إشكاليات الهجرة في إطار الشراكة الأورو – متوسطية (*)

الدكتور عبدالله تركماني

إنّ الهجرة مشكلة من جهة، وفرصة من جهة أخرى، وهي تشكل ظاهرة مجتمعية في البلدان المتوسطية ورهانا رئيسيا في العلاقات بين ضفتيه. ففي إطار دولي يتسم بالشك وتشنج الهويات لابد لأوروبا من التوجه نحو جيرانها في حوض المتوسط، لأنّ تسارع الأحداث يظهر دوما أنّ مصير أوروبا لا ينفصل عن مصير جيرانها في الجنوب، فضلا عن أنّ التعاون الأورو – متوسطي يمثل مشروعا يحمل في ثناياه رؤية بعيدة المدى تزيد متانة التضامن.

الهجرة ظاهرة تاريخية ساهمت في إعمار الأرض، وهي تلعب دورا هاما في تلاقي مجموعات بشرية متنوعة الثقافات، مما يسمح بالتلاقح الثقافي وببناء حضارة إنسانية مشتركة. ولا يقلل من هذا الطموح كون الهجرة في المرحلة التاريخية المعاصرة ذات اتجاه واحد، بسبب الأوضاع السيئة في مناطق كثيرة من الدول النامية، ولانعدام التوازن في العالم. في هذا الإطار تفاقمت مشكلة الهجرة وخاصة من الشمال الأفريقي بوابة الجنوب الفقير إلى أوروبا غير الراغبة في استقبال المزيد من المهاجرين، بعد أن كانت في حاجة ماسة إلى اليد العاملة المهاجرة لإعادة إعمارها بعد الحرب العالمية الثانية.

وإذا كانت بلدان المنطقة الأورو – متوسطية تتقاسم طموح تحويلها إلى فضاء للسلم والاستقرار والرخاء المشترك والحوار بين الثقافات، فإنّ هذا الطموح يصطدم بالعديد من العراقيل. ذلك أنه إذا كانت المنطقة، لمدة قرون، منطقة مواجهة أكثر منها منطقة تعاون، فإنّ ذلك لم ينفِ التلاقح الثقافي الذي جعل منها مهد حضارات وثقافات وإنتاج فكري بامتياز.
وفي القرن الواحد والعشرين، يبدو أنّ الظروف اجتمعت لتحويل المواجهة إلى تعاون من أجل التقدم والتنمية. مما يستوجب استقطاب وتحفيز مبادرات ومقاربات أورو – متوسطية تعطي الأولوية للفاعلية والتشاور بين البلدان المصدرة للهجرة وبلدان العبور والبلدان المستقبلة.

لقد أصبح موضوع الهجرة في العقود الأخيرة يحظى بأهمية كبرى ضمن مختلف الدراسات الأكاديمية واللقاءات الدولية، ويشكل محورا أساسيا للعديد من الاتفاقيات الثنائية والجماعية بين الدول، وقد أسهمت في ذلك التحولات الدولية المتسارعة المرتبطة بعولمة الاقتصاد والسياسة والثقافة والقيم.

فكيف نقرأ هذه الظاهرة في إطار الشراكة الأورو – متوسطية ؟ وكيف نعيد تفكيك عناصرها ؟ وكيف نفهم أسئلتها المتعددة و المتشابكة ؟

سوسيولوجيا الهجرة والاندماج الاجتماعي

إنّ عملية إقامة المهاجرين واندماجهم الاجتماعي والسياسي لا تناظر أي نموذج وحيد صالح في كل زمان، بل هناك صيغ متنوعة على قاعدة التبدلات التاريخية التي شهدها العالم منذ بدايات تسعينيات القرن العشرين، الأمر الذي يستدعى بالتالي أجوبة مغايرة. إذ تؤكد التحليلات المعمقة، بالاعتماد على النقاشات الدائرة في إطار ” سوسيولوجيا الهجرة “، بأنّ العالم قد دخل – أكثر من أي وقت مضى – في عصر الهجرات الدولية، حيث أنّ العولمة  بمثابة ” سبب ” و ” نتيجة ” لهذه الهجرات.

والإشكالية تُطرح عندما يتعلق الأمر بكتل بشرية كثيفة تملأ الفضاء الأوروبي، وتصبح مطالبة بحقها في الاختلاف الثقافي، الذي ينعكس في الملبس والمأكل والعادات وإقامة مراكز العبادة، أي حينما يتعلق الأمر بالمظهر الخارجي لوجود التنوع الثقافي المقبول نظريا، ولكنه يستقطب الانتباه بل يحث على التحرك المضاد، على حساب القيم الديمقراطية المعمول بها في أوروبا.

إنّ الأمر يتطلب نشوء ثقافة جديدة، تقبل الأجنبي المستقر، لتحل محل ثقافة البلد ذي اللسان الواحد، والدين الواحد، واللون الواحد، أي ” المواطنة الثقافية “. وتطرح الهجرة على الدول الأوربية، عموما، أن تستعد لتقبل أمر واقع، يتمثل في التعدد الأثني والثقافي، لكن المسألة لا تتم بيسر. بالرغم مما يمكن لخليط واعٍ يجمع بين الثروة والتقنية، اللتين توفرهما أوروبا، والقوى البشرية لدى الجنوب أن يجعل من الإقليم الأورو – متوسطي الاقتصاد الأكبر والأكثر ازدهارا في العالم. أما حصر دول أوروبا في إطار مساحتها الجغرافية فقط، قد يؤدي إلى ما يصفه خبراء السكان بـ ” الانفجار الغامض “. وفي الوقت نفسه فإنّ المناطق الجنوبية والشرقية من حوض البحر الأبيض المتوسط ستظل فقيرة تحمل في أحشائها قنبلة سكانية موقوته تهدد بالانفجار.

إنّ ” المواطنة الثقافية ” تعني حق الجماعات الفرعية والأقليات في الاحتفاظ بهويتها الثقافية الخاصة حتى لا يتم احتواؤها ودمجها قسرا في الثقافة العامة الرسمية السائدة في المجتمع، بشرط ألا يترتب على ذلك عدم المشاركة بشكل إيجابي وفعال في مختلف أنشطة الحياة والالتزام التام بالقوانين والقواعد الأساسية المنظمة للحياة العامة في الدولة. والمهم هنا، فيما يتعلق بـ ” المواطنة الثقافية “، هو أنّ الاعتراف بهذا التميّز الثقافي وقبوله واحترامه قد يكون عاملا مؤثرا في إثراء الثقافة الوطنية، كما قد يحل كثيرا من المشكلات الاجتماعية التي تعانيها المجتمعات الأوروبية من الأعداد المتزايدة التي تفد إليها من الخارج والتي تنتمي إلى ثقافات مختلفة تريد الاحتفاظ بها إلى جانب تمتعها بحقوق والتزامات المواطنة السياسية.

الهجرة غير القانونية

تُعد الهجرة غير القانونية مشكلة حقيقية، وتحتاج دول الشراكة الأورو – متوسطية، من جهة، إلى المزيد من التعاون في جهودها لوقف تلك الهجرة، لاسيما في اتخاذ إجراءات صارمة ضد المهربين والمتاجرين حيث تقوم شبكات الجريمة المنظمة باستغلال الضعفاء، وتخريب سيادة القانون. ومن جهة أخرى، إلى حماية المهاجرين ومعاملتهم طبقا للقانون الدولي الإنساني.

لقد امتدت الحدود الأمنية للاتحاد الأوروبي من سواحل الضفة الشمالية لحوض البحر الأبيض المتوسط نحو عمق صحاري البلدان المغاربية، إذ انفجرت في وجه أوروبا خلال العام 2005 أزمة الهجرة غير الشرعية وما واكبها من مأساة إنسانية في مدينتي سبتة ومليلية بشمال المغرب، حين قُتل أحد عشر مهاجرا برصاص قوات الأمن الأسبانية خلال عمليات تسلل جماعية ليلية.

إنّ الهجرة السرية صارت اليوم من أكثر الأسئلة في المشهد الأورو – متوسطي، كما أنها تعد السؤال الأكثر إرباكا للحسابات السياسية في ضفتي المتوسط، فما من لقاء حكومي أو غير حكومي بين الضفتين إلا وتلقي الهجرة السرية بظلالها عليه، وفي ذلك مؤشر مباشر على حساسية الموضوع وقوته الرمزية والمادية في صياغة السياسات المستقبلية وبناء العلاقات الثنائية.

أسباب الهجرة

إن جوهر المشكل يكمن، بالأساس، في الهوة الكبرى بين ضفتي المتوسط. حيث تستقطب أوروبا الموحدة أفواج المهاجرين، ليس فقط من بلدان جنوب وشرق المتوسط ولكن من أفريقيا والشرق الأوسط حيث تعتبر بلدان الشمال قوة جذب موضوعية، وحيث مداخيل العمل أضعاف نظيراتها في الضفة الجنوبية. وفضلا عن ذلك، فإنّ في بلدان الشمال طلبا متزايدا على اليد العاملة السرية، حيث يفضل العديد من المشتغلين في القطاع الخاص الأوروبي قوة اليد العاملة المهاجرة بطرق غير قانونية لأنها أرخص وغير مكلفة فيما يتعلق بالضمانات الاجتماعية.

وفي الواقع، تعود أسباب هذه الهجرات الجماعية غير القانونية إلى مجموعة أسباب، من أهمها:

(1) – يجدر بنا أن نضع القضية في إطار الوضع الدولي الراهن، حيث تسود الفوارق الاقتصادية بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، وتتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في العديد من مناطق الجنوب بعد أن تعثرت مشاريع التنمية، ويزداد البؤس، وتتواجد أنظمة ديكتاتورية، وتوجد قضايا أقليات ونزاعات إقليمية، إلى جانب انتشار الفقر والبطالة وحدوث الكثير من الكوارث الطبيعية المتمثلة في الزلازل والفيضانات والجفاف.

(2) – عصر العولمة، فكيف يكون مستغربا أن تتزايد الأسفار في كل الاتجاهات ولا تتطور في اتجاه أوروبا ؟ وكيف يكون طبيعيا أن تنتقل البضائع ورؤوس الأموال ويُمنع البشر من حق التنقل ؟ وكيف يمكن أن ينتشر التعليم وتنفتح الفضاءات الثقافية على بعضها البعض من دون أن يتجه الناس إلى الالتقاء والتعارف ؟ وكيف تجتاز القنوات التلفزية الحدود ولا ينمو في الناس حب الاطلاع ؟

القلق الأوروبي  والمسؤولية

هناك قلق متزايد في دول الاتحاد الأوروبي من آلاف المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط ليتسللوا إلى أوروبا بطريقة غير مشروعة. وتفيد استطلاعات الرأي أن ظاهرة العداء للأجانب في ارتفاع مستمر في أوروبا، لسببين رئيسيين: أولهما، كثرة الأخبار السلبية حول الهجرة السرية والتوظيف السياسي لها من طرف بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة. وثانيهما، الأحكام المسبقة لبعض الأوروبيين عن جيرانهم الجنوبيين المرتبطة بمآسي التاريخ المشترك والتي تتغذى يوميا من المشاكل الثنائية أو من التورط في الإجرام المنظم والإرهاب.

لقد عاش العرب والمسلمون عقودا طويلة يمارسون عقيدتهم، وثقافتهم، وطرائق أكلهم، في وسط مجتمعات مختلفة معهم دينيا وثقافيا. لكن ما يراه أغلب الرأي العام الأوروبي الآن هو أنّ تلك التعددية الثقافية قد أنتجت ” غيتوات ” معزولة، وبؤر تطرف هامشية رافضة كلها للمجتمعات التي تعيش فيها، وتحقد عليها، بل ومستعدة للتآمر ضدها وضد سكانها الأبرياء. لذلك، يلحظ الآن بروز نزعة فقدت ثقتها بنظرية التعددية الثقافية، وصارت تدعو علانية لصهر المهاجرين والجاليات في هوية البلد المضيف، فإما أن يتبنوها ويحترموها أو يغادروا تلك البلدان.

ولعل ” الورقة الخضراء ” التي أصدرها المجلس الأوروبي في 11 يناير/كانون الثاني 2005 تبين أوجه القصور في الرؤية الأوروبية، إذ تتضمن الورقة الخطوط العامة لسياسات الاتحاد الأوروبي تجاه الهجرة، غير أنها لم تتحدث – في واقع الأمر – سوى عن العمالة الشرعية المهاجرة، التي يحتاج إليها السوق الأوروبي لأسباب كثيرة بعضها اقتصادي وبعضها الآخر يتعلق بالطبيعة الديمغرافية لدول الاتحاد وتركيبة السكان ونسبتهم. وفي حين تولي الورقة اهتماما كبيرا لاحتياجات وأولويات سوق العمل الأوروبي فإنها لا تشير إلى أسباب ودوافع الهجرة من دول الجنوب إلى أوروبا.

إضافة إلى أنّ غالبية المشروعات التي طُرحت لـ ” مكافحة ” الهجرة غير الشرعية تركز علي الجانب الأمني، فمثلا مشروع إنشاء معسكرات لاحتجاز طالبي اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين على شواطئ الدول المغاربية، وغير ذلك من برامج الدعم المالي والتقني لحكومات هذه الدول لحراسة الحدود البحرية والبرية، وكذلك للحد من العبور بشكل غير شرعي. ومن المؤكد، أنّ مثل تلك المشاريع، علي الرغم من أهميتها، لا يمكن أن تكون الوجه الوحيد للتعاون بين دول الاتحاد الأوروبي وبين حكومات جنوب المتوسط.

ومما لاشك فيه أنّ حكومات البلدان التي ينطلق منها المهاجرون تتحمل مسؤولية أساسية عن مأساة المهاجرين، إذ أنّ إخفاق أنماط التنمية التي انتهجتها وعجزها عن تحديث المجتمع وتأمين الحياة الكريمة لأبنائه هي الأسباب الكامنة وراء الإصرار على الهجرة بأي ثمن ومجابهة مخاطر الموت عطشا أو غرقا. كذلك أفرزت أزمة النظام التعليمي عشرات الآلاف من الشباب العاطلين الذين يعيشون قسوة التهميش ومرارة الضياع فيفضلون أي ” حل ” على البقاء في ذل البطالة.

ولأنّ المسؤولية مشتركة يجدر بدول الشراكة الأورو – متوسطية أن تنخرط في مجالات التعاون التالية‏:‏

‏*‏ نظرا لمعاناة دول جنوب وشرق البحر المتوسط من الهجرة غير الشرعية كدول عبور ودول إقامة غير شرعية، شأنها شأن الدول الأوروبية، فمن الضروري التعاون كشركاء متكاملين‏، للتعاطي المجدي مع الهجرة غير الشرعية‏.‏

‏*‏ ضرورة التوفيق بين متطلبات الهجرة الشرعية ‏(‏التأشيرة،‏ التجمع العائلي‏)‏ ومكافحة الهجرة غير الشرعية‏.‏

‏*‏ تعزيز مكافحة عصابات وشبكات تهريب المهاجرين بجهود أمنية مشتركة بين الدول المعنية‏.‏

ولعل ما ورد في وثيقتي ” مدونة سلوك أورو – متوسطية ضد الإرهاب ” و ” برنامج عمل على مدى خمس سنوات ” الصادرتين في ختام قمة برشلونة بمناسبة الذكرى العاشرة لانطلاق الشراكة، يساعد على تحمل المسؤولية المشتركة، حيث تعهد الشركاء في مدونة السلوك علـى ” تشجيع فرص الهجرة الشرعية ” والتعاون لـ ” خفض مستوى الهجرة غير الشرعية إلى حد كبير “. وأضافت الوثيقة أنه سيجري إعداد ” آليات تعاون عملية ” بهدف ” إدارة حركات تدفق المهاجرين بصورة إنسانية “، و ” تقديم المساعدة للبلدان الأصلية وبلدان العبـور “، إلا أنها لم تقدم إيضاحات عن المساعدات المالية. وإلى ذلك يدعم الشركاء مشروع ” المؤتمر الأورو – أفريقي حول الهجرة ” المفترض تنظيمه في الصيف المقبل بالمغرب.

ازدواجية الخطاب الأوروبي

إنّ الدول الأوروبية التي تتحدث عن احترام حقوق الإنسان وضرورة تكريسها واقعيا وكونيا، هي ذاتها التي تجهز على الحق في التنقل الذي تنادي المواثيق والعهود الدولية به، وهي التي تنتهك الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمهاجرين السريين والشرعيين المتواجدين فوق أراضيها، وهي التي تجعل منهم مواطنين من الدرجة الثانية بامتهان كرامتهم وتمريغها في وحل التمييز العنصري. بالرغم من أنّ البند 13 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص على ” حق أي شخص في اختيار مكان إقامته وحرية التنقل داخل أي بلد يشاء “، كما يؤكد على أنّ ” لكل شخص الحق في مغادرة أي بلد والعودة إلى بلده الأصلي “.

ففي ألمانيا تحققت انعطافة تاريخية، باتفاق جميع الأحزاب الموالية والمعارضة على قانون جديد للهجرة في يونيو/حزيران 2004. إذ خفف الكثير من القيود التي كانت تكبل السلطات الرسمية الألمانية في تعاملها مع قضايا المهاجرين، إلا أنّ شبح الخوف من الإرهاب برز واضحا في ثنايا القانون الجديد، سواء من حيث سرعة ترحيل المشتبه بهم أو من حيث حق الاستنساب الذي منح لوزارة الداخلية وأجهزة الأمن تقدير ” نظافة ” السجل الشخصي للمهاجر إلى ألمانيا. وأبرز ما في القانون الجديد التمييز بين الرعايا الوافدين من الدول الأجنبية، حيث يخضع القادمون من الدول العربية والإسلامية إلى ترتيبات أمنية خاصة تطال سجلهم الشخصي وتاريخ حياتهم ونشاطهم السياسي قبل منحهم سمة الإقامة أو العمل، كما يمنح قانون الهجرة الجديد السلطات الأمنية الألمانية حقا بترحيل من تقدره خطرا على الأمن والاستقرار الداخلي أو تعتبره داعية للحقد والكراهية، وهذا الجانب يطال أئمة المساجد الإسلامية بشكل خاص ومعلمي مدارس اللغات الأجنبية.

كما أنّ الهجرة الانتقائية باتت خيارا استراتيجيا لفرنسا، فقد عُرض على البرلمان في بداية العام 2006 مخطط يقضي بجلب العقول والأدمغة إلى فرنسا عبر قانون الهجرة المختارة، ويتوجه هذا القانون إلى الطلاب الأجانب على وجه التحديد الذين يزاولون دراساتهم في الجامعات والمعاهد الفرنسية أو من هم موجودون في بلدانهم ويتمتعون بمستوى علمي عالٍ، علما أنّ معظم هؤلاء من دول أفريقيا السوداء ومنطقة المغرب العربي. وفي المقابل يدعو المشروع إلى إلغاء حقوق بديهية، كحق جمع الشمل العائلي، أو حق تسوية أوضاع المقيم في البلد لعشر سنوات بلا انقطاع، مما كانت تضمنه القوانين المعمول بها حتى الآن في فرنسا، ومما تكفله الشرعة الأوروبية لحقوق الإنسان (أقرت الجمعية الوطنية يوم 17 مايو/أيار الجاري مشروع القانون الذي اقترحه وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي، ومن المقرر أن ينظر مجلس الشيوخ في مشروع القانون يومي 6 و7 من شهر يونيو/حزيران المقبل).

وما من شك، أن احتجاج نشطاء المجتمع المدني الفرنسي ضد قانون الهجرة الجديد إنما جاءت لتعبر عن قلق ومخاوف شرائح واسعة من المجتمع الفرنسي عما باتوا يعتبرونه مساسا بكرامة الإنسان وشرفه، فالمهاجر الفقير والأمي لا مكانة له في المشهد الاجتماعي الفرنسي اليوم، بينما تفتح الباب على مصراعيه أمام مهارات وكفاءات دول الجنوب.

 وهكذا تنتقل فرنسا من أزمة إلى أخرى، بلا فواصل ولا فترات التقاط أنفاس. ففي الخريف الفائت انفجرت أزمة الضواحي وأبرزت بشكل خاص سوء أحوال الشباب المنحدرين من الهجرة والتي عجز النظام القائم عن استيعابهم، فألقى بهم إلى نسبة بطالة مرعبة تتجاوز الـ 40 % من المهيئين للعمل منهم، وسجنهم فعليا في ” غيتوات ” تتعاظم عزلتها الاجتماعية كلما تفاقم الخطاب العنصري الذي يطالهم.

أما بلجيكا فهي تقدم نموذجا رائعا لإدماج المهاجرين، علي الأقل في شقها الفرنكفوني، حيث تحول هؤلاء، وأساسا المغاربة الذين يشكلون الأكثرية، إلى أقلية بلجيكية حقيقية تتعدى المفهوم الكلاسيكي للهجرة وجزءا من تاريخ هذا البلد. إذ يمكن اعتباره مثالا يجب أن يقتدى به من طرف باقي الدول الأوروبية، فلقد حان الوقت للتعامل مع المهاجرين كأقليات ذات معتقد وثقافة وتقاليد، بعيدا عن مفهوم الإدماج القسري القائم على الاستلاب الثقافي.

إنّ التصدي للهجرة غير الشرعية ليست مسؤولية بلدان الجنوب وحدها التي لا يمكنها بمفردها حراسة الحوض المتوسطي من التسللات التي لم يعد أبطالها من سكان بلدان المنطقة فقط، بل إنها أساسا من أوكد مسؤوليات البلدان الأوروبية التي تنصلت أو كادت من دورها التنموي تجاه البلدان المتوسطية واتجهت إلى البلدان حديثة الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي أو المقبلة عليه.

كما أنّ معالجة ملف الهجرة غير الشرعية لا يمكن أن تكون معالجة أمنية تلاحق المتسللين وتعتقلهم، بل يجب أن تنبع من حوار شامل ومن مقاربة تضامنية وإنسانية، تسمح بحرية تنقل الأشخاص والتبادل الإنساني، حتى لا تظل الشراكة حبيسة التبادل التجاري والسلعي. وستظل الشراكة الأورو – متوسطية عرجاء ومختلة التوازن مادامت التنمية بين ضفتي المتوسط مختلة، وما بقيت الهوة التنموية قائمة بين الشطر الأوروبي والشطر المتوسطي. ويبقى التفاؤل بمستقبل مشرق للمنطقة وشعوبها رهين قناعة قيادات بلدان الضفة الشمالية وإيمانها بأنّ الشراكة الحقيقية تقتضي التشاور والحوار وإيجاد حلول ترضي كل الأطراف وتساوي بينها.

 

الإشكالية الديمغرافية

تنشغل خواطر الأوربيين بتقرير نُشر في سنة 2001، يبين أنّ الأقطار الأوربية تحتاج في أفق سنة 2050 إلى ما لا يقل عن 400 مليون مهاجر، لتغطية النقص المتزايد في سواعد العمل في أوربا، تبعا للتطور المحتمل للبنية الديموغرافية. فمن المتوقع أن تسجل إيطاليا وألمانيا نموا سكانيا سلبيا بحلول عام 2010 وبحلول عام 2020 سيكون أكثر من خمس السكان في بلدان الاتحاد الأوروبي فوق سن الـ 65. وفي هذه الحالة من سيشتغل ويشارك في تموين صندوق الضمان الاجتماعي والشيخوخة بأجره ؟ دون شك لن تكون لدى أوروبا الأيدي العاملة الكافية لضمان ذلك، فيصبح التفتح على شباب دول الجنوب أمرا لا مفر منه.

لقد كشف تقرير أسباني رسمي صدر مؤخرا عن المعهد الوطني للإحصاء أنّ عدد السكان في أسبانيا وصل إلي 44 مليون ومائة ألف نسمة، من ضمنهم ثلاثة ملايين و700 ألف أجنبي. وتؤكد هذه الأرقام أنّ نسبة المهاجرين ارتفعت من سنة 2005 إلى 2006 بقرابة 700 ألف شخص. وينسب الخبراء هذا الارتفاع الكبير للمهاجرين، الذي لم يسجل في أية دولة أوروبية، إلى تسوية أوضاع المهاجرين السريين ما بين فبراير/شباط ومايو/أيار الذي كانت قد أقدمت عليه الحكومة الجديدة.

وبقدر ما قد تساعد الهجرة على ازدهار الاقتصاد الأوروبي وتعديل الميزان الديموغرافي، فإنها ستساهم في تنمية دول الجنوب، خصوصا منطقة شمال أفريقيا القريبة. لكنّ بعض الأطراف الأوروبية اليمينية، لا تتحمس لفكرة جلب عمالة عربية أو مسلمة، وهي تفضل عليها العمالة الأوروبية الشرقية، لأسباب تاريخية ودينية.

أموال المهاجرين غير مستغلة في التنمية

أفادت دراسة جديدة، أجرتها هيئة تسهيل الاستثمار والشراكة الأورو – متوسطية التي تضم أنشطة البنك الأوروبي للاستثمار في دول منطقة المتوسط، أنّ بإمكان مهاجري الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية المقيمين في الاتحاد الأوروبي أن يسهموا أكثر في تنمية بلدانهم الأصلية لو مرت مليارات اليوروات التي يحولونها سنويا عبر النظام المصرفي. إذ أنّ معظم المهاجرين الخمسة ملايين المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي المنحدرين من ثماني دول (المغرب والجزائر وتونس ومصر ولبنان وسورية والأردن وتركيا)، يرسلون كل سنة حوالي 7.1 مليار يورو إلى هذه الدول. وتصل هذه المبالغ إلي ما بين 12.4 مليار و13.6 مليار سنويا إذا ما أضيفت إليها الأموال المنقولة بصورة غير رسمية. لكن قسما ضئيلا فقط (9.7%) من هذه المبالغ مخصص للاستثمارات المنتجة، طبقا لما ورد في الدراسة، التي أشارت إلي أنّ هذه الأموال التي تمثل 1 % – على الأقل – من إجمالي الناتج المحلي في كل دولة معنية يمكن أن تكون مصدرا مهما للتمويل من أجل تنمية هذه البلدان.

ومن جهة أخرى، فقد لفت تقرير حديث ( مارس/آذار 2006 ) للبنك الدولي إلى أنّ الهجرة قد تساهم في تحسين مستويات السكان المحليين، وتعمل على تقليص الفقر، وزيادة وتيرة التنمية في الدول النامية المصدرة للهجرة، إذا أُديرت الأموال المحولة في شكل جيد وخفضت كلفة التحويلات.

ويقدر التقرير التحويلات نحو شمال أفريقيا بنحو 11 مليار دولار، منها 4.5 مليار دولار في المغرب، الذي يعتمد على تلك التحويلات في سد عجز الميزان التجاري الذي تجاوز العام الماضي تسعة مليارات دولار. ويعيش 10 % على الأقل من الأسر المغربية على تحويلات مهاجريها في أوروبا المقدر عددهم بنحو 2.5 مليون شخص. والأمر نفسه ينطبق على تونس التي تعتمد على التحويلات وعائدات السياحة الدولية، بينما لا تعتمد الجزائر على تلك المصادر في شكل كبير، على رغم جالية قوية في أوروبا، خصوصا في فرنسا، حيث تزيد على مليون شخص.

وعلى رغم أهمية تحويلات المغتربين العرب إلى بلدانهم الأصلية، فإنّ مساهمتهم في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها لا تزال متواضعة، مقارنة بمساهمة المغتربين الصينيين أو الهنود وغيرهم في تنمية أوطانهم الأم. وليس المقصود بهذه المساهمة حجم الأموال التي يتم تحويلها بقدر ما هو مقصود كيفية استثمارها وتوظيفها. إنّ معظم تحويلات المغتربين العرب تذهب للاستهلاك العائلي بمختلف أشكاله، كما يذهب قسم هام منها إلى بناء منازل وفيلات وشقق فخمة وتكويم أطنان الذهب والفضة. وبذلك لا يبقى سوى جزء متواضع لأغراض الاستثمار والتنمية.

وعلى الجانب الآخر فإنّ الهجرة قد يكون لها آثار سلبية على المجتمعات في دول الجنوب، مثل استنفاد القوى العاملة برحيل الأشخاص المنتجين والأكفاء وذوي الخبرات العالية، وهو ما يعرف بـ ” هجرة العقول ” إلى دول الشمال‏.‏

إدارة الهجرة – الحلول

الأمل في القضاء علي ظاهرة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالعمالة سيكون ضعيفا إذا لم يتم القضاء على كل الظروف الرئيسية التي تتسبب في الهجرة. إنّ اتخاذ خطوات للحد من البطالة والحد من القصور في التنمية، بما يقلل الفجوة التنموية بين دول طرفي الشراكة الأورو – متوسطية، هي السبيل الوحيد للتعاطي المجدي مع المشكلة. ومن ثم فإنه يتعين علي الاتحاد الأوروبي أن يخط استراتيجيات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول الجنوب، عبر الدعم المالي والتقني لأجل توفير فرص عمل ودخول مناسبة في هذه الدول.

مما يتطلب ضرورة تحسين التشريعات الخاصة بحقوق العمال، بحيث تكون أكثر اتساقا مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، التي ينبغي أن تكون عنصرا رئيسيا في المناقشات حول مسألة الهجرة، كما ينبغي تضمينها في الاستراتيجيات الموضوعة من أجل إدارة مسألة الهجرة.

ومن المؤكد أنّ إدارة الهجرة بنجاعة تتطلب فتح الأبواب وتكاتف الجهود على المستوى الدولي، وأن تعمل كل دولة أوروبية على ” إدماج ” القادمين في مجتمعاتهم الجديدة. ولن تتمكن أوروبا من ضمان إثراء مجتمعاتها المضيفة، أكثر من زعزعة استقرارها، إلا من خلال استراتيجية بعيدة النظر لإدماج وتفهم الخصوصيات الثقافية للمهاجرين.

فإذا كانت دول الاستقبال تبقي المهاجرين في حالة حرمان وتهميش كاملين وإقصاء ثقافي واجتماعي، وفي عزلة نفسية، وحالة ضنك اقتصادي، فإنّ مثل هذه الأوضاع يمكن أن تساعد علي ظهور أشياء مكروهة. فليس من المحبذ بالمرة استعمال كلمات مثل ” مكافحة الهجرة “، و ” التصدي للهجرة “، بل يمكن الحديث عن التحكم في الهجرة و تنظيم الهجرة، لذلك يجب تسوية الوضعية القانونية لكل الأشخاص الذين تكبدوا الصعاب ومشاق الوصول إلي الضفة الشمالية للمتوسط وحصلوا هناك علي فرص عمل.

وعلى جانب آخر، لابد من توفير الموارد لتحقيق استراتيجيات الحد من الفقر، وإنجاز التنمية المستدامة، وتشجيع الاستثمار المباشر في دول جنوب وشرق المتوسط.

وهكذا، يعتبر منهج التعامل مع تحديات الهجرة من أكبر الاختبارات الماثلة أمام الاتحاد الأوروبي الموسع خلال الأعوام والعقود القادمة. ففي حال تمكنت المجتمعات الأوروبية من التعاطي مع هذا التحدي بإيجابية، فإنّ الهجرة سوف تثري هذه المجتمعات وتزيدها قوة. أما إذا ما فشلت في ذلك، فالنتيجة ستكون انخفاض المستويات المعيشية والانقسام الاجتماعي.

إنّ الحضور الكثيف لإشكاليات وأسئلة الهجرة يؤكد بأنّ الحاجة ما زالت ملحة إلى مقاربة أكثر إجرائية وأكثر عدالة في التعاطي مع دواعيها المباشرة ونتائجها الكارثية، فغياب هذه المقاربة الناجعة هو الذي يساهم فعلا في استفحالها وتنامي درجاتها في المشهد المتوسطي.

إنّ التدبير العقلاني لمسألة الهجرة يتطلب تبني مقاربة جديدة تستجلي العلاقات القائمة بين الهجرة والتنمية، إذ يمكن تقييم الدعم الذي تقدمه الهجرة الجنوبية لاقتصاديات بلدان الشمال على المستويين الديمغرافي والاقتصادي، كما هي تساعد على التقليل من البطالة في الدول المصدرة للعمالة، وتوفير بعض العملة الصعبة التي يمكن استثمارها في البلدان النامية. وفيما يتعلق بالهجرة والتنمية المشتركة يجب دراسة أسباب تيارات الهجرة ووسائل التدخل الممكنة في المناطق الفقيرة وتعزيز الظروف المناسبة لتمكين المهاجرين من القيام بدورهم في تنمية بلدانهم الأصلية، لاسيما من خلال الإقبال على الادخار والاستثمار إلى جانب تطوير نقل التكنولوجيات وتبادل الكفاءات بين بلدان الشراكة.

وإذا كان يحق لكل البلدان اتخاذ القرارات بشأن قبول المهاجرين، لكن من غير الحكمة أن تغلق البلدان الغنية أبوابها أمامهم. فذلك لن يؤثر على آفاقها الاقتصادية والاجتماعية البعيدة الأمد فحسب، بل سيدفع بأعداد أكبر من فقراء الجنوب لاختراق حدودها من الأبواب الخلفية عن طريق السعي لطلب مساعدة المهربين، مما يعرّض المهاجرين – في أغلب الأحيان – للوفاة أو الإصابة أثناء العمليات السرية اليائسة على متن القوارب، والشاحنات، والقطارات والطائرات.

وأخيرا يمكن القول إنّ المقاربات المحكومة بالهاجس الأمني والتي أكدت الممارسة الميدانية عقمها وعجزها، ينبغي أن تتراجع لتفتح في المجال لتدابير ديمقراطية أكثر عمقا وعقلانية، تعتمد الأخذ بالعدالة الاجتماعية ضمن أهدافها وممارساتها، بالشكل الذي يتيح اندماجا حقيقيا لهؤلاء المهاجرين، ويسهم في تدبير اختلافاتهم العقائدية والثقافية، ويوفر لهم الشروط الموضوعية والضمانات اللازمة لتوفير عيش كريم، أسوة بباقي المواطنين الأوروبيين.

إنّ الأمر يتعلق بإشكالية عويصة ذات أبعاد متعددة، وبأصول مختلفة وتعبيرات وبميزات متنوعة إذا تم التحكم فيها، لكونها تستجيب لحاجيات موضوعية: في الشمال حيث تتجسد الحاجة بشكل جلي إلى اليد العاملة الأجنبية المؤهلة وغير المؤهلة، وفي الجنوب حيث يغادر الآلاف من الشباب، لأسباب سوسيو – اقتصادية (مستوى التنمية) وسياسية (النزاعات الأهلية والأنظمة الديكتاتورية)، في اتجاه الشمال الذي يستهويهم بشكل قوي. ويبرز الطابع المأساوي لهذه الإشكالية في مجال الأمن الإنساني والاستقرار الجهوي بالنظر للتزايد المتنامي لشبكات المافيا.

وهكذا، فبالرغم من أنّ لكل دولة نهجا خاصا في التعامل مع قضية الهجرة وفقا لخصوصيتها وثقافتها، فإنه لا ينبغي لأحد أن يغفل المساهمة العظيمة التي قدمها ملايين المهاجرين للمجتمعات الأوروبية الحديثة، بل إلى كل المجتمعات في كافة أرجاء المعمورة. وقد أصبح الكثير منهم قادة في الميادين الحكومية، وفي العلوم، والمؤسسات الأكاديمية، والرياضة والفنون.

إنّ أوروبا تتحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية في ما يخص موضوع الهجرة، فقسط كبير من رفاهيتها وتقدمها ناتج عن فائض القيمة التاريخي الذي راكمته إبان استعمارها المباشر لدول الجنوب، ولهذا لا يحق لها، وفق منطق الأشياء، أن تحمّل دول الجنوب مسؤولية حل مشكل يتجاوز إمكانياتها وطاقاتها.

إنّ إشكاليات الهجرة لن تجد حلا جذريا بسياسة القبضة الحديدية وتسييج الحدود، وإنما بتضافر جهود الشركاء من أجل إصلاحات جذرية وعميقة للأنظمة السياسية القائمة بالدول المصدرة للهجرة، وبرسم سياسة تنموية قادرة على إعادة الأمل وتوفير شروط الاستقرار التي تساعد على البقاء والتشبث بالموطن الأصلي. وفي انتظار أن يتحقق ذلك يتعين دوما أن نتذكر بأنّ الهجرة كانت، على مدى التاريخ، عنصر مثاقفة وإثراء متبادل، ورافدا للوفاق بين الثقافات. إنها حركات بشرية بحمولات إنسانية وثقافية، وذلك دعامة للشراكة وللتقدم والتقارب.

إنّ القراءة الهادئة لإشكاليات الهجرة، في إطار الشراكة الأورو – متوسطية، تفرض علينا الاعتراف بأنه إذا كان مطلوبا من الدول المستقبلة للهجرة احترام حقوق الإنسان، فإنه مطلوب أيضا من الدول المصدرة للهجرة أن تنتبه لعطبها الداخلي الذي يستدعي إصلاح الهياكل والمؤسسات والبرامج والمخططات بخلق مناخ اجتماعي وسياسي جديد، ذلك أنّ الحل الداخلي يظل الأكثر فعالية عبر إعادة الاعتبار للشأن الاجتماعي بواسطة إنعاش فرص الشغل وتنشيط الاستثمار وتقليص التفاوتات الاجتماعية وتوسيع قاعدة المشاركة في الحياة السياسية.

تونس في 20/5/2006                        الدكتور عبدالله تركماني

                                         كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

(*) – في الأصل ورقة قُدمت في إطار ندوة ” العلاقات الأورو – مغاربية بين الشراكة والجوار ” بدعوة من ” الجمعية التونسية للعلاقات الدولية ” ودعم من مؤسسة ” فريدريك إيبيرت ” الألمانية، خلال يومي 22 و 23 مايو/أيار 2006 . ونُشرت في الموقع الإلكتروني لحزب الشعب الديمقراطي السوري ” الرأي ” على حلقتين – 25 و 26/5/2006 . وموقع ” مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية ” – 26 و 27/5/2006 . وموقع ” كلنا شركاء في الوطن ” – 27 و 28/5/2006 . وموقع ” منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي ” – 27 و 29/5/2006 .

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial