Konstanz 1997, S. 18f
•    Pierre Bourdieu, Die feinen Unterschiede, Kritik der gesellschaftlichen Urteilskraft, Frankfurt am Main 1982
•    Michael Vester und andere, Soziale Milieus im gesellschaftlichen Strukturwandel. Zwischen Integration und Ausgrenzung, Frankfurt am Main 2003.

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial