بيان صادر عن مؤسسة ابن رشد للفكر الحر تضامناً مع د. عزمي بشارة واستنكاراً لحملة التشويه والتحريض ضده

يتعرض السياسي والمفكر الفلسطيني د. عزمي بشارة – الحائز على جائزة ابن رشد للفكر الحر لعملة البرلماني الديمقراطي – لحملة تحريض رسمية شاملة ومعلنة من جهاز الدولة الإسرائيلية تهدف إلى استنزافه وتصفيته وتصفية التيار المؤيد والمُناصر لمواقفه. يهاجمونه بانتقائية استفزازية منذ 1996 دون إنصاف أو ندية بنِية إسقاط هذا المفكر الديمقراطي والممثل لجمهور واسع في البرلمان. تعلن مؤسسة ابن رشد للفكر الحر عن تضامنها مع د. عزمي بشارة، و تعبّر عن قلقها العميق على سلامته وسلامة الفلسطينيين والإسرائيليين، على حدٍّ سواء، فهذا النهج في التعامل معه ومع أمثاله يهدد هدم ما تحقق حتى الآن من عرض لمشروع حضاري بنّاء. إننا نُعبر أيضا عن رفضنا الكامل وإدانتنا لهذه الحملة الشرسة.

تعرّض د. عزمي بشارة ومنذ عام 2000 لشتى التهم التي يجري تبريرها حسب القانون الإسرائيلي، وكانت تنتهي بدون إدانة قضائية، ليعود ويُتّهم بتهم جديدة سُنّت خصيصا لهذا الغرض. الظاهر بأن هذه الإجراءات القضائية مدفوعة سياسيا نظرا لتوقيتها المشبوه وتزامنها مع التشهير في البرلمان والإعلام بغية تشويه صورته، ولحرف الأنظار عن فِكره الحر ومستحقات التفاعل معه، ولترك الانطباع بأن الضرورة تتطلب من “الدولة اليهودية والديمقراطية” الدفاع عن نفسها ضد من يسمونهم “أعداء الديمقراطية” و”المحرضين على العنف”. على ما يبدو فقد اختارت دولة إسرائيل مُجددا الاستمرار على طريقة الغاية تبرر الوسيلة وقررت ملاحقة د. عزمي بشارة شخصيا هذه المرة، حيث بادرت الصحافة الإسرائيلية وغيرها أثناء وجوده خارج البلاد مع أسرته في عطلة الربيع إلى تداول الإشاعات عنه والتحريض المطوّل ضده وصلت إلى حد نشر صور شخصية لأسرته وتفاصيل عن مكان سكناه.

لقد نظَّر وأرسى د. عزمي بشارة بخطابه وكتاباته فكرًا لتنظيم الدولة الذي يلقى تجاوبا وإعجابا واسعا، عربيا وعالميًا. يصلح فيما وراء مقارعة السلطات والمجابهة الكلامية كحل للصراع التاريخي بشكل حضاري وديمقراطي. أسس د. عزمي بشارة ورفاق دربه بشكل سلمي مشروعا وطنيا يشمل تمثيلا برلمانيا وضع نُصب عينيه حلاًّ لشكل ومضمون الدولة بكونها يجب أن تكون دولة جميع المواطنين. وأجادوا العمل السياسي الديمقراطي البنّاء وفي ظروف “الحريات الديمقراطية” الضيقة المُتاحة في دولة إسرائيل التي ما انفكت الآن أكثر ضيقا على المدنيين، “مواطنيها” الفلسطينيين عامة، معتبرة إياهم خطرا إستراتيجيا أمنيا، أُسوة بتهديد عسكري. نما هذا المشروع ولاقى التأييد والدعم الداخلي وذلك رغم الاستهداف غير المنقطع لمشروعهم، وبالأخص من المؤسسة الرسمية وأذرعها الأمنية بتخطيطها مقاطعتهم إعلاميا ومحاولة تشويه صورتهم ومصداقيتهم داخليا وحجبهما خارجيا.

 تبنت الدولة توصية جهاز الأمن على سبيل المثال باعتبار الوثائق التي صدرت مؤخرًا عن هيئات ومؤسسات فلسطينية في الداخل كمؤسسة “عدالة”، وجمعية “مساواة” لحقوق الإنسان و”لجنة المتابعة العربية العليا” بمثابة “خطر استراتيجي” على أمنها ووجودها في الأمد البعيد، وتتجنّد لمواجهة هذا التهديد المُتخيل ولا تعتبره جزءا من حق المواطنين العرب الشرعي في العمل بالوسائل القانونية لغرض تحسين وضعهم في دولة إسرائيل بل تراه تطورا “خطيرا جدا”. وضمّت في حملتها وسائل الإعلام الإسرائيلية وغيرها ضد “عزمي بشارة الظاهرة”، الذي يمثل ولا يختزل بشخصه العلاقة المتوترة بين الدولة و”مواطنيها” الفلسطينيين وهو ليس أول المستهدفين بل عنوانها الأبرز.

إذا كان الطرح العقلاني لإصلاح الدولة وتغييرها من “الديمقراطية اليهودية” إلى الدولة “الديمقراطية لجميع مواطنيها” كما يقترح د. عزمي بشارة يستدعي رد فعل كهذا من إسرائيل فلا مجال غير تفسير هذا التحريض والتهديد على أنه تعبير عن ضعف وإفلاس فكري ومؤشر لرفض قبول ومناقشة رأي مخالف. إن اعتبار الدولة حقّ استثنائي لليهود فقط – مواطنين كانوا أم لا في دولة إسرائيل – هو المصدر الأساسي لكل ما ينبثق عنها من قمع ومظالم ممنهجة ضد الفلسطينيين في وطنهم واستثنائهم من المشاركة في صنع القرار.

يتضح تاريخيا، وبشكل لا يقبل التأويل، أن الفلسطينيين – سواء فعلوا أم لم يفعلوا – سيُعاملون كأعداء ومصدر خطر دائم، ربما لمجرد أنهم غير يهود بالولادة أو صهاينة أيديولوجيا. لذا يخطئ من يظن بأن السبب الرئيسي للاستهداف السلطوي للمواطنين الفلسطينيين فقط لأنهم أفصحوا وحملوا لواء القومية أو الإسلامية أو غيرها، بل لأن كل من يرفض الوصاية وينتظم بندية ويريد الحياة الحُرّة والكريمة هو “متطرف” أو “عدو اليهود” بأعينهم وبغض النظر عن أي قاعدة فكرية يحملها أو في أي واقع جامع. حاول الفلسطينيّون في إسرائيل سابقا العمل السياسي ضمن إطار القانون المتاح دون المس بمسألة “يهودية الدولة” أو “دولة اليهود” لتحسين واقعهم اليومي كمواطنين ولكن هذه الخبرات لم تخفف من التمييز الرسمي ضدهم من قبل الدولة السيادية وبالذات على الصعيد الجمعيّ.

تدمج مؤسسات الدولة الإسرائيلية ما بين تذرير الأقلية الفلسطينية بعزل وتشويه روابطها التاريخية والحضارية بسياسة هُويات قصريّة وانتماءات جماعية معزولة، وتقزيم الحريات الفردية جسدًا وفكرًا وأخلاقًا في إطار منظومة سياسية ثابتة بغاياتها ومتعددة بوسائلها. هذا التفتيت والانحلال بالقوة يسهّل عليها الاستفراد بالبقية المتبقية في وطنها واحتواء تنظيماتهم وتدجينهم في “تعايش سِلمي” بعيدا عن انتمائهم، ليتحولوا في نهاية تطبيق المشروع إلى غرباء عن أنفسهم وعن أوطانهم لا يحملون هويتهم الأصلية.

إنها برأينا عوارض أزمة بنيوية صهيونية الجوهر في الثقافة الإسرائيلية لكونها اقصائية محض تعتمد في الأساس على دورة عنصرية مغلقة منتجة لذاتها، محاورها التخويف داخليا من الآخر والترهيب خارجيا ضد الغريب. هذه الدورة الصماء تستهلك ذاتها ومحيطها، وإن “تطورت” فهي كالسرطان في الجسم تستهلكه إلى غير رجعة. ربما يُسخَّر عامل الخوف والاضطهاد أداتياً لانبثاق أمّة أو لتنظيم شعب ما بمراحل الإنشاء الأولى ولكنه إن بقي الدافع الأساسي سرعان ما يتحول إلى عامل ضعف مُعيق للذات أوّلا وللآخر أيضا.

المفروض من الفكر الصهيوني الإقصائي “لغير العنصر اليهودي” أن يراجع أسسه في هذا المجال المتاح والذي دائما ما كان يتنكر لحقوق السكان الأصليين أو ينكر وجودهم وإلى يومنا هذا دون انقطاع.

                                                                                       برلين،21/04/2007

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial