كلمة ترحيب المؤسسة

Deutsch

منح جائزة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر عام 2010 لموقع “الحوار المتمدن” في 26 نوفمبر 2010 في متحف الفنون الاسلامية، برلين

كلمة نائب جامعة برلين الحرة، أ. د. كريستوف فولف، نيابة عن كريستينا ميركل، اللجنة الألمانية لليونيسكو

أحيك أيها الفائز، أحييك سيد عقراوي (مؤسس ومنسق الموقع) بالنيابة عن زميلاتك زملاؤك ال 15000 غير الحاضرين معنا)،
أعزائي اعضاء مؤسسة ابن رشد للفكر الحر المقيمون هنا و الذين في الخارج،
عزيزي السيد بشناق-يوستنغ (رئيس مؤسسة ابن رشد للفكر الحر)،
السيد العزيز د. حروب (مدير مشروع الاعلام العربي في كامبريدج، وصاحب كلمة التكريم)،
السيد العزيز د. فيبر (مدير متحف الفنون الاسلامية)،
السيدات والسادة، الزملاء الكرام،
يسعدني اليوم أن أرحب بكم نيابة عن المنظمة الالمانية لليونيسكو بمناسبة منح مؤسسة ابن رشد جائزتها السنوية للفكر الحر لهذا العام. هذه مبادرة خاصة غير حزبية رائعة، التي تقومون من خلالها بتقدير أصحاب المساهمات في مجال حرية الرأي والديمقراطية في العالم الإسلامي هي إسهام بارز في صلب اهتمامات اليونيسكو الاساسية في مجال حرية تبادل الأفكار والآراء. نحن نأمل بأن ينتشر هذا النموذج ويكون بإمكاننا أن نشهد نشوء مثيل له في بلدان ومناطق أخرى من العالم.
السلام لابد ان يكون ثابتاً وراسياً في تفكير البشر، وهذا أساس معرفي منذ ما قبل الستين سنة الماضية. ويأخذ هذا الهدف اهميته والحاحيته القصوى كل يوم في ظل الظروف الحالية للعيش المشترك. مع الاسم الراعي لهذه الجائزة، الفيلسوف، الطبيب والقاضي المولود في قرطبة الاسبانية، المتوفي في مراكش بشمال افريقيا، الذي مكننا نحن اليوم من خلال التفكير النقدي الذي تعود تقاليده الى ما قبل 800 سنة، واستطاع ان يخلق معادلة الحوار النقدي بين التصوف والمنطق واللاهوت، الذي ربما شهد نشأته بهذا الشكل فقط في محيط البحر الأبيض المتوسط، الغني بتعدد اللغات وتنوع أواصره.

قراركم بمنح جائزة ابن رشد عام 2010 لوسائل اعلام اجتماعية جديدة لاقى اهتماماً خاصاً منا. شكلت منتديات الانترنت والمواقع اليومية في السنوات العشر الأخيرة ، ومن بينها موقع الحوار المتمدن المميز، شكلا افتراضياً جديداً لركن المتحدثين المشهور في منتزه هايد بارك في لندن، مكان لحرية التعبير، لصناعة الرأي وللتبادل بلا قيود. إن الموقع الانكليزي للحوار المتمدن، والذي تمكنا من مشاهدته، يحتوي على مجموعة واسعة من المواضيع في الأدب والشعر والفن، حول حقوق المواطن والمرأة، التعليم العالي والاحتجاجات الطلابية، مواضيع ترتبط بمسائل الحياة الشخصية في علاقات الشراكة والاسرة، وتصل الى جدل في الميادين العلمية حول المسائل الجوهرية في وقتنا الراهن مثل قضايا الحرب والسلم، العنف والارهاب. باحثات وباحثون معروفون يكتبون ايضاً على صفحات الموقع تماماً كما يكتب ناشرون وناشطون معاصرون.
يهتم اليونيسكو خاصة بعد الملتقى العالمي حول عالم المعلومات 2003-2004 ويواصل اهتمامه في مواضيع التنوع اللغوي، حرية التعبير، وحوكمة الانترنت (نظام عمل الإنترنت)، في تعاون وثيق مع الائتلاف العالمي للصحفيين و جمعيات حقوق الانسان (المنتدى العالمي لحرية التبادل IFEX).

يقوم المنتدى العالمي لتنظيم قواعد عمل الإنترنت بعقد لقاءات سنوية، وقد التئم عقده عام 2009 في شرم الشيخ، وعام 2010 عقد في فيلنيوس في ليتوانيا. نقاشات مكثفة دارت في السنتين الاخيرتين بشكل خاص حول الامكانيات التفاعلية للاتصالات، من الكثيرين ومع الكثيرين. وقد أصبح معروفاً بأن حرية دخول منتديات ومواقع الانترنت في كثير من البلدان غير متوفرة، كما ويخضع المؤسسون والكتاب للمراقبة وبعضهم يتعرض للملاحقة. في الوقت ذاته يستخدم كثير من النشطاء الشجعان الفرص الجديد للاتصالات حتى في ظل هذه الظروف، مثل التواصل مع الرأي العام العالمي سواء بمواكبة الانتخابات الأخيرة في ايران أو عبر تحركات الفنان الصيني أي فاي في ((Ai Wei Wie، وعلى سبيل المثال ما يمكن ان نتعلم من دعوته “لحفلة السرطان النهري” „Flusskrebsparty“ التي لفت بها الانظار بمناسبة تقديم جائزة نوبل للسلام هذا العام. 

هل كان الفيلسوف ابن رشد في مثل هذه الشروط سيقدم آراءه عن طريق المواقع الحوارية، نحن بالطبع لا نعرف. ولكنا شغوفون لمعرفة ما يفكر به ما بين 300 الى 500 مليون مستخدم لموقع الحوار المتمدن، الأفكار التي تشغلهم حول التعايش المشترك في القرن الواحد والعشرين، وأي فكرة عن السعادة وعن  التحدي الكبير المتمثل في التنمية المستدامة تحركهم. الأمر الذي يحتاج إلى  فرص تتيح المجال للحوار الشخصي المتنوع والمباشر يكون أبعد تاثيراً من تبادل الافكار إلكترونياً.

أن تلبيتنا لدعوة اليوم ولإلقاء كلمة ترحيبية يعود بشكل خاص لسببين: إذ ترتبط المنظمة الألمانية لليونيسكو بعلاقة طويلة الأمد مع جائزة ابن رشد. في احتفال تقديم الجائزة الأولى عام 1999 في بيت ثقافات العالم في برلين تجاورنا يومها وكما يقال الباب بملاصقة الباب، حيث قمنا بتنظيم اجتماع دولي يتناول معاصرة أفكار ابن رشد لحوار الحضارات في وقتنا الراهن. الصدفة والحظ ! إن الاستمرار بهذا الجهد التطوعي على مر كل هذه السنوات وبهذه الانتاجية العالية يستحق تقديرنا واحترامنا. في هذا المكان المضيف لحفل جائزة عام 2010، يربطنا حالياً تعاون وثيق مع هذا المتحف الرائع للفنون الاسلامية، وفي هذا السياق سيقدم معرض “احذر، زجاج!” للفنون المعرضة للكسر (الهشة) من قبل 1300 عام. حرية الرأي والتفكير الحر- الفن المعرض للكسر (الهش) في القرن الواحد والعشرين، ربما يلخص هذا التكوين الحال بشكل افضل.
نقدم تهانينا للسيد عقراوي والمساهمين الكثر بنيلهم جائزة هذا العام، وللجنة التحكيم وكل المبادرين الذين واكبوا بعملهم المهم لهم منا تعاطفنا المستمر ودعمنا المعنوي.

كلمة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر في حفل تكريم موقع “الحوار المتمدن” الفائز بجائزة ابن رشد للفكر الحر عام 2010 (26 نوفمبر 2010)

كورا يوستينج

سيداتي وسادتي المحترمون، ضيوفنا الأعزاء، القادمون من قريب أو بعيد، أصدقاؤنا الأعزاء
داعمو مؤسسة ابن رشد، أعضاء المؤسسة الأعزاء،
إنه ليسعدني اليوم أن أحييكم جميعاً وأرحب بكم باسم مؤسسة ابن رشد للفكر الحر في احتفالية منح جائزة
ابن رشد للفكر الحر لعام 2010.

  • ترحيبي الخاص للسيد رزكار عقراوي، المؤسس والمنسق العام لموقع “الحوار المتمدن” الالكتروني  والذي حضر خصيصاً ليتسلم الجائزة ممثلاً عن فريق وهيئة إدارة الموقع الذين ساهموا بوصول الموقع إلى  ما هو عليه الآن.
  • ترحيبي الخاص أيضا للمتحدثين مساء هذا اليوم، أقدم شكري للسيدة كرستينا ميركل من المنظمة الألمانية لليونيسكو لكلمتها الترحيبية وكذلك البروفيسور الدكتور كريستوف فولف من جامعة برلين الحرة الذي سيلقي بكلمة بالنيابة عنها.
  • كذلك يسعدني بالذات أن أرحب بصاحب كلمة التكريم لهذه السنة الدكتور خالد حروب مدير المشروع العربي للإعلام في جامعة كامبريدج، الذي قدم خصّيصا لحضور احتفال هذا المساء بعد أن أجّل مشاركته في ورشة عمل في رام الله بسبب هذه الأمسية، و بهذه المناسبة أقدم شكري للجهة المنظمة لورشة العمل هذه وللمشاركين فيها لتفهمهم لمشاركته في أحتفالنا.
  • وقد كان الدكتور خالد حروب عضواً في لجنة التحكيم هذه السنة والتي بالعادة تتألف في كل سنة من خبراء في مجال موضوع الجائزة. تألفت لجنة تحكيم هذا العام من الدكتور حروب ومن كل من السيدة نزيهة رجيبه (صحفية وناشطة حقوقية، تونس)، السيده إيمان النفجان (مدونه، المملكة العربية السعودية)، وكذلك السيد أحمد عاشور (المشرف على منتدى الجزيرة توك، قطر). بذلوا جميعهم خبرتهم ووقتهم لاختيار الفائز من ضمن لائحة ضمت 13 اسم مُرشح للجائزة من سبع دول عربية. نشكرهم على جهدهم جزيل الشكر.  

كما يشرفنا ويسعدنا أن نعمل عملاً مشتركاً مع متحف الفنون الإسلامية في برلين، لأول مرة في هذه السنة وبهذا المساء، لذا أقدم شكري للدكتور شتيفان فيبر مدير المتحف الذي قبل بكل رحابة صدر طلبنا. أشكره على سعيه لجعل أبواب المتحف منفتحا  لا للثقافة الإسلامية والعربية القديمة فحسب، بل للثقافة العربية المعاصرة أيضا فيحيا فيه القديم والجديد بشكل ملموس.
وكذلك أشكر من صميم قلبي جميع العاملين في المتحف سواءً في المجال التقني أو التنظيم، خصوصاً السيدة كريستا كينأبفل لعملها المنسق المحترف والمسهل في جميع الميادين خلال تحضير هذا الحفل.
يجتمع هنا في هذا اليوم جمهور متنوع من الخبيرات والخبراء في مجالاتهم الخاصة من العرب وغير العرب، من المهاجرين وغير المهاجرين، وممن ينحدر من ثقافة واحدة أو عدة ثقافات، الكل هنا مجتمع على شيء واحد وهو الاهتمام بالفكر الحر. إنه لأمر رائع بأن يجتمع هذا العدد الغفير حول هذا الموضوع .
“إنما الأفكار الحرة” –  هذا ما قاله “هاينرش هاينه” الذي وقف في بلده ضد منع الأفكار الحرة، ومن أجل هذا المبدأ غادر بلده مضطراً. واليوم بلده هذا بعينة (أو بالأحرى ألمانيا الاتحادية التي أسست من بعده) تستضيف أفراداً اضطروا أن يتركوا بلادهم أيضا واللجوء إليه بسبب أفكارهم. هذا ما يدعو للسعادة ولا بد أن نحافظ لهذا البلد على انفتاحة الفكري واستعداده لدعم هؤلاء المفكرين الأحرار هنا والأحرار أينما يكونون، لذا لا يمكن الإستهانة بقيمة هذا الانفتاح الفكري الذي يعتبر إنجازاً مهماً جداً، خاصة في زمن الأزمات والتحولات العالمية السريعة.
إن قيم الانفتاح والحق بحرية التعبير وحرية الفكر هي القيم التي حرصت مؤسسة ابن رشد للفكر الحر منذ تأسيسها عام 1998 على دعمها وتشجيعها في العالم العربي من خلال تقديم جائزتها سنويا للأشخاص والمؤسسات الذين يمثّلون الفكر الحرّ و يروّجونه. هذه الجائزة هي في الدرجة الأولى إعتراف بإنجازات شخصيات أو مؤسسات تعمل في ميادين الفكر الحر في العالم العربي. هذا ينطبق أيضاً على جائزة هذا العام التي خصصت لأفضل منتدى إلكتروني يشجع حرية التعبير وتوسيع النقاش المفتوح عبر شبكة الإنترنت لإثراء النقاشات العامة حول القضايا الاجتماعية والسياسية والذي حظي بها موقع الحوار المتمدن.

هذا الموقع يسمي نفسه بالحوار المتمدن، لكن ماذا يعني الحوار المتمدن؟ كلمة المتمدن مستنبطة من نفس مصدر كلمة “المدينة”، شُرح لي أن عليك أن تتخيلي شخص ينتقل من الريف الى المدينة فتتغير بالنسبة له كل أمور حياته مما يصعب عليه الرجوع إلى التصورات القديمة، وإلى القواعد التي أوجدت لظروف وأماكن أخرى فلم يعد لها قيمة الآن، فلا مجال لهذا الشخص سوى البحث من حوله والسؤال: أين أنا الآن؟ ماذا سيصنع المكان والظرف الجديد بي ؟ فجأة يدير ظهره عن تلك التصورات والقواعد الموروثة ويبدأ التفكير المستقل ويدخل في حوار مع العالم الذي يحاول أن يفهمه ويفسره للآخرين، وهذه عملية جديرة بأن يتبعها كل شخص كقاعدة، ليس في المدينة فحسب بل في أماكن أخرى أيضا.
“الحوار المتمدن” ترجمتها باللغة الإنجليزية civilized dialogue، فالمتمدن هنا شيء ايجابي يحبذ الوصول إليه، شيء يجب البحث عنه باستمرار وإختراعه من جديد، وليس شيء نملكه ولا يتغير، لأنه سيبقى كما كان دائماً وأبداً، وهو ما تدعيه الجهة المعاكسة بمفهوم “Clash of civilization” المتداول بكثرة، أما “صراع الحضارات”، وهي ترجمتها، فلا يمكن فعلاً أن يكون لأن الحضارات إن تصارعت وحاربت بعضها فهي ليست بالمتمدنة والمتحضرة وهذا غير منطقي/تعارض بالأسم.
إن أي مبادرة تعتبر أن التمدن قيمته في حد ذاته هو الحوار المهذب وتبادل الآراء حتى المتناقضة منها لجديرة بأن تنال جائزة إبن رشد لعام 2010. أما الكلمة التكريمية الأساسية، فسيلقيها الدكتور خالد حروب أفسح المجال له لتقديم الفائز إليكم بعد سماع المقطوعة الموسيقية.
كون جائزة ابن رشد للفكر الحر تمنح في بلد الشاعر الألماني “هاينه” من قبل أشخاص من أصول مختلفة من البلاد العربية ومن قبل ألمان لهم صلة بالعالم العربي وكذلك من قبل أعضاء المؤسسة المنتشرين في كل أنحاء العالم… كون ذلك يدل على أن هذا تحولٌ في ذاته فيه أمل: فالمعروف أن سر الاستقرار هو التغير، أعني استقرار وجود التفكير الحر في كل مكان وهنا أيضاً.
منذ أثني عشر عاما تمنح مؤسسة إبن رشد جائزتها للفكر الحر في العالم العربي، لقد أسسنا هذه المؤسسة بمناسبة ذكرى الثمانمئة عام على وفاة إبن رشد وجعلنا من هذه الذكرى نقطة لانطلاق مبادرتنا. إثنا عشر جائزة، هذا العدد متواضع إلا أننا نعتبره مرحلتنا الأولى في دعمنا للفكر الحر. لقد تعمّدنا في قرارنا بمنح الجائزة الثانية عشرة لجيل الشباب الذي ما يزال في طريق كفاحة من أجل الفكر الحر ولم ينته منه بعد، الجيل الذي هو بأمس الحاجة إلى دعمنا.  
سيداتي و سادتي المحترمون، داعمو مؤسسة ابن رشد الأعزاء، أعضاء المؤسسة الأعزاء، هكذا بدأت حديثي وأقول نحن أيضا في مؤسسة إبن رشد للفكر الحر نحتاج دعمكم ومساندتكم لعملنا، لقد رحبت بكم بـ “سيداتي و سادتي”، لكنني أتمنى أن أرحب بكم في العام القادم بـ “داعمي المؤسسة”، لأن مؤسسة ابن رشد لا يمكنها الاستمرار حتى الأثني عشر عاماً القادمة في دعم الفكر الحر في العالم العربي إلا بدعمكم ومساندتكم.

اسمحوا لي الآن أن أقدم لكم سيف كرّومي الذي سيعزف لنا على آلة العود مقتطفات من ألحان موسيقية جديدة من تأليفه.

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial