اندمجوا أو إرحلوا المهاجرون العرب والمسلمون جزء من مشكلة التمييز والعزلة بقلم د. غسان ابراهيم

يدفع المواطن العربي والمسلم في بلاد المهجر ثمناً مضاعفاً للأعمال الارهابية التي راح ضحيتها المدنيون في الغرب، فقد استهدف الارهابيون (الذين جاؤوا من أصول راديكالية ضمن الجالية المسلمة التي تبرأت منهم ومن أعمالهم التي لا تمثل الاسلام)  المدنيين بشكل عشوائي يجعل كل شخص في الغرب مستهدفا بمن فيهم ابناء الجالية المسلمة نفسها.
وبهذه الصورة اصبح الخطر على المسلم في الغرب ضعفان، فهو مستهدف بالارهاب من جهة، ومن جهة ثانية مستهدف من قبل المجتمع الغربي كونه مسلماً ويؤمن بنفس الدين الذي حاول هؤلاء الارهابيون الاساءة له وتوظيفه بطريقة بعيدة عن معتقدات هذا الدين الطاهر والداعي للرحمة بين كل الناس بغض النظر عن ثقافاتهم وأديانهم.

هذا الواقع جعل المسلم أمام حربين الأولى مواجهة الارهاب، والثانية إظهار حقيقة هذا الدين وتناقضه مع الارهاب وإزالة مخلفات هذه الظاهرة التي صعدت من ظاهرة العنصرية تجاه الانسان الشرقي والمسلم في بلاد المهجر.
وبطبيعة الحال، تعاني الأقليات وخصوصا منها المسلمة أو ذات الأصول الشرقية الكثير من المشاكل في المجتمعات الغربية (بلاد المهجر) وبشكل أكثر تحديداً مشكلة العنصرية التي بدأت تتفاقم بعد أحداث 7/7، أضف إلى أن هذه المشكلة بحد ذاتها لعبت دوراً أساسيا في تفاقم الكراهية ضمن المجتمعات الغربية ضد المهاجرين وساهمت في عزلة هذه الجاليات ووضعها في الخانة الأخيرة من درجات المواطنة كما هو الحال في فرنسا.


ومن جهة أخرى، عمد بعض المهاجرين إلى المبالغة بظاهرة العنصرية وجعلها سببا أساسيا من أسباب معاناتهم وعدم تمكنهم من النجاح وتحقيق أهدافهم ورغباتهم، فيتداول المهاجرون قصصاً أصبحت مقولات شهيرة عن العنصرية في حياتهم اليومية، كأن يقول: “لقد تقدمت إلى عمل ما بخبرة وكفاءة أعلى من كل المتقدمين ورفضوا طلبي للعمل عندما قرأت لجنة التوظيف سيرتي الذاتية فوجدت اسمي محمد أو أحمد.. أو أي اسم يدل على الاسلام”… وقس على ذلك الكثير من هذا النوع من المقولات. لا أحد ينكر وجود العنصرية، ولا أحد يتجاهل معاناة المهاجرين وخصوصا المسلمين، القصة قد تكون صحيحة في حالات قليلة ولكننا كجاليات نضخم الموضوع ونجعله مبرراً لفشلنا، وسبباً لتحميل الآخرين مسؤولية معاناتنا، دون أن نتحمل جزءاً من هذه المشكلة التي أسهمنا في خلقها وتعظيمها بدلا من التفكير في التعاون مع الآخرين لحلها ونضعهم أمام الأمر الواقع بأننا نريد الحل ونريدهم أن يكونوا معنا لحل هذه المشكلة التي تشتت مجتمعات الغرب من جهة وتهدد أمنه من جهة ثانية.


إن ما نعانيه من العنصرية جزء كبير منه لنا دور في خلقه من خلال عدم تقبلنا الاندماج مع الآخر في بلاد المهجر، فساهمت جالياتنا في خلق هذه العنصرية فيما بينها وبين الأقليات الأخرى وفيما بينها وبين مجتمعات بلاد المهجر.


الاندماج الذي نتحدث عنه لا يعني بأي شكل من الأشكال تخلينا عن الهوية والمعتقدات والعقائد والتقاليد وطرق المأكل والملبس والمظهر الخارجي وغيرها من الممارسات التي تعودنا عليها، بل لا يوجد أي تعارض في الحفاظ عليها وإغناء المجتمعات الغربية بطرق وأساليب حياتنا المختلفة عنهم، فاندماج الأقليات له بعد ثقافي وحضاري يغني مجتمعات الغرب بتقاليد وعادات قد تختلف في الشكل إلا أنها تتشابه في مضمونها الانساني.


الاندماج يسهم في نقل صورة حقيقية عن معتقداتنا وأدياننا ويعمل على إصلاح ما أفسده المهاجرون السابقون، فعندما تتعامل بصدق وإخلاص في عملك ضمن المجتمع الغربي كما تتعامل بنفس درجة الصدق مع جاليتك فإن صورة الانسان الشرقي والمسلم في ذهن الانسان الغربي ستتغير ليصبح مقبولا بين الآخرين،  وعندها إذا تقدم محمد أو أحمد للحصول على وظيفة فإن هذه الصورة المشرقة ستجعل أهليته وكفاءته للعمل هي المعيار الوحيد في قبوله أو رفضه.


الاندماج لا يقتصر على بعديه الاجتماعي والاقتصادي فحسب بل بعده السياسي أيضا من مستوى البلديات إلى الحكومة والبرلمان. وغالبا ما تمتلك الأقليات الكثير من الكفاءات رجالا ونساءً ذوي الخبرة والمعرفة غير الموظفة في ميدان السياسة من بابها الواسع، فعدد ممثلي هذه الجاليات في المجالس البلدية دون المستوى اللازم بكثير. والمعروف عن الغرب أنه دولة القانون (وتحديدا في الشؤون الداخلية) فلو ظهرت أي مشكلة أمام الجالية ولتكن العنصرية مثلا، فما على الشخص الذي واجه المشكلة إلا أن يتصل بممثله الذي انتخبه في المجلس البلدي أو البرلمان ليقوم بدوره ويُفعل القانون لحماية الجالية والمجتمع من هذه الآفة، فطالما أننا لسنا ممثلين بالشكل المطلوب (وهنا المشكلة نحن سببها) ستهضم حقوقنا بسبب تقصيرنا لا بسبب أي مؤامرة  نحاول دائما أن نستخدمها لتبرير أخطائنا وللتخلص من مسؤولياتنا تجاه أنفسنا أولا.


الاندماج لا يعني زوال وذوبان الجاليات وتلاشيها في المجتمع بل سيسهم في تطوير وتوظيف الكفاءات المتواجدة ضمن الجالية من خلال الولوج إلى المجتمع والتعلم منه ونقل المعرفة إلى الجالية لتصبح أبواب العمل مفتوحة للجالية في داخلها وخارجها ويسهم في رفع سويتها المادية والمعنوية، لذلك إذا نظرنا إلى الجالية الهندية والباكستانية كمثال، سندرك أن فقر وتخلف الجالية الباكستانية مقارنة بالهندية هو سبب انغلاقها وانفتاح الهنود أكثر في بريطانيا ووصولهم إلى مستويات سياسية ومادية وتجارية أعلى مما أسهم في تحسن مستوى الجالية وانخفض الفقر فيها وارتفعت الطبقة العاملة والمتعلمة بالرغم من أن الجالية الهندية لم تتلاش بل بقيت متكاتفة متواجدة بتقاليدها ومعتقداتها وطرق حياتها، فكل ذلك يعود إلى اندماجها.


وبينما نتهم المجتمع الغربي بالعنصرية ننسى أن الكثير من الجاليات استفادت من تسامح هذا المجتمع في ممارسة معتقداتها بكامل حريتها وبدرجة أعلى من وطنها الأصلي، فما هو متاح للمسلم في بريطانيا قلما يكون متوفراً في الكثير من الدول المسلمة على سبيل المثال.
صحيح أن العنصرية موجودة في الغرب إلا أنها موجودة بدرجات متفاوتة، فلا يمكن أن نقارن الوضع المزري للجاليات في فرنسا مع الوضع المميز للجاليات في بريطانيا.
أضف إلى ذلك، أن العنصرية التي يعاني منها المهاجرون لا تقتصر فقط على الممارسات العنصرية النابعة من المواطن الغربي بل موجودة بين الجاليات نفسها في بلاد المهجر، فبعض الجاهلين من الأتراك قد يمارس عنصريته على الأكراد أو العكس، أو أن تمارس بعض الجاليات ذات الأجيال القديمة في المهجر عنصريتها على الجاليات جديدة العهد وتضطهد أفرادها لأنهم منافسون لهم.


إن جوهر العنصرية نابع من جهل وليس من برامج أو مؤامرات كما يحلو لبعض المهاجرين أن يصوروا أن المسلمين مضطهدون لكونهم مسلمين، بينما المراقب لهذه الاشكالية يدرك تماماً أنها نابعة عن جهلاء وليس لها بعد منظم، فلا يمكن أن تشاهد حالة عنصرية نابعة من انسان مثقف أو انسان متفتح، وخير مثال على ذلك التجربة اليومية التي يمكن أن تراها في الشارع أو المواصلات العامة في لندن على ردة فعل الجمهور على اللباس التقليدي الشرقي، فإذا وجدت شخصاً مرتدياً ثوبا شرقيا أو اسلاميا في لندن فأول وأغلب من ينظر إليه باستهجان واستغراب هم الشرقيون والمسلمون، بينما تجد الانسان الغربي منهمكاً بأمره ومستعجلا إلى عمله لايضره ولا ينفعه ماذا لبست وما هدفك من هذا اللباس ؟.


ومن الامور التي تسهم في تعظيم العنصرية هي الممارسات اللا قانونية والتجاوزات من قبل المهاجرين التي تعطي صورة سيئة عن المجتمع الشرقي والمسلم وتحث الاخرين على كراهية هذا المجتمع، كما أن الكثير من المهاجرين يعمدون إلى عزل أنفسهم وعائلاتهم عن مجتمع المهجر، كما يغذونهم بأفكار الحقد والكراهية والتطرف والخروج عن المجتمع. وفي نهاية المطاف، يتساءلون لماذا يكرهوننا؟ ولا يسألون أنفسهم لماذا يكرهونهم؟


من الارقام الخطيرة عن واقع الجاليات المسلمة في بريطانيا أن نسبة المساجين المسلمين في السجون البريطانية تجاوزت 12% من إجمالي المساجين. قد تبدو هذه النسبة قليلة للوهلة الأولى ولكن عندما نقرأها بشكل احصائي ندرك أنها كارثة حقيقية، فنسبة المسلمين في بريطانيا في حدود 2% تقريبا، فمن الطبيعي أن يكون نسبة المساجين المسلمين بحدود هذه النسبة أي 2% فقط، وعليه فإن نسبة المساجين المسلمين هي ستة أضعاف النسبة الطبيعية، مما يعني أن هذه النسبة تعكس أكبر نسبة مساجين بين كل الاقليات وحتى المواطنين الأصليين.


والعنصر الأكثر رعبا في هذه الأرقام أنها شملت فقط سجناء الجرائم من القتل والسرقة والاغتصاب والاتجار بالمخدرات والاتجار بالبشر وغيرها من المحرمات التي حرمها الاسلام، إلا أن مقترفي هذه الجرائم أباحوا هذه الجرائم بشرط أن يستهدفوا غير المسلمين نظرا لعدم فهمهم قيم الاسلام السمحة التي حرمت كل هذه الجرائم وجعلتها من المحرمات على كل البشر دون استثناء.

القلة التي لا تفهم هذا الدين الحنيف بشكل سليم تسيء لكل الجالية المسلمة التي عرف عنها استقرارها وسلمها لذاتها وللاخرين،  بينما تعمد تلك القلة إلى إعادة تفسير أحكام الدين بصورة مشوهة وبطريقة تتناسب مع ميولهم أو أهدافهم فتلجأ أحيانا إلى  توظيف وتجنيد الضعفاء والجهلاء الذين لا يعلمون الدين بشكله السليم بل حتى لا يعلمون اللغة العربية (لغة القرآن) مما يسهل عليها إعادة شرح معاني هذا الدين الحنيف بصورة مشوهة تبيح المحرمات وتحول الإجرام إلى جهاد والشر إلى خير والمحرم إلى واجب ديني، وغالبا ما يجند هؤلاء المسلمين من أصول غير عربية بشكل خاص (نظرا لعدم قدرتهم على قراءة تعاليم الدين المنزل باللغة العربية).  

ومع قلة هؤلاء المجرمين إلا أن قدرتهم على الاساءة وتشويه صورة المسلمين في الغرب كبيرة بل كارثية لدرجة أن الاعلام الغربي لا يرى من الجالية المسلمة إلا هؤلاء، فمن باب النقد الذاتي وجب علينا أن نعترف بأخطائنا والممارسات المشوهة التي ساهمت في تكريس العنصرية ضد المسلمين والعرب قبل أن نتهم الآخرين بها. وبعد أن نحدد ما علينا يمكننا أن نطالب بما لنا، فإذا لم نشر إلى مصدر العلة في جالياتنا ونعمل على معالجتها والحد من مشاكلنا وأزماتنا الداخلية فلا يجب أن نتوقع أن يساعدنا الآخرون أو يكفوا عنا عنصريتهم وكراهيتهم التي لا تميز بين الصالح والطالح.

فلنكن صادقين مع أنفسنا ولنكف عن تحميل الآخرين أسباب مشاكلنا ولنبدأ العمل من باب الانفتاح على الآخر وتقديم صورة مشرفة عن أصولنا ومعتقداتنا مع تقبل الآخرين بألوانهم واشكالهم وملابسهم ومعتقداتهم ما توافق منها معنا أو اختلف،  ولنقل لأنفسنا: أمامنا خياران إما أن نندمج ونعيد لجالتنا صورتها المشرقة أو لنرحل فنريح ونستريح.

———————————-
غسان إبراهيم مدير تحرير جريدة “العرب الاسبوعي”

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial