رؤية ابن رشد الفلسفية للعالم

د. محمد المصباحي

         زاول ابن رشد، كما هو معروف، عدة أنشطة فكرية وعملية متباينة. فقد اشتغل بالفقه والقضاء والطب، ومارس التأليف والشرح والجدال مع خصومه وأصدقائه، غير أن صورة الفيلسوف تبقى حاضرة وراء كل هذه الصور الفكرية والعملية المتنوعة، فما ملامح هذه الصورة؟ 

نعتقد أن صورته الفلسفية تتشكل من ثلاثة عناصر أساسية، أولها إيجابي يدعو فيه إلى وحدة الحق والعقل بين الفلسفة والشريعة ؛ والثاني سلبي يتعلق بإرادته في إبعاد القول الفلسفي عن كل جاذبية خارجية تبعده عن مداره الخاص ؛ والثالث يخص الرؤية الفلسفية التي كان يصدر عنها في تآليفه ونقاشاته المختلفة. لذلك سنعمل في البداية على التذكير بدلالة الدعوة إلى وحدة الحق الشرعي بالحق الفلسفي، ثم نتطرق في لحظة ثانية إلى دعوته لفصل العقل الكلامي عن العقلين الشرعي والفلسفي، على أن نقوم في لحظة ثالثة على رسم صورة موجزة لرؤيته للعالم بوصفها رؤية اتصال وحركة. تناوُلنا للموقف الفلسفي الرشدي سيكون، إذن، من خلال مقولتي الإضافة والجوهر، أي من خلال علاقته بغيره وفي ذاته.

أولا: وحدة الحق بالعقل

ما استرعى انتباه ابن رشد في مشهد الحق والعقل في زمانه هو تعرض دلالتهما لعوامل التعدد والاختلاف، إن لم نقل لمظاهر التقابل والتضاد. ولعل أشهر الصور التي تشعب إليها الحق، صورة الشريعة من جهة وصورة العلم والفلسفة من جهة أخرى ؛ وأشهر صور انشقاق العقل صورة العقل الكلامي وصورة العقل العلمي-الفلسفي. لم يتردد ابن رشد في تشخيص هذا الانشقاق الدلالي بكونه حالة مرضية تقتضي العلاج. فاقترح علاجا يكون في مرحلتين تقتضيان مقاربتين متقابلتين، مرحلة أولى تتبنى مقاربة التوحيد بين الحكمة والشريعة، ومرحلة ثانية تلجأ إلى مقاربة فصل علم الكلام عن كل من الحكمة والشريعة.

المرحلة الأولى تقتضي الاعتراف المتساوي بأن الحكمة والشريعة كلاهما حق. وفي هذا السياق أتى شعاره الشهير ’الحق لا يضاد الحق‘، الذي أراد من ورائه إثبات أن الحق الذي ينتجه العقل البشري بوسائله الخاصة لا يمكن أن يتعارض مع الحق الآتي من السماء، لأن الحق واحد ولا يمكن أن يضاد نفسه. لكن ليس معنى ذلك أن أبا الوليد كان يبحث عن مكان ما للفلسفة داخل منظومة العلوم الإسلامية، كما فعل الفارابي، وإنما كان غرضه إثبات حق العقل في أن يؤسس مجاله المعرفي الخاص به، المستقل بأدواته ومناهجه وموضوعاته عن مجال العلوم الشرعية، دون أن يمنع ذلك من التعايش معها في نفس الفضاء الفكري. ولعل حرصه على تميز واستقلال القول الفلسفي هو الذي كان وراء إصراره على إبقاء النص الأرسطي شاخصا أمامه في شروحه على كتبه، وكأنه كان يريد عنوة أن يحتفظ للنص الأرسطي بوضعيته كنص آخر.

لم تكن الغاية من دفاعه عن الفلسفة، باعتبارها حقا مرادفا للحق الشرعي، إلغاء أحد الحقين لصالح الآخر، أو إثبات ازدواجية الحقيقة، وإنما كانت غايته من ذلك إثبات أن الحقّين، الشرعي والفلسفي، ينتميان إلى نفس الجنس، ويقصدان نفس الغاية. نعم، لا يمكن أن ننكر وجود لغة الازدواج في كتابي فصل المقال ومناهج الأدلة، إلا أن هذا الازدواج يوجد فقط على مستوى مُتَلقّي الحقيقة، وبالنسبة لجهة النظر إليها، لا على مستوى الحقيقة ذاتها.

ليست هناك إذن علاقة تقابل وصراع بين العقل والوحي، أو بين الفلسفة والشريعة، وإنما توجد علاقة إضافة، الأمر الذي نقل إشكالية العلاقة من مستوى التوفيق (الذي يقتضي بيئة تقابلية) إلى مستوى الاتصال (الذي يوجد خاصة في مجال الإضافة). هكذا نضع أيدينا على مبدأ جديد، هو مبدأ الاتصال، لينضاف إلى مبدأ وحدة الحق لتأسيس نظرة فلسفية جديدة حول علاقة الحكمة بالشريعة، والعقل بالوحي.

ومن الطبيعي أن تقتضي وحدة الحق وحدة العقل. لكن لمّا كانت الشريعة تلجأ إلى استعمال الوسائل الخطابية والشعرية، كالرموز والتشبيهات والمجازات، والقصص والأساطير، لكي يكون خطابها عاما شاملا لكل الناس، وجب على الفيلسوف أن يؤولها، لكن لحسابه الخاص، لا من أجل الجمهور. وهذا ما يفسر وجود لحظات تأويلية قوية في المتن الرشدي[i]، إلا أنه تأويل تأويل برهاني، ينطلق من الفلسفة إلى الشريعة لا من الشريعة إلى الفلسفة، أي ينطلق من مقدمات بينة بنفسها لغاية تحويل المجازات والاستعارات والتشبيهات الشرعية إلى قضايا ومعارف علمية. وبهذا النحو تصبح الشريعة موضوع علم ومعرفة، لكن فقط بالنسبة لأهل البرهان، لأن تكييف الشريعة حسب لغة الفلسفة ومنهجها ورؤيتها للعالم يجعلها صعبة المنال بالنسبة لمن ليس أهلا لها.

بيد أن الجمع بين أمرين متقابلين، التأويل والبرهان قد يقود إلى صعوبة، وهي هل كان أن ابن رشد كان يقصد التوفيق أو التوحيد بين العقلين التأويلي والبرهاني، لا أعتقد أنه كان يقصد ذلك، وإنما كان يريد إخضاع التأويل قدر الإمكان لشروط العقل البرهاني حتى ينتج معرفة علمية لا تطغى فيها الذات على الدلالة وتحولها لصالحها. التأويل البرهاني يعمل إذن على الانتقال من ظاهر النص الشرعي إلى باطنه بما يوافق شروط ومبادئ البرهان، مستغلا هذه المناسبة لإعطاء الكلمة للنص لكي ينطق بالحق من دون تدخل الذات، أي دون إدخال للاعتبارات المذهبية والطائفية.

بهذا النحو يكون ابن رشد قد أعرب عن إرادة فلسفية قوية، تجلت معرفيا في كونه لم يشأ الاكتفاء بالاطمئنان إلى معرفته الشرعية التي تعتمد على النقل والوحي، بل سعى للبحث عن وجه آخر للاطمئنان المعرفي، اطمئنان قائم على الوسائل البشرية، على الحواس والعقل، ولسان حاله يقول « كما قال سقراط محتجا على أهل أثينا: ’يا قوم إني لست أقول لكم إن حكمتكم هذه الإلهية أمر باطل، ولكن أقول إني حكيم بحكمة إنسانية ». كما تجلت إرادته الفلسفية اجتماعيا في عدم الركون إلى مرتبته الاجتماعية الباذخة، وضعية قاضي إشبيلية وقرطبة وإمام مسجدها الأعظم، ففضّل أن يجرب وضعية الفيلسوف الباحث، القلق، المتسائل، المنتقد، الذي يحترف الكتابة ليل نهار، وضعية مفكر مهدد وملاحق من قبل أعداء المعرفة والفكر.

ثانيا : فصل العقل الكلامي عن العقلين الشرعي والبرهاني

كانت غاية المرحلة الأولى لعلاج مشكل تعدد الحق والعقل تتجه إلى الجمع والتوحيد بين الحكمة والشريعة، أي جر أحد الحقّين والعقلين إلى الآخر، عن طريق التأويل البرهاني ليشكلا شيئا واحدا. أما المرحلة الثانية من علاجه لمسألة التعدد المذكور فتتخذ مسلكا مضادا، وهو مسلك الفصل بدل الجمع، لكن ليس بين الشريعة والحكمة، ولكن بصورتين من صورها، هما علم الكلام والتصوف. إن رهان هذه المرحلة هو التربص لخطر تحوّل الفلسفة إلى غيرها، أي تحول الأونطولوجيا إلى تيولوجيا (علم كلام)، أو إلى إنيولوجيا (علم التصوف). 

         وقد اقتضى مطلب إبعاد الفلسفة عن الانحرافين الكلامي والصوفي من ابن رشد أن يخوض ثلاث معارك في وجه ثلاثة رموز للثقافة العربية الإسلامية : الغزالي وابن سينا بشكل مباشر، وابن طفيل بشكل غير مباشر. يمثل الغزالي مفكرا جمع بين الذود عن التصوف أولا، والكلام ثانيا، والعداء للعلم والفلسفة ؛ ويمثل الثاني من هؤلاء الثلاثة الفيلسوف المتواطئ ضمنا مع علم الكلام والتصوف أما ثالثهم فيمثل الفيلسوف الذي هاجر قارة العلم والفلسفة إلى رحاب ومنازل التصوف. لقد برهن ابن رشد بصراعه في هذه الجبهات الثلاثة أنه كان يتمتع بشجاعة فكرية كبيرة. ذلك أن توجيهه النقد للسلطة المرجعية للدولة الموحدية، أبو حامد الغزالي، ومن خلاله إلى المؤسس الأول والمرجعية المباشرة لهذه الدولة، المهدي بن تومرت لم يكن بالأمر السهل أبداً. كما أن تصديه للتصوف، وهو يعرف حق المعرفة أن صديقه وصديق السلطان ومستشاره، ابن طفيل الذي اختار الانتصار في نهاية الأمر لطريق الذوق بديلا عن لطريق البرهان، يدل على أنه كان غير عابئ بالعواقب التي كانت يمكن أن تترتب عن هذه المواجهة.

كانت موضوعات صراعه مع الغزالي تدور في العمق حول نظرته الكلامية للعالم، القائمة على حرمان الطبيعةَ والعقلَ من أي فعل خاص بهما، عندما أنكر مبادئ كالذاتية والسببية، في مقابل القول بالعرضية والإمكان. إن من شأن هذه الرؤية الكلامية للعالم أن تنسف كل إمكانية لقيام علم عام للوجود، وعلوم خاصة بالطبيعة والعقل، مما يقضي على كل أمل حقيقي في المخاطبة والتقاول والانفتاح على الآخر[ii]. وقد أعرب أبو حامد نفسه عن عدم حاجة العالم الإسلامي للعلوم الوضعية، إلا في حدود ضيقة للغاية عندما تصبح فيها العلوم الوضعية خادمة لعلوم الشريعة المتعلقة بالعبادة والمعاملة.

وقد كانت الرؤية الكلامية أيضا وراء انتقاده لابن سينا، حيث اتهمه بالخروج عن الخط الفلسفي في ثلاث مسائل أساسية على الأقل. أول هذه المسائل ذات طابع ميتافيزيقي، وهي علاقة الوجود بالذات ؛ والثانية ذات طابع أنثروبولوجي، وهي مسألة طبيعة العقل الفعال ودوره في العالم ؛ والمسألة الثالثة ذات طبيعة إبيستيمولوجية تتصل بعلاقة العلم بالفلسفة وعلاقة العلوم فيما بينها.

فبصدد المسألة الميتافيزيقية كان جوهر انتقاده لابن سينا يدور حول إخضاعه نظرية الوجود للمنظور المنطقي، أي تحويله للإشكالية الوجودية إلى إشكالية منطقية، الأمر الذي يؤدي في نظر ابن رشد إلى تحويل الفلسفة إلى علم كلام. ومن علامات إخضاع الرؤية الأونطولوجية للرؤية الجدلية احتلال الإمكان مكان الصدارة في نظرية ابن سينا الفلسفية، مما آل به إلى فصل الماهية عن الوجود، واعتبار هذا الأخير عرضا للذات. كما أخذ على نظرية العقل السينيوية أنها وسّعت صلاحيات العقل الفعال الوجودية والمعرفية إلى درجة صار معها هذا العقل واهبا للصور بالمعنيين المعرفي والأونطولوجي. وهو ما يفضي حتماً إلى تعطيل الطبيعة والإنسان وسلبهما من فعلهما ومعقوليتهما الذاتية، فتصير الطبيعة مجرد مناسبة لتدخل صوره، العقل البشري مجرد مطلع وقارئ للمعرفة في مرآة العقل الفعال.

أما نظريته في العلاقة بين الفلسفة والعلوم الطبيعية، ففي نظر أبي الوليد لم يراع ابن سينا فيها مبدأ الاستقلال المتبادل بين الفلسفة والعلوم، مما أدى إلى إخضاع العلوم الطبيعية لعلم ما بعد الطبيعة، وليس العكس كما يذهب إلى ذلك ابن رشد. فأوكل للفلسفة مهمة البرهنة على مبادئ العلوم التي تحتها، مما يهدد الاستقلال الإبيستيملوجي للعلوم بعضها عن بعض. وقد انعكس هذا الطرح على الدليل على وجود الله، حيث استهجن ابن سينا، على العكس من ابن رشد، استعمال الحركة – التي هي موضوع العلم الطبيعي – في التدليل على وجود الله، بدعوى عدم شرعية البرهنة بالعرض (الحركة) على الجوهر (الله)، مفضّلا أن ينطلق في البرهنة على وجوده من على قسمة الجدلية للوجود إلى ممكن وواجب.

***

أما انتقاده للتصوف فيبدو في الظاهر أنه أقل حدة من انتقاده لعلم الكلام. ونذهب إلى أن السبب في هذه المرونة يعود إلى أن القول الصوفي لا يعرب عن مطامع هيمنية واضحة في الاستحواذ على خطاب الشريعة، والإحاطة بكل أبواب ومنافذ المعرفة النظرية كما هو الأمر بالنسبة لعلم الكلام، وإنما كان يقنع بحصر مجال اهتمامه في هوامش الشريعة، وفي الجزء الأخير من مقالة اللام من كتاب ما بعد الطبيعة، والجزء الأخير من الفصل الرابع من المقالة الثالثة والأخيرة من كتاب النفس، والمقالات الأخيرة من كتاب الأخلاق إلى نيقاموخوس، أي في الأجزاء التي تنظر في إمكان تجربة الاتصال أو الاتحاد بالمبدأ الأول. ولهذا لم يكن ابن رشد يرى في القول الصوفي منافسا جديا للقول الفلسفي. ومع ذلك فقد انتقده (لكن بشكل غير مباشر في الغالب) سواء من جهة الغاية التي ينشدها، أو من جهة الوسائل التي يلتمسها للوصول إلى غايته، أو من جهة رؤيته للعالَم. فبالنسبة لغاية التصوف، لا يمكن لابن رشد أن يقر بإمكانية الوحدة بالمبدأ الأول، أو حتى بإمكانية إدراكه إدراكا مباشرا في هذه الحياة، لعدة أسباب علمية تتصل بنظرية العقل والمعرفة وبنظرية الرؤية البصرية. وأقصى ما يسمح به ابن رشد للفيلسوف أن يبلغه في مسيرة تعاليه هو الاتصال بالمبادئ المفارقة لا بالمبدأ الأول. ومن جهة الوسائل، يعيب ابن رشد على تجربة التصوف أنها تظل حبيسة المستويات الحسية والعملية. فلا تستطيع تجاوز عتبة الجسم والخيال بملحقاتهما المختلفة إلى عالم العقل بمعارفه وعلومه النظرية. وهذا ما يُفقِد طريقة الصوفية الطابع العلمي الذي يستند إلى مقدمات وأقيسة قائمة على مبدأ الضرورة. وبعبارة ابن رشد نفسه، إن الصوفية « إنما يزعمون أن المعرفة بالله وبغيره من الموجودات شئ ُيلقَى في النفس عند تجريدها من العوارض الشهوانية وإقبالها بالفكر على المطلوب »، أي أن طريقتهم هي طريقة عملية قائمة على التطهير وانتظار المدد والعطاء الإلهي الذي لا يخضع لأي حتمية أو معقولية. كما يعترض ابن رشد على الصوفية من جهة الرؤية، ذلك أنها لا تقرّ بالسير الذاتي للطبيعة، وبقدرة الإنسان على الكشف عن قوانينها، وإنما ترى في الطبيعة تجلي من تجليات الإله أو آية من آياته، لا يجوز المساس بها أو العمل على فك أسرارها ورموزها بالوسائل العقلية.

لكن بالرغم من هذه الانتقادات لم يعارض ابن رشد وجود التصوف نفسه، وإنما عارض إمكانه وعواقبه الوخيمة على استمرار العلم والدولة : «ونحن نقول إن هذه الطريقة، وإن سلّمنا وجودها فإنها ليست عامة للناس بما هم ناس، ولو كانت هذه الطريقة هي المقصودة بالناس لبطلت طريقة النظر، ولكان وجودها بالناس عبثا، والقرآن كله دُعاء إلى النظر والاعتبار وتنبيه على طرق النظر»[iii]. لم يكن في نية ابن رشد إذن إقصاء القول الصوفي من المجال المعرفي الذي يوجد بين الشريعة والفلسفة كما فعل مع علم الكلام، وإنما اعتبره غير صالح للإنسان بما هو إنسان، أي بما هو حيوان عاقل، وبما هو مدني بالطبع. أما الإنسان بما هو خارج عن الطبع، فقد يحركه شوق للاطلاع على أسرار وخوارق هذه التجربة العجيبة. ويحتفظ لنا التاريخ بشهادتين بليغتين على تطلع ابن رشد نفسه للتأكد من خبايا القول الصوفي، وهما شهادة عبد الرحمان بن إبراهيم الخزرجى وشهادة محي الدين ابن عربي. فقد روى الخزرجى عن ابن رشد « قال بَعَثني أبو الوليد بن رشد من قرطبة، وقال لي إذا رأيت أبا العباس السبتي بمراكش فانظر مذهبه وأعلمني به. قال فجلست مع السبتي كثيرا إلى أن حصلت مذهبه، فأعلمته بذلك، فقال أبو الوليد هذا رجل مذهبه أن الوجود ينفعل بالجود، وهو مذهب فلان من قدماء الفلاسفة »[iv]. أما الشهادة الثانية فهي الشهادة المشهورة التي رواها ابن عربي في كتابه الفتوحات المكية، والتي زعم فيها أن ابن رشد رغب في لقائه به بطريقة ملتوية لمعرفة مقدار تطابق غايتي التصوف والفلسفة عند الوصول. ونفهم من تعاليق ابن رشد على هاتين الحادثتين أنه كان حريصا على ربط تجربة التصوف بالمرجعية الفلسفية، وكأنه كان يعتقد أن التصوف هو أحد أجناس القول الفلسفي الشاردة.

***

هكذا يتأكد لنا أن غاية ابن رشد لم تكن البحث عن مكان للفلسفة بجانب علم الكلام أو التصوف أو السعي لعقد مصالحة بينها، كما لم يكن يريد في المقابل قراءة الفلسفة بغيرها، أو استعمال الفلسفة آلة منهجية لتأسيس وتدعيم جنس قولي مغاير لها (علم الكلام)، وإنما كان يريد فقط أن يحتفظ لها بكيان مستقل عن هذا وذاك، كيان قائم على النظر إلى الوجود بعين العقل. لقد كان ابن رشد حريصا على أن يحتفظ للفلسفة بحريتها المطلقة، حتى تكون غايتها في ذاتها، وليس من أجل غيرها. لقد كان واعيا بأن أية محاولة لتبني القول الفلسفي للرؤية العرضية للوجود (ابن سينا) أو للرؤية الجوازية أو التوكلية للعالم (الأشعرية والتصوف)، سيجعل من هذا القول قولا مستحيلا. وهنا نقف على أحد أهم الدوافع التي كانت وراء اعتراضه على أيّ تقارب بين الفلسفة والكلام والتصوف، وهو خشيته من أن يؤدي ذلك التقارب إلى امتناع مشروعية العلم والفلسفة في فضاء الثقافة العربية الإسلامية.

وموازاة لذلك، كان ابن رشد حريصا على إبقاء الشريعة بعيدة عن العقلين الكلامي والصوفي، لأنهما باستعمالهما للتأويل، ذي الطابع الذاتي، يشوهان دلالات النص الشرعي. وبالفعل، فإن ما يأخذه ابن رشد على التأويل الذاتي أنه يعطي فرصة للذات لكي تظهر على ساحة الأحكام المعرفية والدلالية، مما يؤدي إلى تحويل الدلالة إلى رأي وعقيدة، مبعداً إياها عن مرتبة البداهة واليقين. هكذا يصور ابن رشد التأويل وكأنه أداة تشويه للمعرفة، ومصدر تشويه للدلالة، وللذات المتلقية لها. ولما كانت الذات المؤولة تنتج خطابا ذاتيا، فإنها ترهن مصيرها بالجمهور، في مقابل الذات البرهانية التي تنتج خطابا موضوعيا ومحايداً، لا أثر فيه للولاءات والعقائد والانفعالات، مما يحررها من تبعيتها للجمهور والانصياع لتوجيهاته المغرضة.

لم يكن غرض ابن رشد، إذن، أن يقوم بدور المتكلم، أي بمهمة الدفاع عن صلاح مذهبه وفساد المذاهب الأخرى، وإنما أراد أن يبرهن أن الفلسفة هي نظر في ’الوجود بما هو موجود‘، أي بأدوات الوجود نفسه. لقد جعل من محاربة الخلط بين القول الفلسفي والقولين الكلامي والصوفي رهان نظره الفلسفي، لا لأن هذين القولين لا يرقيان إلى مرتبة العلم وحسب، ولكن أيضا لأنهما يهددان وجودها، لأنهما يطمعان في أن يصبحا بديلا معرفيا وميتافيزيقيا لها. وما كان يخشاه هو ما حصل فعلاً في الزمن اللاحق لابن رشد. إذن يتعلق الأمر باستراتيجيتين متقابلتين تماماً، استراتيجية تسعى إلى إبعاد علم الكلام عن فضاء المعرفة العلمية والدينية معا، وهي استراتيجية ابن رشد، واستراتيجية تريد إضفاء الطابع العلمي والفلسفي على علم الكلام في مقابل جعل الفلسفة مجرد خادمة لعلم الكلام، وهي استراتيجية متكلمي الإسلام والمسيحية واليهودية.

هكذا كان على ابن رشد أن يتصدى لعلم الكلام من جهتي الفلسفة والشريعة، لأنه يشوش عليهما معا، أي على المعرفة والعقيدة ؛ على المعرفة لأنه كان يدعو للاستغناء عن العقل، وعن المبادئ التي تؤسسه كمبادئ السببية والضرورة والاتصال ؛ ويشوش الكلام على الشريعة لأنه بالتعريف علم للدفاع عن الفرقة الناجية، واتهام الفرق المخالفة بالمروق والخروج عن الطريق المستقيم، مما يَؤُول إلى بث التفرقة بين الجمهور وتقويض إيمانهم الفطري، دون أن يعوضهم بإيمان أكثر وثاقة من إيمان أهل الظاهر. وبهذا النحو يكون ابن رشد أكثر وعيا بعواقب الخلط بين جنس القول الفلسفي وجنسي القول الكلامي والصوفي من كثير من معاصرينا، الذين نجدهم يتهافتون على ترديد دعوى الخلط بين الفلسفة وغيرها من دون دراية، وإنما روايةً عن مستشرقين روّجوا لبدعة تزعم بأن العقل العربي الإسلامي غير مؤهل أصلاً للإبداع العلمي والفلسفي، وأن إبداعه لم يستطيع أبدا تخطي مجالي الكلام والتصوف. لم تنطل على ابن رشد لعبة الأشباه والنظائر في الموضوعات والمصطلحات كما يحدث لذوينا اليوم، إذ لا يكفي استعمال نفس الآلات والوسائل، والتطرق لنفس الموضوعات والمسائل، لكي نلغي الفوارق الجوهرية بين القول الفلسفي والقولين الكلام والصوفي، لأن العبرة في طبيعة الرؤية والرهانات، لا في الموضوعات والأدوات. رَفَض ابن رشد إذن الطريقين، الثالث والرابع، اللذين يوجدان بين الحكمة بالشريعة، طريق العقل التأويلي وطريق القلب الوجداني، مفضلا عليهما الطريقين الواضحين لأنهما يضمنان وحدة الحقيقة : طريق الوحي الذي يضمن وحدة الجمهور ووحدة الخاصة بالجمهور، وطريق العقل الذي يضمن وحدة الحقيقة لجمهرة الفلاسفة فقط.

ثالثا :  العالم بوصفه حركة واتصالاً

لقد وقفنا طويلا عند النقطتين السابقتين، إيمانا منّا بأن التفكير في المسافة الفاصلة أو الواصلة بين الحكمة والشريعة هي أيضا ممارسة فلسفية، سواء من ناحية رهانها أو ناحية الوسائل والأدوات التي تستعملها. فقد مكنه التفكير في تلك المساحة الفاصلة الواصلة، على الأقل مع نفسه، من الحيلولة دون أن تتحول الفلسفة إلى تيولوجيا أو إلى إينولوجيا (نظرية الواحد). لكن أهمية ابن رشد الفلسفية لا تتوقف فقط عند هذا الجانب السلبي والنضالي من رسالته، جانب تخليص الفلسفة من شوائب الكلام والتصوف، والذي عرف الغرب كيف يلتقطها على نحو جيد، سواء في القرون الوسطى أو عند عودته ثانية لفكر ابن رشد في القرن التاسع عشر مع رينان، لكن تلك الأهمية تتجاوز ذلك إلى تقديم رؤية بديلة للعالم. بعبارة أخرى، إن أهميته لا تنحصر فقط في كونه صاحب فصل المقال، والكشف عن مناهج الأدلة، وتهافت التهافت، ولكنها تمتد أيضا إلى كونه صاحب تلك المقالات والشروح المتنوعة على كتب ارسطو: البرهان والطبيعة والسماء والعالم والطب والنفس وما بعد الطبيعة، بالإضافة إلى شروحه وتلاخيصه على كتب أفلاطون وجالينوس وأبوقراط وابن سينا وابن باجة…

لقد تكلمنا سابقا عن عوامل مختلفة حركت أبا الوليد لمواجهة الكلام والتصوف، لكني أعتقد أن المحرك الفلسفي كان هو الحاسم، والمتمثل في رفضه للرؤية العرضية والذرية والإمكانية والعرفانية للعالم، لكونها تنتهي إلى غلق الآفاق أمام العقل والعلم، وحرمان الإنسان من تحمل كامل مسؤوليته إزاء ذاته وحيال العالم. أما البديل الذي قدمه فهو رؤية متكاملة ومتمفصلة للعالم، نكتفي بذكر جانبين منها على وجه الإيجاز، أحدهما يتعلق بنظرته إلى الوجود والطبيعة، والآخر يخص موقفه من الذات البشرية.

1. تميزت نظرته إلى الوجود بكونها نظرة وحدة وربط على ثلاثة أصعدة أساسية، فهي تربط ربطا ذاتيا بين الواحد والموجود، والموجود والماهية، والوجود والحركة، الأمر الذي أفرز فلسفة جوهرية وضرورية وعقلانية للوجود. كانت غاية الوحدة الأولى إثبات أن دلالة الواحد هي نفسها دلالة الموجود والعكس، أي أنهما متلازمين تلازما انعكاسيا، فكل ما يصدق على أحدهما يصدق على الآخر ؛ وكانت غاية الوحدة الثانية إثبات المساوقة بين الوجود والماهية، ورفض أية عرضية أو مفارقة أو أسبقية أحدهما للآخر ؛ أما غاية الوحدة الثالثة فكانت إثبات أن الحركة جوهر العالم، وأن فعل الوجود موجود داخل العالم وليس وارداً عليه من خارج، شأنه في ذلك شأن فعل العقل الذي يوجد في داخل الإنسان. هكذا يكون التلازم والمساوقة وامتلاك الموجودات لفعلها الداخلي هي أشكال الوحدة التي تؤسس لرؤية ابن رشد للعالم.

من جهة أخرى، بوسعنا، انطلاقا من هذه الرؤية، أن ننظر إلى العالم من ثلاث مقولات. فعندما ننظر إليه من خلال مقولة الجوهر تتراءى لنا الطبيعة والأشياء ممتلئة بفعلها، بماهيتها ومعقوليتها ؛ وحينما ننظر إلى العالم عبر الحركة يتجلى لنا عالما حيا متغيرا متضادا دائم التحول بين الكون والفساد وغير قابل للتوقف لحظة واحدة ؛ أما إذا نظرنا إلى العالم من خلال مقولة الإضافة، فإن الموجودات ستظهر لنا عبارة عن نسبة وانتساب: انتساب المقولات العرضية إلى مقولة الجوهر، والصورة إلى المادة، والفصل إلى الجنس، وانتساب الضدين إلى جنسهما المشترك، وانتساب الكثرة إلى الواحد، وانتساب الواحد للموجود… باختصار يمكن أن نقول إن الأونطولوجية الرشدية تتميز بكونها أونطولوجية جوهرية، لكنها في نفس الوقت، أونطولوجية الحركة واتصال، على أن لا نفهم من الاتصال بالمعنى الذي استعملناه به في الفقرة الأولى، أي الاتصال بمعناه التقابلي الإضافي، بل بمعنى ينتمي إلى عالم الطبيعة، والذي يستمد دلالته خاصة من مقولة الكم.

حاول ابن رشد ضمن هذه الأونطولوجية أن يكون عدلا في موقفه، حيث تلافى أن يغلّب عنصرا على آخر. فلم يمل مثلا إلى جانب ميتافيزيقا الواحد، كما فعلت الصوفية مقتفية في ذلك آثار الأفلاطونية المحدثة ؛ ولا انساق مع الميتافيزيقا الذرية، كما جرى لعلماء الكلام ؛ ولا جنح إلى ميتافيزيقا عرضية الوجود، كما ظهرت عند ابن سينا، بل حاول أن يبقى على مسافة متساوية من هذه الرؤى. وقد تجلى هذا الموقف العدل في استعماله المتوازن للمقولات والمتقابلات، للمبادئ واللواحق، وفي ربطه بين النظرة الجوهرية والنظرة التناسبية، بين النظرة الضدية ونظرة الإخراج إلى الفعل، بين النظرة الذرية والنظرة المادية. وهو قد فعل كل ذلك من أجل أن يبدو العالم متنوعا متحولاً غنياً قابلا للقراءة، ومن أجل أن يحتل العقل، ومن خلاله الإنسان، المرتبة الأولى في مشهده الفلسفي. إن هذا المركب النظري من المفاهيم والتوازنات يدل على أن إرادة ابن رشد الفلسفية في الاستقلال بالخطاب الفلسفي عن الشريعة لم تكن مجرد لعبة لإحداث توافق سطحي بين الحكمة والشريعة، بين الإنسان والإله، ولكنها كانت إرادة واعية بالرهان الذي تؤم إليه. لقد كان ابن رشد يرمي إلى حث الإنسان على تحمل مسؤولية خلافة الله في الأرض مَعرفةً وإبداعاً.

2. الجانب الثاني من رؤية ابن رشد الفلسفية يقوم على السببية والبرهان ووحدة العقل على صعيد الطبيعة والمعرفة والإنسان، وهي انعكاس للرؤية الأونطولوجية التي سبق أن رسمنا معالمها الأساسية في الفقرة السابقة. إن معنى اشتراك الطبيعة والإنسان في نفس المعنى، وهو معنى النظام والترتيب، الذي هو المعنى القوي للعقل، يسمح بالتواصل بينهما. إذن ليست هناك ثغرة وجودية بين الإنسان والعالم، فكلاهما يملك عقلا، وكلاهما يملك ذاتا وأفعالا. غير أنهما يملكان ذلك بجهتين مختلفتين، فالطبيعة تملك عقلا على شكل معقولية غير واعية بذاتها، بينما يوجد العقل في الإنسان على هيئة عقلانية واعية بذاتها. غير أن العقلانية الرشدية تميل إلى الاتصال بالطبيعة والانفتاح عليها، لا السيطرة عليها وإخضاعها، كما دأبت على ذلك العقلانية الحديثة. موازاة لذلك، لا تتحقق الذات، أي لا تحصل على وعيها بنفسها، إلا من خلال الموضوع، أي عبر تحويلها العالم إلى معرفة علمية مبرهن عليها. وإذا جاز لنا أن نتخيل كوجيتاً رشديا، فإنه لن يكون نتيجة سلب وإفراغ الذات من أي أثر للعالم، بل بالعكس سيكون نتيجة ملئها به. وهذا هو معنى حرص ابن رشد الدائم على أن تكون الذات البشرية ذاتا عالمة، أي ذات محايدة وقابلة للتواصل والتفاعل مع الذوات الأخرى، لا ذاتا فردية منكفئة على نفسها، مكتفية بحيثياتها الانفعالية والوجدانية والاجتماعية والملية.

ومن نتائج جعل الذات مشروطة بالموضوع أن يصبح هذا الأخير مكيالا للذات. لكن إذا تذكرنا أن الموضوع لا يصبح معقولا بالفعل إلا عبر العقل بفضل مبادئه البسيطة القادرة على تقديره، فإن العقل، أو الذات، هي التي تصبح مكيالا للوجود. غير أنها لا تكون كذلك، أي لا تستطيع أن تكيل الموجودات وتعرفها، إلا إذا استمدت مبادئها من الوجود نفسه. في مقابل ذلك، لا يستطيع الوجودُ أن يجعل العقلَ واعيا بذاته، إلا لكون الذات استطاعت أن تقرأه وتحوله إلى معرفة في داخلها. إن هذه المساوقة بين العقل والوجود هي التي سمحت لابن رشد أن يقول بأن كل موجود معقول، لكن دون أن يتمم العبارة المنعكسة كما فعل الفارابي، وهي أن كل معقول موجود، لأن الموجود هناك سواء عقلناه أم لم نعقله.

ونعود لوحدة العقل لنقول بأنه مهما قيل اليوم عن تعدد العقل وتاريخيته، فإننا لا نستطيع أن نتخلى عن القول بوحدة العقل البشري، أي وحدة الإنسانية في مبادئ وطرائق تفكيرها، لأننا نعتقد أن نظرية وحدة العقل ستظل من الجوانب المضيئة والحية في الفلسفة الرشدية، والتي يجب تحيينها لمواجهة ’سوء المزاج‘ (بالمعنى الطبي القديم) الذي يطبع النزعات المركزية لبعض الثقافات. إن صدور ابن رشد عن رؤية كونية وشمولية للعالم جعله يترفع عن أن يرى الفلسفة وكأنها طبيعة وغريزة ثابتة تنفرد بها ثقافة أو هوية أو عرق دون آخر. لقد كان أبو الوليد يعتبر الفلسفة قولا موجها لكل الناس ومفتوحا على جميع الثقافات واللغات، لا إلى إنسان دون آخر، أو ثقافة دون أخرى. وبهذا يكون ابن رشد متقدما على كثير من الفلاسفة الغربيين الذين لا يخجلون من جعل الفلسفة علامة على تفوق عرق أو حضارة على باقي الحضارات.

إننا بالفعل نشعر بالحاجة إلى رجل مثل ابن رشد في هذا الزمن، الزمن الذي طغى فيه فكر الاختلاف والتضاد، وانتشرت فيه حمى صراع الحضارات والثقافات، وتنخره كل ضروب الأصوليات العرقية والدينية، وكل النزعات الهوياتية والتفكيكية، الزمن الهش القلق المنذر بكل المخاطر، لأن مثل هذا الرجل من شأنه أن ينبهنا إلى ضرورة وجود نقطة ثابتة نلوذ إليها أمام هذه الدوامة الطاحنة. إن ابن رشد يعلّمنا أنه بالرغم من كل الصراعات بإمكاننا العثور على مكان محايد نلتقي فيه جميعا، مكان قوامه قيم الحق الواحد والعقل الواحد، مكان يمكن أن يشكل ملامح حضارة جديدة. إن فكراً كفكر ابن رشد يمنحنا نوعا من الثقة بأن قتلة الحق والعقل لا يمكن أن يعيشوا دائما على تشويه الحقيقة، والتجارة بالباطل حقا ؛ فللحق قوته الداخلية التي تتجاوز قوة المدافع والغازات والطائرات. هكذا تبقى من ابن رشد عبارة ’الحق لا يضاد الحق‘ التي تختفي وراءها كل إشكالياتنا التي نواجهها اليوم : الذات والآخر، العقل والحق، المعرفة والإيمان، الوجود والهوية. ومع ذاك، فمن أجل أن نكون أوفياء لروح ابن رشد علينا تحيين هذه العبارة الساحرة.

[i] . بصدد اللحظات التأويلية في فلسفة ابن رشد انظر كتابنا الوجه الآخر لحداثة ابن رشد، بيروت، 1998، ص 98-99.

[ii] . بصدد نظرية الغزالي في العقل وعلاقة هذا الأخير بالعالم، انظر كتابنا من المعرفة إلى العقل، بيروت، 1990، ص 83-104 ؛ وبصدد نظريته في الواحد والوحدة، انظر كتابنا دلالات وإشكالات، الرباط، 1988، ص 85-112.

[iii] . ابن رشد، الكشف عن مناهج الأدلة، تحقيق م. قاسم، القاهرة، 1949، ص 149 ؟ ؛ ونعتقد أن ابن رشد كان يعني الصوفية عندما عارض إمكان تحصيل المعرفة النظرية بالرؤيا : « وأما العلوم النظرية فيبعد أن يكون ذلك فيها، إذ لو كان فيها ذلك لكان النظر فيها أمرا باطلا وعبثا، وذلك أن في طباع الإنسان أن يدرك العلوم النظرية في ما فطر عليه أولا من المقدمات الأولى، فلو كان يدركها دون مقدمات، لكانت المقدمات الأولى فيها عبثا، كما أنه لو أمكنه السعي دون القدمين، لكانت القدمان فيه عبثا وباطلا، والطبيعة تأبى ذلك. وبالجملة إن حصل معقول من معقولات العلوم النظرية بهذا النوع فبالعرض وأقليا. ولذلك لا يمكن أن يلتئم منه صناعة نظرية، اللهم إلا أن يضع إنسان أن هاهنا أصنافا من الناس يدركون العلوم النظرية بغير تعلم. وهذا الصنف إن كان موجودا، فهو ناس باشتراك الاسم، بل هم إن يكونوا ملائكة أقرب منهم أن يكونوا أناسا، وقد يظهر أن هذا ممتنع مما أقوله.» تلخيص لكتاب الحس والمحسوس، صبي بلومبرج، كامبردج، ماساشوسيت، 1972، ص 89-90. ؛ وفي نهاية برهنة طويلة يقول: « وأما إن قال قائل قد يمكن أن تحصل خيالات الأمور النظرية لصنف بهذا النحو من الإدراك، فهو ممتنع من قبل أن حصولها بهذه الجهة هو فضل، لأنه قد حصلت للإنسان من جهة آلاته، إلا أن يقول قائل، عسى أن يكون هذا النوع من الإدراك موجودا لمن ليس يمكن فيهم تعلم العلوم النظرية، إما بالطبع وإما بغير ذلك، وهؤلاء إن كانوا موجودين فهم ناس باشتراك الاسم» 90-91.

[iv] . أبو يعقوب يوسف بن يحي التادلي المعروف بابن الزيات، التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبى العباس السبتي، تحقيق. احمد التوفيق، الرباط 1984، ص ؟

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial