الشباب المغاربي بين الذات و الأنا الجماعي بقلم أبوعظم صلاح الدين

الملخص: ان الحديث عن المغرب العربي يقودنا دوما للحديث عن الجانب الاقتصادي و فرص التكامل من أجل مصلحة الجميع لكن هل تساءلنا دوما عن ما هو أعمق ……عن الفرد المغاربي و عن ثقافته و عن تاريخه و عن مفاهيمه ؟ هل حاولنا أن نستثمر فيما لا يزول؟ ….الاستثمار في البشر في ظل هذه المعادلة من هو المكون الأساسي للمجتمع المغاربي و ما هي مشكلاته اليوم ؟ و ما دور الأجيال المتعاقبة في تكوين جيل النهضة لبناء صرح المغرب العربي الكبير؟.

الكلمات المفتاحية: شمال افريقيا،المغرب العربي ،الاستعمار، مشكلة الثقافة ،مشكلة المفهومية، مشكلة الحضارة، التكوين،مالك بن نبي ،الفرد، الذات ، الأنا الجماعية، الثقافة الغربية، المرأة، العمل ،ثقافة ذكورية، استمرارية الجيل، التطرف.

مقدمة:

يقول الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي :
اذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر………و لا بد لليل أن ينجلي و لا بد للقيد أن ينكسر……

حين كتب الشابي أبياته كان يضمن رمزية عميقة و يرسم بعدا آخر لشعب أنهكه الاستعمار منطلقا من نفسيته التي كانت تؤمن أصلا بالتغيير لكنها و في الوقت ذاته نفسية تعرض فكرة ثورية في قالب شعري و عمقا فلسفيا و مفهوما ينطوي على نظرة وجودية للذات و للآخر.

ان الحديث عن الشباب و المجتمع يقودنا لحتمية تقسيم الجسد أو المجتمع الى أقسام مختلفة رغبة منا في تحليل الظاهرة الاجتماعية في المغرب العربي على أسس علمية و بناءا على دراسات قبلية و تحليلات ميدانية نعايشها في واقعنا اليوم.

حين تكلم مالك بن نبي  المفكر الجزائري عن الأزمة الجزائرية فانه لم يحدد الفرد الجزائري الا ضمن اطار شخصيته البربرية العربية الافريقية الآسيوية محاولا بذلك ربط التكوين الاجتماعي بالحركية الفكرية و القدرة الابداعية و القابلية للقيادة أو للعبودية تحت تأثير البيئة الاجتماعية و التجربة الفردية في البيئة التي يتفاعل معها الفرد  .

وقد يجدر أن أشير بأنني اعتمدت في بحثي على مقارنة بين دراسات اجتماعية قديمة و بين الواقع المعاش اليوم على أساس أنني و كباحث مبتدئ في القضايا الاجتماعية و من جيل شباب اليوم حاولت أن أعكس التجربة المغاربية من خلال ما عايشته مع الاخوة المغاربة و ما عشته ضمن الأمة الجزائرية التي تأتي بخصوصيتها الثقافية و الجغرافية كملتقى لجميع بلدان المغرب العربي و امتداد لجميع ثقافاته المتنوعة.

و ضمن هذا و ذاك قد قمت بتقسيم  بحثي الى محاور أساسية مهمة اليوم في فهم الفرد المغاربي الشاب و الذي يعول عليه لبناء مجتمع مغاربي متحضر انطلاقا من ذاته و اعتمادا على مكوناته.
مشكلات المجتمع المغاربي :تنحصر مشاكل المجتمعات المغاربية في محاور أساسية هي مشكلة الثقافة , مشكلة الحضارة و مشكلة المفهومية و لا يمكننا أن نعالج احداها دون أن ندرك حجم الترابط بينها.


1-     مشكلة الثقافة: أحد أهم المشاكل اليوم في المجتمع المغاربي و هي أهم أصول الصراع بين الأجيال و عدم وجود روابط فكرية أو تراكيب منهجية للتوفيق بين القديم و المعاصر لكن دعونا نعود للتاريخ قليلا , ان الشمال الافريقي عانى كثيرا من الاستعمار على أوجه مختلفة و المحزن في الأمر أن جميع أنواع الاستعمار كانت تطمس شخصية الآخر فمفهوم الاستعمار كان دوما مرادفا لمفهوم الحماية أو الوصاية أو التبعية في حالتالمغرب العربي و كأن المجتمعات المغاربية عاشت و على مدى الدهر الاندماج الإجباري في حضارات لا تؤمن بالتسامح الفكري أو العرقي من منطلق نظرة الوافد الجديد الى أهل البلاد بنظرة انتقاص و استصغار
وهذا جلي في المجتمعات القديمة و حضارات العالم القديم من الفراعنة الى الرومان وصولا للقرطاجيين و الاغريق وسط هذا الصراع المستمر بين القوى الكبرى في العالم القديم وجد الانسان المغاربي نفسه مجبرا على قبول الآخر و الاندماج في حضارته و لكنه كان يثور كلما أتيحت له الفرصة مستعيدا شخصيته في صراع داخلي مع الذات و صراع خارجي مع الآخر من أجل البقاء ،و كانت الممالك البربرية تقوم و تسقط و لم تتمكن القبائل الأمازيغية  من بناء كيان موحد أبدا على مر الزمن لكن شخصية الأمازيغي أثبتت على مر الزمان أنها شخصية قوية لا يمكن ثنيها و أنها لا تنحني أبدا.

في خضم هذه الحروب كان هنالك مجتمع آخر يشابه الأمازيغ لحد بعيد مجتمع أسيوي يعيش وسط شبه الجزيرة العربية و في نفس الظروف فقد أجبر العرب على موالاة عدة ممالك و امبراطوريات اما الروم أو الفرس أو الحبشة أو الانعزال في الصحراء ضمن مفهوم حياة البدو أو النوميديين كما يعرف في بلاد الشمال الافريقي, ثم جاء الاسلام كعقيدة جديدة لتمنح فكرا جديدا و مغايرا لمفهوم القوة فوفق الفلسفة المحمدية أمة الاسلام هي خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر و هذا ما جاء في الاسلام على لسان محمد صلى الله عليه وسلم .وهنا كانت نقطة التحول فحسب التجربة الانسانية فان التفوق الحضاري لأمة ما مبدؤه اعتقاد الأمة بتفوقها الفكري و الاجتماعي ثم العمل على اثبات الاعتقاد و مما لا شك فيه أن كل أمة من الأمم المتحضرة في العالم نسبت نفسها لأمور غير اعتيادية كي تتميز عن باقي البشر.

تمكن الاسلام في القرن الأول من ظهوره من اسقاط حضارات كانت في أوجها …حضارات استنفذت كل ما هو فكري في مجتمعاتها و حولته الى ملموس في حين أن المعتنقين الجدد للإسلام كانوا عبارة عن مجتمعات تعيش وسط فكر ميتافيزيقي حيث ينقص الى حد بعيد مفهوم التجسيد أو التوافق بين ما هو فكري و روحاني و ما هو مادي و ملموس.

فانتشر الاسلام بقوة كفلسفة جديدة ستعيد بناء العالم من حيث مفهوم الانسان لذاته ووجوده وهنا تماما و على فترات متباعدة كانت الفلسفة الاسلامية هي أول ما طرق قلوب البشر من غير العرب ثم سرعان ما حملت الهجرات البشرية و التجارية و العلمية الثقافة العربية لتنتج نوعا من التمازج الفكري و العرقي و الثقافي تحت مفهوم الوحدة العضوية و هو الأمر الذي أسس له محمد صلى الله عليه وسلم حين قال لا فرق بين عربي و لا أعجمي و لا لأبيض على أسود الا بالتقوى…..ان هذا المفهوم الاجتماعي الجديد كان فكرايؤسس لبناء مجتمع متنوع و متوحد في الوقت ذاته و هذا أقرب ما يمكن أن نسميه مفهوم العولمة الروحية التي توحد الناس وفق فكرة و منهج روحيين ساميين رغم جميع الاختلافات الأخرى  .

و استمر المغرب العربي كما سمي فيم بعد يعيش بناءا اجتماعيا جديدا ضمن فكرة التنوع و التعايش مع الآخر رغم بعض ما يذكره ابن خلدون  من صراعات طائفية و قبلية على السيادة و السلطة.

أما الشباب فكان لهم دائما الفضل في تغيير المجتمعات فغالبية الثورات التي قامت ببلاد المغرب كانت من صنيع الشباب، اما في اطار الثورات ضد الرومان أوالوندال أو الفرنجة أو الانجليز أو الاسبان في الحروب المقدسة التي شنها الصليب المسيحي ضد الهلال الاسلامي و في نفس الوقت فان أول من كان يطُلع و يطالع ثقافة الآخر هم فئة الشباب فغالبية العلماء الذين كتبوا و ترجموا الفلسفة اللاتينية كانوا شبابا كما أنه كان دأب شباب أوروبا و هو يطالع كتب المنطق بالأندلس و يتابع روائع العمارة و ينهل من علوم الحساب و الموسيقى و الشعر و الأدب،و كما كان لأفلاطون و اريسطو من أثر على ابن سينا و الكندي كان لابن رشد و ابن النفيس الكثير من التأثير فيم بعد على علماء أوروبا في العصور الوسطى.

ثم تلا سقوط الممالك الاسلامية العربية ظهور المد التركي، الذي بسط نفوذه تحت لواء الدولة العثمانية و التي اعتمدت نهج القوة اعتمادا كليا، و في الوقت الذي كانت الدولة آنذاك تولي للجيش الانكشاري عناية كبرى، أهمل قادتها الجانب الثقافي و البناء الفكري للمجتمعات التي كانت تحت سلطتها ,و قد يكون للوجود العثماني أثر كبير في التخلف و الانهيار الذي عاشته المجتمعات المغاربية، من حيث فكرة التقسيم الاجتماعي الذي فرضه النظام العثماني المبني على العرق لا على الكفاءة و تقزيم الأعراق الأخرى من حيث اعتبار ثقافاتها ثقافات ثانوية، كما أن هذا الحال قد عمق الفكر القبلي و زاد من وتيرة الانشقاق الذي كان سببا في وجود هوة كبيرة بين الحاكم و المحكوم و بين المحكوم و المحكوم.

وسط هذا الصراع السياسي و الفكري و الثقافي كانت القوى الأوروبية تعيش ثورة فكرية و ثقافية غيرت الفرد الأوروبي الى أبعد الحدود حين أخرجته من مفهوم الذات الفردية الى مفهوم الذات الجماعية فتمكن غالبية القادة و الأباطرة الأوروبيين من توحيد صفوف الشعوب تحت لواء واحد و فكرة واحدة كما تنامى لديهم الوعي الوطني و مفهوم الدولة في اطارها الحديث و عادت أوروبا الى روما لتأخذ بأسباب القوة في مسيرة طويلة من الترجمة و الابداع الفكري الذي قاده حملة التنوير ففي الوقت الذي صار بإمكان شاب كــــ – نابوليون بونابرت- أن يتسلق جدار السلطة و من مجرد شاب من جزيرة- كورسيكا- لا يتقن نطق اللغة الفرنسية الى إمبراطور يحكم فرنسا و في الوقت الذي أمكن لامرأة شابة كـــ – جان دارك – أن تقود ثورة وسط باريس كانت المجتمعات في المغرب العربي تخضع لمبدأ تضييق المفاهيم فلا يمكن للفرد البسيط حتى أن يحلم بتغيير مكانته الاجتماعية مهما أوتي من كفاءة و معرفة، و لم يطل الأمر كثيرا حتى سقطت الولايات العثمانية تحت يد الاستعمار الأوروبيالجزائر ثم تونس و المغرب و موريتانيا فليبيا .

و من المهم جدا أن نذكر بأن الاستعمار الأوروبي لم يكن استعمارا يعتمد على القوة بمفهومها التقليدي و انما صار الفرد الأوروبي ينتهج منهجا علميا مبنيا على التخطيط و الدراسة و البحث و قد أدركت أوروبا أن مفاتيح سيطرتها لا يمكن أن تستمر دون أن تحكم قبضتها على العلوم فاتحة بذلك الباب على مصراعيه لعصر جديد يقوم على الصناعة و العلوم التجريبية كما أن أوروبا الحديثة كانت تحتك مجددا مع الثقافة الشرقية و تدرسها بعمق فكان بالإمكان أن يظهر مجددا المغرب العربي ككيان له خصوصيته الثقافية والحضارية تحت ضوء الأبحاث و الدراسات ، وكان مما أدركه سياسيو أوروبا هو مقدار الخطر الذي قد يشكله الفكر والثقافة والتاريخ في تنمية الفكر العدائي ضد الآخر فكان على القوى الاستعمارية أن تطبق نظريتين الأولى تكمن في الطمس التدريجي للثقافة الأصلية و الثانية هي اعادة بناء مجتمعات وفق ثقافة بديلة هجينة تصنع من الفرد المغاربي شخصا قابلا للعبودية و محدودا من حيث الفكر حيث لا يمكنه أن يحكم على أي شيء ولا أن يميز بين شيء و آخر هذه الثقافة الهجينة لم تكن ثقافة أوروبية لأنه ووفق الفكر الأوروبي الاستعماري لا يجب رفع درجة من هو ليس أوروبيا لمرتبة المستوطنين لأن ذلك يعني خروج المستعبد من دائرة عقدة الثقة بالنفس و عقدة تفوق المستعمر و كل هذه الحسابات كانت تدخل في أجندة حماية التجارة في البحر الأبيض المتوسط أي احد أكبر مناطق النفوذ في علم التجارة و الاقتصاد في بداية الأمر ثم حماية الثروات الطبيعية.

وهنا كان على المستعمر أن يكسر جسور العلاقة بين الأجيال بمحو كل دليل قد يحل الأحجية التي سيصنعها المنهج الأوروبي من أجل الابقاء على الأجيال القادمة في دائرة الضياع و البحث المستمر عن الذات الفردية و الجماعية والهوية، و هكذا كان دور التكوين دورا مهما فقد تم تطبيق خطط تعليمية مدروسة بأحكام تعتمد على ابعاد الفرد عن بيئته جسديا ،روحيا و فكريا و أصبح بالإمكان انتاج أفراد جدد يعادون المجتمع و ينقمون على كل أساسياته معتقدين أن المكونات الثقافية الاجتماعية وراء التخلف الحضاري الذي تعيشه مجتمعاتهم و الأبعد من ذلك فقد نشأ جيل يؤمن بالحلول وفق المنهج الأوروبي فوقعت المجتمعات العربية في مشكلة أساسية و صراع اجتماعي عميق فالتطور الاجتماعي لم يحصل كما يجب له أن يكون , و اذا عدنا للتجربة الأوروبية انطلاقا من عصور التنوير سندرك أن المجتمع الأوربي انطلق من ذاته ليتغير عائدا بذلك الى تاريخه و ماضيه و مفكريه كالأرض تماما حين تسقى ليس أفضل من أن تسقيها مياهها الجوفية.

ويمكننا أن نلاحظ أن الغرب استمر في فكرته الأنانية رغم أنه أخذ الكثير من الأمور من ثقافتنا فانه يستمر في طمس كل تلك الوقائع غير محترم للملكية الفكرية و الأدبية منتهجا فكرة أساسية في تكوين المجتمعات و هي عقدة التفوق و يمكننا أن نرى جليا هذا الأمر في الفكر الألماني أو الايطالي و الفرنسي و فلسفة الوجود القائمة على تمجيد الذات و انكار وجود الآخر كتمجيد العنصر الجرماني أو العنصر الروماني.

ثم جاء عصر الثورات في العالم و قد كان للشباب المغاربي الكلمة الأولى و أصبح التضييق على الأفكار أمرا اعتياديا يعاني منه كل الشباب المتطلع لغد أفضل، من جهة المجتمع في صورة الأسرة و القبيلة ،و من جهة المستعمر في صورة الحاكم المدني و أهل القرار و العسكر ثم تمكن القليل من الشباب من الاطلاع على الثقافة الغربية عن كثب و قد تمكنوا حتى من تقمصها، و منافسة الأوروبيين في علومهم لكن الشباب المغاربي أدرك مجددا أن هذه الثقافة الغربية لا تساوي بينهم و بين الأوروبيين كان من القصص التي ترويها ذاكرة جيل الأربعينيات بالجزائر

أن شابا كان متفوقا جدا في الثانوية و كان الأول دائما في صفه و حين قارب موعد امتحان البكالوريا طلبه مدير الثانوية لمكتبه.
حين دخل الشاب قال له المدير : ان والدك مريض و يجب عليك أن تعينه في عمله بالزراعة و ألح على الشاب, في الغد قرر الشاب ترك الدراسة و الذهاب للعمل مع والده في الزراعة.
حينما رآه والده قال له: ماذا تفعل هنا يا ولدي؟
فأجاب الشاب: قدمت لمساعدتك و قد أمرني مدير الثانوية بذلك.
فأخذ الوالد ابنه معه الى الثانوية و طلب لقاءا مع المدير , و حين دخل قال للمدير:
سيدي المدير: هذا ولدي و انه نجيب جدا و أنا أعمل بجد كي يتمكن ولدي من الدراسة فقد  يصبح طبيبا أو معلما في المستقبل فراح المدير يلح على الوالد بأن يأخذ ولده للعمل في الزراعة و استمر الوالد يترجى مدير المدرسة بأن يترك الولد في الثانوية ليكمل دراسته، ثم قام المدير بطرد الأب و الابن في صورة تعسفية ،انما أردت أن أعود للوقائع التاريخية لأنها مهمة جدا في فهم التطور الاجتماعي و آثار جميع العوامل  الاجتماعية التي تصنع المنعطفات و الثورات الفكرية في مسيرة اجتماعية لأمة ما و لعل المفكر مالك بن نبي قد ذهب الى أبعد من ذلك حين يصف نفسية الفرد في الشمال الافريقي بأنها مصابة بالذهان و بحالات من الحرمان تكبل ارادته و مجهوداته و تنقص من عزيمته.

ان معادلة الانسان و الوقت و الأرض لهي معادلة دقيقة جدا في البناء الاجتماعي و مترابطة بنسق تكراري متتابع فالثقافة في عمقها تعبر عن مظاهر التميز و الهيمنة و القوة لدى مجتمع ما في جملة سلوكياته و انفعالاته بناءا على تجربة و تاريخ في مكان ما على وجه البسيطة ,ورغم أن المجتمعات في الشمال الافريقي قد توفرت لها كل شروط التكوين الثقافي فهي تعيش صراعا أنتجه انعدام النسق التكراري المتتابع و الذي أقصد به تلك العلاقات بين المكونات الأساسية للمعادلة ألا وهي الانسان و الوقت و الأرض التي يجب أن تستمر في شكل دائري و سرعة متسارعة فكلما اقترب الانسان من مفهوم الأرض و الوقت كلما اكتشف ذاته بشكل أكبر و لعل أقرب الأمثلة لذلك تجربة رجل حكيم من الهند تمكن من اعادة بناء الهند من ذاتها حين تمكن من اعادة بناء ذاته من الهند نفسها من خلال اقترابه أكثر من مفهوم الأرض و الوقت فقد استطاع بذلك أن ينمو بداخله ليتمكن من استيعاب الهند بكاملها و لا أقصد الهند ككيان جيولوجي و انما الهند ككتلة بشرية و ثقافية مهمة في العالم.

حين قرر غاندي أن يلبس مما ينسج و أن يعيد للهند النول و الصوف أراد غاندي أن ينطلق بالهند من نقطة توقفها و هذا أمر مهم جدا غفلنا عنه في دولنا المغاربية حيث تم تكوين أجيال لا تملك الثقافة كلها كوحدة عضوية و انما تملكها كجملة من الأعضاء المبتورة و التي لا تصلح لأن تتوحد ثم صار لكل دولة ثقافتها حين عجزنا كمجتمعات عن فهم أن الحدود السياسية لا يمكنها أبدا أن تصنع حدودا ثقافية بين الشعوب .و لأنني عشت تجربة غريبة الى حد ما في مهرجان دولي للسينما بتونس مؤخرا و قد كان لي شرف تمثيل الجزائر و قد صادف أن نلتقي بمرافقين عن الوفد الليبي ففي الوقت الذي نظر جزء كبير من التونسيين الشباب بغرابة للهجة الليبية و جدت أن لهجتي التي تشكل واحدة من عشرات اللهجات الجزائرية قد مكنتني من فهم اللهجة الليبية الى حد غير معقول و تساءلت كشاب جزائري عن مقدار التقارب الثقافي بين شعب ينتمي للأمة الجزائرية و شعب ينتمي للأمة الليبية ثم ما مقدار تأثير الانسان في مفهوم الأرض و الوقت فقد كان الانسان من بيئتين مختلفتين في الظاهر و لكن أرضا جديدة هي تونس و وقتا معينا مكن الانسان الجزائري و الليبي من التفاهم وفق لغة ثقافية عميقة ذات جذور واحدة و ان كانت مظاهر ثقافتينا متباعدة لأننا نخضع لمتغيرات متنوعة في مكانين متباعدين فالأصل الثقافي واحد و قد يكون للبتر الثقافي الذي عاشته شعوب الشمال الافريقي نعمة من حيث أن الأجزاء المبتورة من الثقافة و ان كانت لا تتوحد فإنها تبقى أصلية و ذات دلالات واضحة و عميقة تماما كالبصمة الوراثية في العصر الحديث. و لعل عودتنا للنموذج الأسيوي و الذي أعتبره الأقرب الينا كشعوب من حيث البنية الروحية و الفكرية فقد وفقت الشعوب الأسيوية و ان لم أقل كلها من ربط الانسان بالوقت ثم الانسان بالأرض ثم الأرض بالوقت فتمكنت الصين من توحيد ما تشتت منها و أصبح الفرد الصيني مضرب المثل من حيث كفاءته في العمل و قد ترجمت الصين قوة شخصيتها حين صدرت ثقافتها للعالم كله هذه الأمة التي كانت بالأمس غارقة في الحروب الأهلية و الآفات الاجتماعية استطاعت اليوم أن تنطلق مجددا مستمدة حاضرها من أمسها فلم يعد عجيبا أن ترى مظاهرها الثقافية في العالم كله.


2-     مشكلة الحضارة: الحضارة هي تراكم من التجارب التي قد تمر على شعب ما في اطار زمني و مكاني معين هذه التراكمات تظهر على شاكلة منهج و سلوك في الحياة تجتمع عليه مجموعة من البشر وفق اطار من التنظيم و التقاسم و التشارك كل حسب قدراته و امكانياته.

مما قرأت أنه حين أعلن جورج واشنطن عن أنه سينسحب من رئاسة الولايات المتحدة تظاهر الشعب الأمريكي طلبا لعودته فقال جورج واشنطن بالأمس كنت رئيسا حكمت شعبا أعرف احتياجاته و أفهمه لكن هذا الشعب لم يكن يفهمني لأنني كنت أرى من خلاله مستقبل أمريكا أما اليوم فقد جاء جيل جديد يفهم و يعي رؤيتي لكنه يتطلع لبعد جديد في تاريخنا لا أستطيع أن أراه و لا أن أفهمه لا أعلم مقدار صدق الرواية لكنني ذكرتها على سبيل الفائدة فوفق اعتقادي هو أن الحضارة هي الرغبة الملحة في الحياة ضمن اطار الأنا الجماعي ،انها عودة الانسان لمبدئ التشارك و التقاسم كضرورة حتمية من أجل البقاء و الاستمرار في ظل هذه المبادئ تلد الأمة علماءها ،و مفكريها و يفتح الشعب أبوابه للإبداع الفني، فيظهر للأمة قادة جدد و أمثلة يحتذى بهم، ثم ينعكس التسامح الروحي والرقي الفكري على كل أشكال الحياة من الطبخ الى الباس الى الأدب ، فالاقتصاد و السياسة ،ان الاهتمامات تتغير و تصبح أكثر انسانية ،ثم أعود لجميع حضارات العالم لنلاحظ أن غالبية العلوم كانت تهتم بالإنسان و الأرض و الوقت، فطور البشر الطب و الفلسفة و الزراعة و الري و طوروا علومهم الفلكية و استعملوا الحساب و الهندسة و العلوم التجريبية ،فتفاعلت جميع هذه العلوم لتنشئ جيلا جديدا يقود محرك الحضارة ،و كلما كانت الحضارة البشرية ترتقي ،كانت الصراعات على المسؤولية تقل، لأن المجتمع يعي في مرحلة ما بأن الوجود ضمن الاطار الاجتماعي، مرهون بمبدأ تقاسم المسؤوليات حسب الكفاءة و القدرة ،و هذا ما ترجوه كل حضارة بشرية و ما يحدث هو أنه حين تظهر الذاتية في الروح البشرية، تزداد الصراعات و تزول الحضارة لأنها تفقد و بشكل ما توازنها الأخلاقي و الروحي و المادي.

ما حدث لدى شعوب الشمال الافريقي هي أنها تفتقر و على مر الزمن لقادة و أمثلة يتبعهم الشباب و ايمان شعوب هذه المناطق بمبدئ القوة و تقديسها المفرط للسلطة و ذلك نابع من التنشئة و التربية الأولى اذ هناك خلل ما في تكوين الفرد المغاربي كما أن تعصبوخوفالمجتمعات المغاربية من تجربة شيء آخر كان سببا في تخلفها عن ركب الحضارة الانسانية.

يبدأ المجتمع من الأسرة التي تمثل نواته الأولى فحين يمنع الولد من الكلام و التفكير بحرية و يمنع من طرح نظرته لعالم الكبار فانه سيبني شخصيته وفق شكلين الشكل الأول هو أن يكون ضعيفا فيتوقف عن الابداع و ينسحب من المعادلة الحضارية لينشئ فردا خاملا محدود النظر أما الشكل الثاني فهو التطرف و هو الأمر الخطير الذي هز بالماضي كيان مجتمعاتنا و لا يزال يهزها لليوم ان الولد الذي منع من الحديث بالأمس سيصير شابا لم يقاسم يوما أفكاره لأنه لم تتح له فرصة عرض وجهة نظره و هو بذلك لم يتمكن من تطبيق شيء مهم جدا على أفكاره و هو النقد و التحليل ثم التصحيح اذا سيتمسك الولد المغاربي بأفكاره لنفسه دون معرفة بمقدار الخاطئ فيها ثم سيتحين الفرصة كشاب ليظهر مجددا تحت مبدئ القوة و هو نفس المبدئ الذي منعه بالأمس القريب من التفكير بصوت عال و أجبره على التفكير بصمت لينتقم من المجتمع كله و هذا ما نلاحظه في الانقلابات العسكرية التي قادها الشباب منذ الأربعينيات الى نهاية السبعينيات بالشمال الافريقي و لم تأتي الا بشباب طموح لكنه في الوقت ذاته متعصب و منغلق على أفكاره فتم منع الكثير من حرية ابداء آرائهم و أولئك الشباب لم يطبقوا الا ما طبق عليهم أيام الصبى……………يجب على الجميع بأن يصمت لأن الجد أكثر الناس فهما في العائلة و الخال و العم و الأخ الكبير ثم المعلم و المدير و الشرطي هكذا ينشئ الشباب في المجتمعات العربية تحت سلطة الكبار التي تبدأ بسيطة داخل العائلة ثم تتوسع لتصبح قوانين دستورية في البلاد.

ان الخطأ الذي وقع فيه الشباب المغاربي هو أنه أراد تغيير المجتمع منطلقا من أساسيات لا تنتمي للمجتمع قادما بتجارب العالم المتحضر و التي قد يصادف بأنه قرأها في كتاب أو جريدة ما دون اخضاع القضية الاجتماعية لدراسة معمقة و ميدانية و البحث الدقيق عن حلول تُستمد من المجتمع ذاته هذا من جهة و من الجهة الأخرى فان الشباب المغاربي الثائر و الذي يطمح للتغيير ينطلق في ثوراته دوما من مبدئ النقمة و الكراهية و العنف في حقيقة الأمر ان الشباب يعكس مكونات موروثة في البيئة المغاربية على مر الزمن هذه الحقيقة التي تعود في عمقها لمبدئ القبيلة و الفكر القبلي القائم على نظرة وجودية محدودة و الذي يكرس لمبدئ التقسيم غير العادل للمسؤوليات و ذلك الفخ الذي وقعت فيه جميع ثوراتنا على مر الزمن فهي ثورات تتخذ رمزية القائد كمرجعية و لا تتخذ أفكاره كمرجعية و توحيد الأمة لا يقوم بتقديس صورة القائد و انما بالإيمان بأفكاره التي تنطلق من مجتمعه و الدراس للتاريخ الاسلامي سيفهم البعد الفكري العميق لأبي بكر الصديق رضي الله عنه حين قال :من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات و من كان يعبد الله فان الله حي لا يموت.

ولعل أهم مشاكل الشباب العربي تكمن في بناء شخصيته و تحصينها وفق ما هو أفضل و ليس وفق ما يراه المسؤولون سواء أكانوا من الأهل أو من السلطة بأنه الأفضل حين قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: ربوا أبناءكم لزمان غير زمانكم …..فانه كان يضع قانونا اليوم تتبعه الحضارة الأوروبية قانون يعتمد على استحداث الفكر و تنميته و تطوير الأسلوب وفق ما يتماشى مع العصر.
في السويد يتم الاستثمار في الفرد بشكل رهيب فيتعلم الأطفال في سن مبكرة ثلاث لغات على الأقل لتمهيد الطريق أمام الشاب السويدي لكي يطلع على ثقافات العالمبشكل أكبر و لكي يتمكن من نقل ثقافته بشكل أوسع. بينما يدفع معلمو القرآن بالسنغال الأولاد الى التسول لجمع المال من أجل تمويل حفضهم للقرآن الكريم .ان الفرد السويدي يأخذ بأسباب الحضارة و التي تعتمد أساسا على الترجمة للوصول الى مجهودات الآخر و أخذ ما يمكن أن ينفع منها بينما يعلم حفظ القرآن في السنغال الفرد السنغالي التسول ليحفظ قرآنا هو لا يفهم معانيه أصلا.

اذا يجب مراجعة التكوين على مستوى مؤسساتنا اليوم فجل ما ندرسه هو فلسفة أريسطو و رياضيات فيتاغورث و الثورة الأوروبية في الصناعة لكننا لم نتعلم بأن رمز الجذر التربيعي اختراع عربي و ما هو الا حرف الجيم مقلوبة و لم نقرأ شيئا عن فلسفة ابن رشد و لم ندرس علم البصريات على قوانين ابن الهيثم رغم أنها لم تتغير حتى اليوم حتى في دراستنا للجغرافيا فقد درسنا بأن الأوروبيين قد وصلوا للعالم الجديد قاطعين المحيط و لكن لم يخبرونا بأن آلات الملاحة التي استعملوها كانت من صنع مسلمي الأندلس هكذا فقد الشباب في الشمال الافريقي حضارته بتواطؤ جماعي من المجتمع الذي ينشأ فيه و من قوى مهيمنة في العالم  فحتى الحوار الحضاري اليوم في مجتمعاتنا مرفوض من أبسط البشر و ذلك عائد الى عدم رغبة المجتمع في مد خطوة الى الأمام لتغيير ما يعرف بالمألوف و الذي تطبع عليه الناس على مر الزمن.

ان غياب سلم القيم في مجتمعاتنا و الذي يحدد لكل الأفراد مسؤولياتهم و واجباتهم ضمن نظام من التواصل الراقي , و الذي يضمن أن يكون لكل فرد فرصة في اسماع صوته و أن يكون لكل فرد الفرصة في سماع صوت الآخر لعنصر مهم جدا و قد غفل عنه الكثير ممن يديرون زمام الأمور في قلب الأمة.

واننا ان لم نتطرق في بحثنا للعنصر الأنثوي في البعد الحضاري فنحن نحكم على أمة كاملة بالزوال و قد أثبتت التجربة الميدانية ما للنصف الأنثوي من فئة الشباب من قدرة على البناء و التفكير و التحليل فإنكار ثقافتنا لدور المرأة في بناء المجتمع كان أحد المعوقات الأساسية التي أبطأت النمو الفكري و الثقافي للمجتمعات العربية و يحضرني هنا بيت شعري يقول:
اذا النساء نشأن في أمية     رضع الرجال جهالة و خمولا

ولكنني و ان كنت أعرض المشكلة الثقافية في النصف الأنثوي من المجتمع فإنني أذكر بأن الثورة الأنثوية في المجتمعات العربية وخصوصا بالشمال الافريقي حملت بذور ثورة تحدي للذكور أكثر منها تكامل و رأت الشابات في بلاد الشمال الافريقي أن حرية المرأة و ثورتها يجب أن تقوم على منافسة الرجل وقد وقعت الشابات في فخ التجربة الأوروبية حيث أن البنية الثقافية في البيئة الأوروبية مغايرة تماما للبنية الثقافية في البيئة الشرقية و ان كانت التغيرات الجذرية اليوم نلاحظها في سن الزواج المتأخر و كثرة المشاكل و فشل الكثير من الشباب في ايجاد الاستقرار النفسي ضمن الصراع المستمر في الجيل و الجيل نفسه من أجل فهم الآخر والتواصل معه بإيجابية و هنا يحضرني أن أذكر ثقافة التعامل بتسامح أكبر مع الرجل منه مع المرأة عوض أن يكون العقاب والتعامل مع كليهما متساويا فما يحق للشباب من ممارسات يمنع على البنات مما يولد عقدة لدى المرأة في المجتمع المغاربي عقدة ضعف ستحولها الى أم غير قادرة على تربية أولاد سليمي الذهنيات و كأن انتقام المجتمع من نفسه يستمر في حلقة مغلقة ثم تنكرت المرأة الشابة في ثورة غير واعية كردة فعل للثقافة الذكورية الظالمة فصرنا نفقد الكثير و لأننا لم ندرك أن الوعاء الثقافي الأساسي في المجتمع هو المرأة لأنها الرابط الوحيد و الحبل المتين الذي يوحد المجتمع و ان كان علينا اليوم عوض مناقشة العادات البالية و التفسير الخاطئ للرسالة المحمدية و دفع الشابات للتمرد أن نكون أول من يفتح لهن الباب على مصراعيه و أن نشرك المرأة في العملية الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية كما أنه علينا أن نعلمها المسؤولية و طرق اتخاذ القرار كي يتمكن المجتمع من الوقوف مجددابروح التفاهم و التشارك و الحوار البناء و السلوك الأخلاقي الحضاري فان تمكنا من بناء مجتمع يسوده فكر التكامل وفلسفة الوجود الجماعي الذي بدوره يضمن الوجود الفردي فسنتمكن من تجاوز جميع العقبات التي تصادفنا اليوم.

قال العالم الجزائري البشير الابراهيمي رائد النهضة الفكرية بثلاثينيات القرن العشرين أعط لكل أخوة حقها فللدين حق و للغة حق و للإنسانية حق فكل ما نتقاسمه في حياتنا يجب أن يمنحنا حقا بأخوة تفرض علينا واجبا ازاء الآخر فالثقافة جزء هام من الشخصية الفردية و مكون أساسي للهوية الجماعية لأمة أو شعب ما و كما أن فقدان الشعب لثقافته يعني فقدانه لكل منهج و أسلوب للتعامل مع ثقافات أخرى فيغرق المجتمع في تشويش تسيطر عليه قوانين الفوضى و الضياع الفكري و الروحي و الجسدي.
ان مجتمعا مثقفا هو مجتمع يموت ليولد من جديد لأنه يحمل بذور الحياة في موته.


3-     مشكلة المفهومية: وصولنا لنقطة المفهومية يعتبر ضرورة حتمية لتهذيب السلوك و توجيه الفكر ضمنالقنوات السليمة ان المفهومية هي الطريقة التي تنعكس فيها الذات الفردية على مستوى مجموعة من الأفراد و العكس و مقدار صدق أبعاد الانعكاس عامل أساسي كي تبقى مكونات الأمور المنعكسة محفوظة و بشكل أصلي …ان مشكل الشباب في قضية المفهومية عميق جدا هناك مثل لدى البحارة في موضوع الملاحة البحرية يقول :
أن تعرف أين أنت موجود دون أن تعرف الى أنت ذاهب أفضل من أن تعرف الى أين تريد أن تذهب و أنت لا تعرف أين أنت موجود.

الشباب المغاربي اليوم يبحث عن مكانه وسط هذا العالم وسط العائلة و الحي و القرية و المدينة و الدولة ان وجود الملايين من الشباب المغاربي على هامش الحياة ليعتبر خطرا هاما على الاستقرار العام للدولة حين يعيش الانسان بلا هدف فانه يفقد مفهوم العنصر الاجتماعي و يفقد روح الانتماء فيتمرد على قوانين الجماعة تارة أو ينسحب عن الجماعة اما لينعزل و يصبح عنصرا حياديا أو لينظم لجماعة أخرى في جميع الحالات الشاب هنا سيعيش نوعا من فقدان الثقة و خيبة الأمل و اللتان قد تقودانه الى السلوك المنحرف غير المقبول اجتماعيا اما رغبة في الظهور و اثبات الوجود و اما رغبة في الانتقام.

ان قدرة الفرد على ترجمة أحاسيسه و أفكاره و أحلامه و عكسها على واقعه يخضع الى قدرته و فاعليته في الانتقال من معلم الذات الى معلم المجتمع أو انتقاله من الأنا الفردي الى الأنا الجماعي و قدرته أيضا في نقل ما يتلقاه من الأنا الجماعي الى الأنا الفردي هذا التواصل و الترابط بين الجزء و الكل مرهون بمقدار معرفة كل منهما للآخر و هذا شيء مهم جدا.

وحين نتكلم عن التواصل الاجتماعي في المغرب العربي سنجد أنفسنا خاضعين لمشكلة فهم الفرد المغاربي لذاته و هل اللغة المنطوقة و لغة التعبير الجسدي التي يستعملها تعبر عن أفكاره و عواطفه هنا يمكننا أن نلاحظ أن أحد أزمات الشباب بالمغرب العربي هو أنه لم يتم اعداده جيدا ليكون قادرا على فهم ما يدور حوله أن يكون قادرا على التحليل و الاستنتاج ففكرة التواصل و الاستمرار عن طريق الآخر تكاد تكون معدومة و لعلي أسوق نموذجا حيا من الحياة التي نعيشها اليوم فغالبية من يشغلون مناصب عمل في الاقتصاد و السياسة لا يفكرون حتى بتدريب شباب البلاد و ان كان ذلك فلا يكون الا من باب قرابة الدم أو الوساطة هذه العقلية المتجذرة في ثقافتنا كرست مفهوم اقصاء الآخر و الغاء مفهوم المساواة مما طوق الابداع لدى الشباب و حتى و ان تمكنت النماذج الشابة من الوصول الى مناصب مهمة فان حسن النية في بناء المجتمع مع قلة الخبرة لكفيلان بتحطيم دولة بكاملها.

ثم أسوق تجربة أخرى حصلت بين الدولتين الشقيقتين مصر و الجزائر و الأزمة كانت أزمة المفهومية و أزمة التواصل الاجتماعي والثقافي الغائب تماما بإرادة مقصودة  أو عن غير قصد تقوم على منع الشعب من معرفة ذاته خارج نطاق الذات , يقول المثل الناس لما جهلوا أعداء و مما أثار انتباهي هو أن مقابلة كرة قدم تحولت الى صراع سياسي و اقتصادي، و قد قدمت هذا المثل لأنه مهم جدا في فهم الشخصية الشبابية الحديثة للمجتمعات بشمال افريقيا،و الأهم من ذلك فكرة انتماء مصر للمشرق العربي، عوض انتمائها للمغرب العربي فان كان على البعد الجغرافي فان الجزء الآسيوي في مصر لا يتجاوز قناة سيناء وكل مصر تخضع اقليميا لإفريقيا كما تخضع ثقافيا و عرقيا لشمال افريقيا بحكم تركيبتها البشرية التي يطغى عليها القبط هنا نلمس مشكلة في المفاهيم،ثم فكرة الأمازيغ كعرق ينتمي لبلاد المغرب و هذا خطأ تاريخي فادح فيكفينا العودة للتاريخ لنعرف أن من أسس قاهرة الفاطميين كان جيشا أمازيغيا وافدا من الشرق الجزائري، فوافق أن يتقاتل أمازيغيان و يسبا بعضيهما أحدهما ممن هاجر بالماضي الى مصر و الآخر ممن بقي بالجزائر بعد مقابلة كرة قدم، ثم أثر ذلك على الجزائر في اتجاه عكسي فظهرت تيارات تنادي بالأمازيغية كمرجعية ثقافية في الجزائر متنكرة لشعوب تنتمي للجزائر ذات قرابة جينية و أصولأسيوية فكان على الانسان المصري أن ينفي الانسان الجزائري من أحد مقومات ثقافته وكان على الانسان الجزائري أن ينتقص الثقافة العربية وأن يعيد التوجه نحو الثقافة الأمازيغية مهينا بذلك ومنتقصا الانسان المصريفاصلا بذلك أي ترابط رغم أن الانسانين كلاهما ينتميان لنفس الثقافة أكانت أمازيغية أو عربية ، وقد وصلت الأمور لحدود القتل و الطلاق بين العائلات المتصاهرة من الأمتين رغم أن المصريين بالأمس القريب  أيام الخمسينيات فتحوا أمواج القاهرة لتتكلم بلسان الأمة الجزائرية و كان للجزائريين الفضل في تسليح مصر و سوريا بعد الحرب الاسرائيلية الأولى أيام السبعينيات حين حدث الصراع راحت كل جهة تذكر مزاياها و تمن على الأخرى فوقعت الأمتينالجزائرية و المصرية في مشكلة أساسية وهي مشكلة الجهل وعدم قدرة احداهما على فهم الأخرى ثم انه ما كان يجب أن يفجر كغضب اتجاه العدوان الإسرائيلي مثلا أو اتجاه نظام جعل شعبه يلهث وراء رغيف الخبز تم تفجيره وراء مباراة كرة قدم و راح الشباب يقع في فخ كرة القدم ……… وقفت أسأل الجميع وأتساءل عن السبب الذي جعل الصراع كبيرا لهذا الحد و لكن لا أحد يجيب، لأن الجميع ناقم على الآخر و لأن الجميع لا يريد أن يسمع من الآخر ……أساس الصراع هو مشكلة فهمنا لأنفسنا و مشكلة فهمنا للآخر كذا الحال بين المجتمعات الجزائر وليبيا وتونس وموريتانيا والصحراء الغربية ان قرارا سياسيا من دولة ما …..لا يجب أن يحسب على شعب تلك الدولة كما لا يجب أن نحكم من خلال تصرف بشر واحد على الكل، و لعل أهم مشاكلنا اليوم ضمن اطار المفهومية هي عدم قدرة الشباب على فهم المشاكل الحقيقية التي تواجهه في اطار فكرة طاقم السفينة التي اذا ثقب أحد ركابها هيكلها فسيغرق الجميع، فصارت مفاهيمنا كلها خاطئة و نظرة الشباب عندنا للحياة و أشكالها بعيدة كل البعد عما يجب أن تكون عليه فحدث الصراع في أشباه المشاكل و كلما حاول الشباب تحسين الأمور فانه يزيدها سوءا لأن المنهج الذي يقوم عليه الفكر في الشمال الافريقي معظمه خاطئ و هو وليد قوانين وضعها شيوخ القبائل في مرحلة ما و مولها الاستعمار في مرحلة أخرى،للإبقاء على التفكك الاجتماعي بسياسة فرق تسدلإحكام القبضة على البشر و التأسيس لفكرة الانفراد بالقرار و السلطة.

ولذلك فان الثورات التي لا يسبقها وعي ثقافي و ادراك فكري عميق و حسي صادق لا يمكن لها أن تحسن حياة الناس الا لمدة محدودة لأن المدرسة التي تسببت في تخلف المجتمعات المغاربية لا تزال موجودة على شاكلة ذهنيات و جمود فكري و تعصب للأنا الفردية.

وفي ظل غياب نشاطات التبادل الثقافي بين الأطفال و العائلات و الشباب، سيبقى الحال على حاله كوننا لا نعرف الأخر فإننا سننكره كنتيجة حتمية، اما  كوننا سنخافه أو كوننا سنصنع تصورا خياليا عنه وقد يكون التصور خاطئا أو صحيحا.

اليوم و تحت غطاء حقوق الانسان، أصبحت تفرض علينا قوانين جديدة من الخارج و لأن التغيير سنة الحياة صار حريا بنا أن نهندس لحياتنا قبل أن يهندسها غيرنا لنا،و قد توافق أن غالب ما يحلم به شباب المغرب العربي اليوم هو السكن و العمل، و ان كنا هنا مجبرين أيضا على تحديد مفهوم الفئة الشبانية في المجتمع؟ و هل هي حالة نفسية أو جسدية؟ هل هي محدودة بسن معينة أو بمنهج فكري معين؟

ولكنني سأحاول أن أعرض مفهوم الشباب على ثلاثة مراحل ،يتوافق فيها السن مع الحالة الفيزيائية و مع المستوى الروحي و الفكري في آن واحد:
المرحلة الأولى: وهي المرحلة التي تلي المراهقة و هي مرحلة بداية النضوج الجسدي .
المرحلة الثانية : و هي مرحلة بداية النضوج العقلي .
المرحلة الثالثة: و هي مرحلة بداية النضوج الروحي و هي ما يسبق الكهولة .

ان تقسيمي لمفهوم الشباب بهذه الطريقة يدخل في باب تغيير المفاهيم التي يتلقاها الناس في المجتمع المغاربي و هنا ،و فقط سنتمكن من المقاربة بين الأجيال و تحقيق التبادل الفكري و المعرفي على صعيد التجربة الاجتماعية و الرؤية الذاتية ، لأنه ووفق هذا الطرح سيتمكن صاحب 45 سنة من ازالة الفوارق بينه و بين صاحب 25 سنة من باب أن كليهما شاب ،لكنهما من فئتين شبابيتين مختلفتين فعوض أن يتحول مفهوم الشباب الى مصطلح تفريق بين فئات المجتمع سيكون دعامة أساسية لتوحيد فئة كبيرة من المجتمع يقوم عليها بناؤه، و عوض الاستمرار في نقاش صراع الأجيال ،ستتحول المجتمعات الى مفهوم استمرارية الجيل أو امتداد الجيل عبر الجيل الآخر.

ولأنني و ان عرضت الأزمات العميقة و المشاكل الجذرية للشباب المغاربي فانه لا يفوتني أن أركز على نقطة أساسية و هي أن الحلول لا يجب أن تستورد ،فالحل الوحيد هو انتاج حلول محلية من قلب الأزمات و من روح المجتمع ،و قد أعرض بعض الاقتراحات التي قد تساعد على حل مشاكل فئة الشباب اليوم كجملة من التصورات التي يجب أن تدرس بعمق أكبر:


1-     في الجانب الاقتصادي:
حسب الاحصائيات الدولية أكبر عدد من البطالين الشباب في العالم موجود بمنطقة المغرب العربي و هي بنسبة 23.7 % ممن أعمارهم بين 15 سنة و 24 سنة  حسب الجدول التالي :
الدولة    المغرب    الجزائر    تونس    موريتانيا    ليبيا
النسبة حسب البلد    18%    21.5%    29%    50%    /

–    توفير مناصب الشغل للنساء بنصف دوام صباحا أومساءا حسب المقترح التالي:
فعوض تشغيل 100 شاب و 100 شابة بدوام كامل يمكن تشغيل 125 شاب بدوام كامل و 150 شابة بنصف دوام بنفس العدد من الوظائف بشكل ما ارتفع عدد من يشتغلون الى 275 عوض 200 أي ما يقارب الثلث ما فائدة هذا النظام في السلوكيات الاجتماعية
سيكون هنالك متسع للنساء للقيام بأعمالهن المنزلية و تربية الأولاد كما ستتمكن من النشاط في اطار الجمعيات و ضمن المجتمع الجمعوي يمكننا أن نبني مجتمعا قويا سنتمكن من توفير مناصب شغل أكبر للشباب بزيادة تقدر ب 25 بالمئة و رفع نسبة الموظفات من النساء بنسبة 50 بالمئة كما سيحقق هذا الأمر استقرارا أكبر داخل الأسر و سيحقق توزيعا أكبر للثروة.

– انشاء صندوق خاص لتمويل الابداع الفكري في شتى المجالات

– ترقية الموظفين لا تتم حسب السن و انما حسب الاقتراع و تطبيق مبدأ الديموقراطية في جميع السلالم الادارية و على صعيد جميع المسؤوليات و يجرى الانتخاب مرة كل سنة و نصف و لا يحق لأي مسؤول أن يشغل منصبا لأكثر من 3 مرات أي أربع سنوات ونصف السنة.

– الاستثمار في ميدان السكن و الغاء فكرة ملكية أكثر من سكنين في المدن للفرد الواحد على أن يتم تأجير الشقق الجديدة للشباب بسعر رمزي يمكن الدولة  الاستمرار في بناء شقق جديدة ,كما أن قانون التقليص من الملكية في العقار سيجبر أصحاب رؤوس الأموال على الاستثمار في المناطق الريفية من أجل بناء سكنات و استثمار الأموال في مشاريع اقتصادية أهم تعود بالفائدة على المجتمع.

– انشاء قانون يفرض على المؤسسات توظيف الشباب حسب كفاءتهم جنبا الى جنب مع عمالها الذين يشارفون على الاحالة للتقاعد لأجل قدره ثلاث سنوات لجعلهم قادرين على ادارة أمور الشركات بعد احالة مدربيهم على التقاعد كما يتم أخذ نسبة مئوية بسيطة من أجر الموظف لدفعها للشاب كإجراء اجباري علما أن حصول المتقاعدين على منحة التقاعد لا يتم الا من خلال الاشتراكات التي يدفعها الشباب أثناء العمل و هنا سنكرس مفهوم المسؤولية الجماعية كما تدفع الدولة جزءا من أجر الشاب.

يمنع منعا باتا أن يتم توظيف أزيد من ثلاثة أشخاص من عائلة واحدة في مصلحة واحدة.
يفرض فرضا على الشباب العمل في غير مناطق سكناهم لمدة سنة على الأقل لتمكين الشباب من التعارف و توسيع العلاقات الاجتماعية على صعيد الوطن الواحد.

اعطاء الاهتمام للتكوين الحرفي بالدرجة الأولى لأنه أساس المؤسسات الصغيرة.
فرض قوانين خاصة حول أولويات التوظيف حسب الدخل العام للأسرة فلا يعقل أن يتوظف كل أفراد أسرة ما و أن يوظف شخص واحد فقط في الأسرة الأخرى, كما يجب مراعاة جانب السن في التوظيف.

– التركيز على المشاريع الاقتصادية العملاقة التي من آثارها توحيد الأمة و تقوية ثقتها بالدولة و التي تأتي بأثر نفسي قوي على الأفراد.


2- من الجانب الاجتماعي :

– تقوية التبادلات الثقافية بين العائلات في الوطن الواحد و على صعيد الدول المغاربية كما يجب فتح جامعات و ثانويات مغاربية مختلطة في كل دولة من دول المغرب العربي.

– تمويل المهرجانات و التظاهرات العالمية و تفعيل ميكانيزماتها في أوساط المجتمع المغاربي و تخصيص مدن خاصة بالنشاطات الشبابية من رسم و نحت و موسيقى و سينما و شعر و يمكن لهذه المدن أن تتحول الى أقطاب سياحية في المستقبل.
-انشاء مدن مجهزة جديدة لاستقبال الأزواج الجدد و ذلك لتشجيع الاستقرار لدى الشباب في أوطانهم.

– العمل على تهذيب المجتمع الشبابي المغاربي سلوكيا و نفسانيا بفرض قوانينتدمجهفي مختلف النشاطات الاجتماعية لإبعاده قدر المستطاع عن الانحراف.

– فتح فرص العمل بين مختلف الدول المغاربية لتمكينها من الاستفادة من القدرات الشبابية و التجارب الاقتصادية المختلفة لتتمكن من بناء تكاملها الاقتصادي على أكمل وجه.

– تنمية المواهب و دفع الشباب السليم و المعتدل الى الأمام و منحه الثقة لكي يكون قدوة في المجتمع .
اعادة النظر في المقررات الدراسية و أساليب التكوين على مستوى عميق و بدراسة بيداغوجية و اقتصادية و اجتماعية.


3- من الجانب السياسي:

– مما جاء في الانجيل “ما الذي يطلبه الله من الرجال، غير ان يحكموا بالعدل، ويحبوا الرحمة، ويسيروا بتواضع مع الله”اقتبس جورج واشنطن نفس الكلمات في  خطاب استقالته من منصب الرئاسة الأمريكية  ليكرس مفهوم تبادل الأدوار فحقيقة السياسي العظيم ليست بأن يصل الى سلم الحكم و انما بأن يستقيل تاركا وراءه شعبا يريده أن يبقى، فهل سنستعد يوما كشعوب تسكن الشمال الافريقي لأن نتعلم من تجارب غيرنا في المثل الشعبي المحكي في المناطق الشرقية للجزائر نقول: ( كي سيدي كي جوادو كي الأعمى كي قوادو) بما معناه أن المنقاد و القائد من طينة واحدة و انما ما حملني على ذكر هذا المثل هو أمران الأول هو أنه لا يمكننا أن نطالب بما لم نمنح و الثاني و هو التجربة الاجتماعية المحكية في شكل أمثلة شعبية و التي يجب أن توثق فقد صار حريا بنا أن نكتب و أن ندعم الاعلام كسياسة رشيدة للتواصل بيننا  و للتفاهم الأمثل فالسياسة كسلوك فردي أو جماعي ما هي الا انعكاس للمدرسة الاجتماعية التي ينشأ عليها الساسةفحين يستعد المجتمع للتغيير فان الأمة تلد قادتها.

– القضاء و بنص دستوري على الرئاسة لعهدة ثانية و اذا تطلب الأمر بقاء شخصية ما لكفاءتها فإنها تحال الى المجلس الاستشاري لهرم السلطة.

– مشاركة الشباب في القضايا السياسية لأنها أمور تخص مستقبلهم و ذلك بتوسيع التمثيل الشبابي في المجالس المنتخبة بالبلديات و الولايات أو المحافظات.

قائمة المراجع:
1-    قصة تجاربي مع الحقيقة  المهاتما غاندي -دار كلمات عربية
2-    مقال لوليام ألن من مطبوعة وزارة الخارجية الأمريكية بعنوان: “مؤرخون لأميركا”
3-    فكرة الافريقية الأسياوية في ضوء مؤتمر باندونغ
4-    تقارير لهيئة الأمم المتحدة صادرة سنة 2011

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial