الوجه الباطني للإستبداد والتسلط في طبيعة السلطة السياسية العربية: قراءة في التجربة الديمقراطية المتعثرة في الجزائر

 الدكتور بومدين بوزيد

“عقلانية المعلوماتية” تتجاوز عقلانيات وحداثات سابقة وتضع لنفسها الكوجيتو الخاص بها في عالم يتجه نحو عولمة يرى فيها بعض فلاسفة هذا العصر الغلبة والإنتصار للنمط الليبرالي الغربي ، وهي نهاية (قيامة) بطريقة لم تتحدث عنها الأديان وكتب نهاية العالم بهذا الشكل ، وإن كانت فلسفة “الإختلاف الدريدية” تنتقد هذه الأفكار الأمريكية بخصوص النهايات وتسخر من المنطق الداخلي الذي تتميز به فهو منطق هيمني يتسم بالغرور

مهما كان الخلاف حول فلسفة النهايات ، وهل فعلا ينتهي العالم إلى النمط الليبرالي الغربي أم سيكون الصراع بين القيم والعقائد ويرتسم العالم على أساس الشرق والغرب ؟ ، فإنّ نصيب العرب في هذه العقلانية الجديدة يكاد أن يكون غائباً في ظل إستمرار للإستبداد ولإشكالات فكرية وسياسية وهمية ظلت تلاك منذ قرن من الزمن ، لم نحقق الإقلاع النهضوي وظلّت الخطابات الشعبوية المشبعة بقيم التخلف مهيمنة واستمرت ببقاء الدولة الوطنية القائمة على العسكر ومنطق القبيلة التي كان من المنطق التاريخي أن تبقى مرحلة زمنية كحاجة تاريخية ثم تزول ، ولكنها للإسف إستمرت فخلقت الدولة الهجينة وتآكلت من الداخل وأفرزت نقائضها ، نقائض تفكر بنفس الآليات ، فبقيت المرجعيات والمحددات التاريخية والعشائرية هي الحاضرة دوماً والتحكم إلى المقدس في حالات التنازع والتقاتل. 

    إن هذا الخلط وإزالة الحدود الفاصلة بين الأنظمة الفكرية أو الدينية أو الشعائرية هو المؤدي إلى إنتاج مقولات إعدام الآخر الممتلك لأنظمة فكرية غير هجينة وتفرق بين ماهو ديني ودنيوي وماهو ماض وماهو حاضر ، هذه الأنظمة تتسم بالتمايز والوضوح ، وهو بهذا الإنفصال وطابع العلمية يشكل خطراً وتهديداً على الأنظمة غير المقننة والمحددة والتي تتسم في الغالب بطابع التداخل ولاتستطيع التحرر من هيمنة “الذاكرة” بل على العكس أحياناً هذه الأنظمة هي التي تهيمن على هذه الذاكرة باحتوائها وتأويلها تأويلاً أحادياً ضيقاً نفعياً، ومن هنا يكون العجز إما في إقامة التحاور مع “أنظمة العقل” المتحررة من المرجعية الذاكرية المستبدة أو في إنتاج مقولات حداثية ، أو في الإجابة عن التحديات الراهنية .

الأزمات المنهجية والمفهومية في الفكر العربي المعاصر ترتبط في جزء منها بهذه الأنظمة الذاكرية التي إنتعشت أكثر في بلدان عرفت باسم “الدولة الوطنية” المفتقدة إلى الشرعيات العقلية ماعدا الشرعية التاريخية ولعل إرتباط جزء كبير من المثقفين العرب بتنظير هذه الذاكرة هو الذي حال دون إبداع فكر عربي حداثي دون مرجعية ماضوية أو حاضرة(ماركسية أو فلسفات غربية أخرى) هي ماض بالنسبة لنا ليس بالمعنى الزمني ولكن بالمعنى الحضاري بمقياس الإبداع والتجديد والقدرة على تبيئة المفاهيم والمنهجية التي نتأثر بها ، فهي ماض رغم زمانيتها ، ولإنها كذلك إستجابة لوضع وقيم حضارية تتميز عنا .

      مهما كانت الخطابات الثقافية أو السياسية اليوم المحددة بآليات هي في جوهرها -كما قلت عائقاً- أمام القدرة على التجديد والإبداع والمشاركة المثلية في الحضارة الإنسانية القائمة والتي ستتطور بسرعة في القرن الجديد ، فإننا بالتأكيد ستفرض علينا هذه العولمة التخلي عن كثير من القضايا المستهلكة في فكرنا العربي المعاصر ، كما سنتخلى إضطراراً عن الإحتكام إلى الشرعيات التاريخية أو إلى المقدس أو البقاء ضمن التأطير العشائري أو بناء الحسابات السياسية على أساس نصيب الغنيم.

-1-

الإجنهادات المتنوعة اليوم في حقلي الفكر السياسي والأخلاقي-الإيطيقي في الغرب يمتد فضاءها النصي والممارساتي من الأنواريين في العصر الكلاسيكي كـ”مل”و”جون لوك”و”روسو” إلى أبرز مفكر أمريكي اليوم “جون راولس” John Rawls صاحب كتاب ” نظرية العدالة” الذي صدر سنة 1971 بالإنجليزية وترجم إلى الفرنسية عام 1987 ، وقد لقي رواجاً كبيراً وترجم للغات أخرى وللأسف لم يترجم إلى العربية إلى اليوم حسب علمي رغم أهميته الآنية بالنسبة للعدالة المريضة عندنا ووضع حقوق الإنسان المتدهور (1) .

   كما يتم التوجّه نحو مايسمّى “إيطيقا السياسة” أي البحث في قيم وأخلاقيات الممارسة السياسية، وهذا له علاقة أيضا بمايسمّى “أخلاق وثقافة التواصل” (2)، هي دراسات وأبحاث لقيت رواجا بعد سقوط السوفيات وهيمنة أمريكا ، وكانت الأطروحة المشتركة إعتبار الأنظمة التوتاليتارية التي أنتجت الحربين العالميتين رمزاً للشر بل هي الشر بتعبير صاحبة أشهر نظرية حول الأنظمة الشمولولية “حنا أرندت”(3) ، ويحاول الإعلام الأمريكي اليوم وبعض الأوربيين بعد 11سبتمبر تصوير هذا الشر مستمراً من خلال الإرهاب (4).

مايلفت الإنتباه في المراجعات والإجتهادات الحاصلة في مثل هذه الأعمال : هو نقد الليبرالية المعاصرة واعتبارها منحرفة عن المبادىء الإنسانية التي قامت من أجلها ، سواء في تحويل المواطن إلى أداة كبقية الأدوات والتكنولوجيا ، وقهره داخل المؤسسة ، ومن هنا الحديث عن العدالة بمعنى إعادة فرديته وإنسانيته في مؤسسات عادلة تتواصل معه كإنسان ، وهناك ايضاُ الإهتمام بقضية “الجماعية ” أو “حقوق الأقلية ، خصوصاُ اللسانية ” ويعتبر الفيلسوف الكندي “شارل تايلور” (5) أبرز المتحدثين عن هذه المسألة ، فمسألة الهوية تطرح كمشكل “عدالة توزيعية” ويطرح هذا المفكر وزملاؤه في هذا الميدان صيغة ” المواطنة المتعددة-ثقافياً” ، أي عدالة توزيع “الحقوق الثقافية” التي تسمح باحترام الفرديات ، التي تبنى اساساً على “حقوق الجماعة” ثقافياً (6)، وهنا نلمح النقد القوي للعصر الأنواري الذي أعلى من شأن حقوق الفرد ، فالتعبيرات الثقافية المتنوعة هي “حقوق جماعية” ومحكومة  بثلاثة أسباب عقلانية : [ حيادية الدولة ، وفردانية أخلاقية ، ومبدأ الإنصاف ، أي أن كل مجموعة تأخذ نفس الحق] .

     أما نحن في المجتمعات العربية –خصوصاُ دول المغرب العربي – فمازلنا أمام خيار واحد ، خيار النموذج الأنواري البحت في صيغته الفرنسية التي ورثنا جزءا منها رديئاُ ، والمستهلكة تقليدا وتكراراً بوعي أو بغير وعي عند بعض ليبراليينا (المثقف أوالسياسي) ، فهناك اليوم صيغ واجتهادات عديدة إلى جانب ميراثنا الحضاري ، ولو أنه –أي هذا الميراث- في سنيته الرسمية  المعثمنة (7)فيما بعد مغلف ومحكوم ومغلق بفكرة “المستبد العادل” الذي لم يكن عادلاً ، وبقاعدة ” إن الله يزع بالسلطان مالايزع بالقرآن” ، وهنا نتذكر الرحالة “أبا حامد الغرناطي” حين أوّل الحديث النبوي التالي –ولايزال هذا صالحاً أي التأويل إلى اليوم – ” الدنيا قبر المؤمن وجنة الكافر”  ، وتأويله : أن الؤمنين يعيشون قبراً بظلم حكامهم وطغيانهم والكافرين في نعمة جنة العدل والخير ، لقد مرّ هذا الرحالة بدول أوربية كانت بدأت تنهض في القرن الثاني عشر والثالث عشر ميلاديين .

      إن عملية التواصل أو القطع مع بيئتنا التاريخية وذاكرتنا يختلف من بلد عربي لآخر ، فالجزائر ليست السعودية أو المغرب مثلا ، فالإختراق الكولينيالي –الليبرالي ضرب كل مايمت بصلة لتركيبة السلطة التقليدية ، ولكنها ساهمت في خلق نمط دولة خرجت من رحم المرحلة السابقة مازالت مستمرة معنا ، سواء في البنية الإدارية أو بعض المدونات القانونية أوبعض القيم السائدة في الحكم والتسيير ، وهو عامل كان وراء الهزات العنيفة منذ أحداث أكتوبر 1989 ومالحقها من توقيف الإنتخابات بداية التسعينات من القرن الماضي ، فمازال اللاإستقرار هو الإستقرار وهو الشيء العادي ، وقد يستمر لسنوات أخرى  ، إنه التدهور السياسي وتعدد المتاهات والمخارج ويبرز ذلك جليا كلما أقبلنا على إنتخابات ما .

  ففي الجزائر ستبقى الهوية مصدراً للنزاع وقد يكون هذا النزاع إبداعياً إذا كان حضارياً وبوعي ولكن حين يصيرمتكئاً سياسياً أو لتحافظ بها الجماعات أو الطوائف العرقية واللغوية على بقائها واستمرارها فإنه ينتج الصدام والعنف والإقصاء والكراهية ، إن هويتنا الوطنية مأزومة اليوم والمثقف تقريباً غائباً لاينتج المعرفة المتعلقة بهذه المسائل ولايجيب عن التحديات الراهنية ، ماذا تصنع هوية يراد لها أن تستمر بالقرارات وتأسيس المجالس العليا أو يكون مطلب لرفض بقرارات لجزء منها ؟ إن الذين يقررون أو يرفضون مهما بدا لنا من تعارضهم فهم عقل واحد ينتج نصاً واحداً ويكرسون آليات واحدة ، والمثقف العربي له إمكانة المساهمة الفعالة في كشف المنطق الداخلي لهذا التفكير وعوائقه المنهجية وتحليل وسائله المفهومية بتلمس العناصر المشتركة التي تجعل مايبدوا متعارضا ومتنافرا على مستوى الخطاب هو عقل واحد يكرس نمطية في التفكير مستنسخة ، ومن هذه العناصر :

-1- الصراع حول إمتلاك المقدس : إستخدام المقدس تم إستخدامه من طرف النظام قبل المعارضة فهو أحد أبعاد الحقل السياسي ويشكل المخيلة الإجتماعية وينتعش من خلال جدل الحضور والإختلاف ، ففي غيابه حضوره .

-2- الثنائيات والتلفيقية : إننا مغرمون بالأزواج (الثنائيات) ، وحين تتعبنا أونعجز عن المخرج من المأزق نلجأ إلى التلفيقية Syncrétisme ، هي أزواج مغلوقة وليست مفتوحة مفقرة ، وحتى عندما يراد الخروج منها أو ترضية الأطراف المتناقضة يُنتهى إلى تلفيقية مبسطة-كما قلت- لاتغني ولاتسمن من جوع ، إنها وسطية وهمية شبهها أحد الكتاب العرب بـ”النخلة العربية” التي تسمح بتجاور الشيئين وأحياناً الضدين ، “إن رأسها في الشمس وأقدامها في الماء” .

-3- نمذجة التفكير : إن النموذج حاضر دوماً في مناقشاتنا قد يكون عامل إبداع ولكنه في حالتنا معوقاً للتفكير الخلاق حين يكون تفكيرنا عاجز عن التفكير إلا ضمن النموذج  ، قد يكون ماضياً أو حاضراً وغالباً مايوقعنا في آلية التماثلية والمقارنة .(8)

-2-

اللاإستقرار هنا معناه عدم رسوخ المؤسسسات وسيادة القانون ، فهناك تداخل للصلاحيات والـتاويلات الفاسدة للقانون ، كما كان ومازال التأويل الفاسد للتاريخ والذاكرة ، فلا فاصل بين المشرع والمنفذ والمعاقب –بكسر القاف- وتبرز هذه المظاهر أكثر في الدولة المفتقدة للشرعية الديمقراطية أو التي تنتقل إلى حصر السلطات في يد الزعيم ، وفي مجتمعاتنا هناك سهولة في بروز الفردانية الملهمة الكاريزمية التي تكون مبشرة  ومنذرة على الطريقة النبوية المهدوية ، فهناك المكونات النفسية والإجتماعية التي يتم في أي لحضة إستدعاؤها وتنشيطها(9) ، قد تكون حاجة تاريخية في ظروف معينة للتحرير أو لدرء الخطر الخارجي ، ولكن في الظروف العادية تكون وبالا على الديمقراطية والحريات.

وغالبا ماتكون الشخصية المنفردة بالسلطة مريضة ، فهي تسعى نحو القهر  وترى ذاتها لها الفضل في التاريخ وتعيش وهم “الدين”-بتسكين الياء- أي أن الآخرين عليهم دينا يردونه ، فنكون علاقته بأمته علاقة مديونية ، ويصاحب هذه الهستريا ثقافة وقيم تعمل على تنشيط مخيال الزعامة ، وتصوره على أنه هو المنقذ ، وتصوروا معي حينما يطرح السؤال التالي : وهل يوجد أفضل من هذا الحاكم ؟ إنه الخطيب المفوه ، هل يوجد بليغ مثله ؟ لاحظوا مازال البيان سحرا عند مثقفينا وفي تنشيط مخيالنا ، هي الخطابة التي يستمتعون بها ويتوهمون الخروج من التخلف والفوضى والعنف (10) ، ومن هنا يمكن كذلك فهم التعاطف مع صدام ضد الأمريكيين الذي يحيلنا على صورة جمال عبدالناصر أو بومدين ، إنه تعاطف الذين يشعرون بالعدوان والظلم من الغرب ويتوهمون أن هذه الزعامات المحتكرة للذاكرة والتاريخ هي التي تخلصنا من إسرائيل والغرب وتعطينا التفوق ، في حين أنها لن تجلب سوى مزيد من المآسي .

 أليس من العجب أن يُتصور لاحقا إنه ولي من أولياء الله (11) مادامت المشايخ الطرقية يدعون له بالنصر ؟ ، ويذكروننا هؤلاء بما قام به بعض أجدادهم في الدعوة بالخير والنصر لبعض البايات والدايات في العهد التركي الذين تميز عهدهم بالظلم وسفك الدماء ، ؟ إن هؤلاء لايدركون التصوف في جوهره النقي كما نقرأه في الحكم العطائية أو نصوص محي الدين بن عربي أو غوثيات سيدي أبي مدين التلمساني ، أو ماتركه من آثار ألامير عبدالقادر الجزائري (12) .

إن مفهوم الشر (13) رغم أصوله اللاهوتية والأسطورية يتكرر ويتجسد أساساً من خلال طبيعة الأنظمة ، فالشر في الجزائر  منذ سنوات هو الإرهاب والتسلط الذي قد يدمّر كل شيء ، وهو تسلط مرتبط بمجموعات المصالح ، فما معنى اليوم أن نتهاوى إلى هذا الحضيض وبدل الخلاف حول الافكار والقيم والمشاريع والبرامج نختلف حول الأشخاص فتكون العصبية والعشائرية وعقلية اللصوصية هي المستحكمة ، والتطورات الحاصلة اليوم هي إنزلاقات خطيرة نحو ضرب مظهرين كان علينا تطويرهما وتحديثهما ، الظاهرة الحزبية بتفتيتها وإفراغها من محتواها وجوهر معارضتها ، والظاهرة الإعلامية بتكميم الأفواه وسجن الصحفيين (14) ، في حين يتم إغداق الأموال ومسح الديون ونسيانها لجرائد أخرى تهتف باسم الرئيس وتلعن كل معارض ، ولايستحي بعض مالكي هذه الجرائد في الإشادة بدور الأمن باستجواب وسجن الصحفيين ويدافعون عن بوتفليقة بلغة مبدأية وهم في ذلك يبزنسون بمواقفهم ويحاولون الضحك على القارئ ، فبعضهم لايصلح إلا أن يكون حوانتيا بقالا لاعلاقة له لا بالمهنة الإعلامية ولابالسياسة (15) .

  إن أنظمتنا العربية لم تستطع تجاوز الإستبداد كشكل تسلّطي أو كسلوك يومي في المؤسسات وحتى كثقافة وقيم ، بل يتواجد أحياناً حتى في الأحزاب المعارضة التي تطالب بالديمقراطية  ، هي أشكال إنتقدها “عبد الرحمان الكواكبي” في القرن التاسع عشر ومازالت قائمة بل أحياناُ بصورة أسوأ ، بعضها –أي هذه الأنظمة العربية- يتهاوى بفعل القوى الخارجية والضّغط الدولي (16) .

-3-

هناك أنظمة عربية ذات طبيعة معقدة قد تتداخل فيها مراحل مواصفات سلطوية في وقت واحد وتنمحي التمايزات ، قد يسميه البعض الهجانة (17) ولكن يمكننا تسميته بـ”سلطة العصب المقرصنة” (18) ، فليست بالأحزاب أو التنظيمات الواضحة ، هي مجموعات تشكل عصب أو قبائل تتنازع حول المال والإستحواذ على مصادر القرار وبالتالي هي ذات سلوك قرصني مدمر ، والمثال هنا الجزائر ، التي يفاخر مسؤولوها وبعض مثقفيها العوام بالديمقراطية وأنها دولة المؤسسات .

   إضافة إلى مايتحدث عنه الكثيرون من تسلط الجيش (19) والعصابات المافياوية على الحكم ، هناك عوامل أخرى يمكن ذكرها ووصفها وهي ضرورية في فهم طبيعة التسلط في النظام الجزائري الذي قد يكون مرتبطاً أحينا بطبيحة الحاكم أو الجماعة الحاكمة ، وإذا ماأردنا مقاربة فهم طبيعة الحاكم عندنا — رغم طبعا التباين والتمايز أحيانا –  يمكن ذكر العوامل الثلاثة التالية التي تشكل طابع الهيمنة الفردية وتخلق المحاكاة حتى عند المسؤولين على مستويات أخرى في السلطة:

“المديونية التاريخية ” التي يتميز بها الحاكم ، وهي شعور وقناعة متوارثة عند جيل معين ومجموعة معينة ترى أن البلد والشعب مديونان لهم بكونهم قادوا بلدهم إلى الإستقلال ، وبالتي فإن إنتخاب الشعب لهم وقبولهم والرضى بهم والهتاف بحياتهم هو ردّ لهذا الدين _بفتح الدال وتسكين الياء- ، والشعور بـ”المديونية التاريخية “، أي كون الأخر يؤدي دينا في علاقته بالحاكم لاتوجد عند الانظمة الديمقراطية المعاصرة اليوم ، قد لايصرح الحاكم العربي ، بذلك ولكنه يعاني منه كحالة مرضية تطورت واستعصي علاجها ، خصوصا إذا كان البعض من هؤلاء عُزل وحرم من السلطة ، ويعود إليها محملا بالغيض والحنق ، ويبالغ محيطوه ومناصروه في إعتباره المنقذ الوحيد لهذا البلد ويُصدّق ذلك هو نفسه ويتحول لديه إلى حالة نفسية مرتبطة بالشعور بالمديونية التاريخية ، ومن هنا علاقته مع التاريخ علاقة تسلط ويحاول فرض قراءته هو للأحداث ، بل قد يحتكر إنجاز الدولة  في مرحلة ما لنفسه باعتبار هو أحد اعضاء القيادة حينها ، وآخر قد يختار مرحلة أخرى تقيم كمرحلة تقدم وإنجاز .

“المزاجية المتقلبة” : قد يقع التعارض والتناقض في موقف هذا الحاكم أو ذاك على إعتبار مصلحي أو إستراجيجي وتكتيكي في مقارعة خصومه والإنتصار عليهم ، ولكنه قد يعود إلى طبيعة مزاجية متقلبة يبيت على حال ويصبح على حال أخرى ، يرضى اليوم عنك وغدا هو ساخط عليك ، وقد كتب أجدادنا في نصوصهم الخاصة بالإمارة على أن هؤلاء قد يفسدون الملك والحكم ولزمهم الردع من المسشتارين والمقربين إذا كانوا مخلصين غير متملقين ومتزلفين وقد لاحظ ذلك “إبن المقفع” وغيره الذين عاصروا خلفاء وأمراء من هذا النوع ، هذه المزاجية قد تعود إلى طبيعة الطفولة المحرومة ولكن بالتأكيد أن الشعور بالمدينونية التاريخية له حضوره في طبيعة هذه المزاجية المتقلبة.

“الوهم بالمهدوية” نستعمل هنا المهدوية كحالة نفسية يشعر به الحاكم أو يعتقدها مناصروه، وليس كمذهب ومعتقد فلها سياقاتها التاريخية والثقافية ، ولكنها حالة مركبة قد تنهل من المتوارث الديني والعاقائدي لفكرة المهدي المنتظر ، أعجبني تعبير زميل لي بالجامعة حين راح بوتفليقة يدشن حملته الأولى للرئاسيات “أنه بدأ من تأبين بومدين” (20) جاء وفي ذاكرة الشعب صورة ذلك الشاب ذو الصوت الرخيم البليغ وهو يؤبن الراحل هواري بومدين في مقبرة العالية ، إنه تأبين لمرحلة سابقة وليس لشخص الرئيس ثم إختفى ليعود كهلا ولكن بنفس الصوت والبلاغة لا ليؤبن ولكن ليبعث هو من الرماد طيرا يلتف حوله بعض مشايخ الزوايا ويصورنه الطير المبارك الآتي بالغيث ، يعيد إستحضار صورة البرنوس وصورة بومدين وصورة الجماهير الهاتفة بالوطنية في زمن الإنكسارات والدماء البريئة التي يلعقها الإرهابيون متلذذين بموتاهم ، يحاول التماهي مع ذلك الزمن السبعيني تاركاً تأثيراً نفسياً عند الجماهير أنه المنقذ والمصلح الذي يجمع هذه الأمة على كلمة سواء ويصلح ماأفسده الآخرون .

قد تتلاقى هذه الحالة المرضية مع إعتبارات مصلحية سواء عند هذا الحاكم أو عند مجموعات أخرى ترى في ضرورة بقاء هذا الحاكم الفرصة التاريخية ، أما المعارضون فقد لايختلف بعضهم عن هؤاء القراصنة الجدد.

نحن في حاجة إلى عمليات حفرية أركيولوجية –بلغة فوكو- (21) للكشف عن بنية الإيتبداد في أنظمتنا العربية ، وهذا يتطلب الإستعانة بالحقول المعرفية الإنسانية الجديدة كعلم الدلالة والأنثربولوجيا والهيرمينوطيقا واللسانيات وفلسفة التاريخ والمستقبليات ، فتحليل الخطاب السياسي الرسمي أو المعارض يحتاج إلى فهم الدلالت وكشف البواطن من خلال منهجيات هذه العلوم الجديدة ، وفهم السلطة العربية وتناقضاتها يقتضي ربط ذلك بالجذور والميراث التاريخي والتداخلات المالية والمصلحية والنفوذية ، كما أن فهم طبيعة الحاكم –التي هي أحياناً مرضية – تحتاج كذلك إلى إعمال سرير إكلينيكي لتحليل الطبيعة الإستبدادية المرضية.

إن وصف الإستبداد أو التاريخ له خطوة أولية ولكن الخطوة الأهم والأعمق هي كشف ومعرفة هذا الأسبداد في عملياته المعقدة واستمراره معنا إلى اليوم ، أي فهم الآليات التي يسود بها ، وقد أشرنا آنفا إلى عوامل ترتبط أساساً بظاهرة الزعيم الذي يتماهى مع الدولة ومع شعبه ، قد يستطيع السياسي المعارض والمثقف المحلل غير المجن في هذه الأنظمة رؤية ذلك وكشف أغواره ، ولكن هناك حلالت ومراحل أخرى يصعب فيها كشف ماهو إستبدادي وتعسفي ومهلك للعملية الديمقراطية ، أقصد بهذه الحالة ، حين يبدو للعيان أن هذه الدولة أو تلك تسير نحو الديمقراطية ، أو هي فعلاً دخلت التجربة وتسير نحو عملية تداولية في ممارسة الحكم ، قد تبدو للعيان الظاهري أن هذه ديمقراطية ، بفعل واجهة التعددية والإنتخابات التزيينية ، التي تخفي القبح السياسي المسستر ، ففي الجزائر منذ أربع سنين أو يزيد قليلا اعطيت إعلامياً صورة البلد الديمقراطي لأنه تجاوز محنة الإرهاب ويومه الدموي الذي ميز مايسمى بالعشرية السوداء ، ولأنه إستطاع العودة إلى الحضيرة الدولية فنشطت دبلوماسيته وعادت السفارات والطائرات إلى مطاراتها وحققت صرفا إحياطيا معتبراُ من الغاز والبترول.

إنها صورة في حاجة للمناقشة والفحص وكشف ألوانها الغامضة والداكنة وفي نفس الوقت تأويل ألوانها الواضحة البراقة الخاطفة ، وقد ساهم بعض الإعلاميين العرب في تزيين هذه الصورة وخلق الوهم كما يخلقونه حول أنظمتهم الإستبدادية باعتبارها ريادية في الحريات أو الحداثة أو مقاومة العدو الصهيوني ، ولعلنا جميعا نتذكر بداية التسعينات حين كان يصر الكثيرون على أن الجماعات الإسلامية في الجزائر من غير الممكن أن تكون هي الحاملة للسلاح ضد إخوانهم ، حتى بهت الذي كفر بعد 11سبتمبر وكيف أن السعودية معقل المرجعية السنية الوهابية تعاني اليوم من الإرهاب.

صحيح أن التجربة الجزائرية اليوم في الديمقراطية متقدمة خطوات عن بعض البلدان العربية  من دون المزايدة والتفاضل الذي هو عملية عقيمة يقوم بها بعض القادة العرب حين الحديث عن بلدانهم أو بعض المثقفين الواهمين ، مازلنا نتحدث اليوم مثلا بمرارة كبيرة عن أكثر من سبعة آلاف مفقود في الجزائر ، وعن التعسف في إستخدام السلطة وسجن الصحفيين والتضييق في الحريات.

-4-

بلغة مفهومية فوكوية نحن محتاجون إلى لغة حفرية أركيولوجية للكشف عن باطن الإستبداد والتسلط في ظاهر من قبله الديمقراطية ، وحرية الإعلام وحقوق الإنسان ، ففي أزمنة تاريخية تكون العملية معقدة وصعبة في كشف النقيض الداخلي وفهم آلياته في خارج يبدو للعيان واضحا وبراقاً ، وهو تداخل تجيده السياسة ليس كفن كماقيل ، ولكن كحيلة ودهاء ومكر ، كلعبة غير شريفة ، هم –أي السّاسة – كلاعبين يخفون منشطات نجاحهم ، يخفون زيفهم ، إن السلطة العربية عندنا تخفي هذا الباطن في مراحل تاريخية معينة ، كما تخفي الهوامش والأطراف وتقمعها لتبقي على المركز وقوته وهيمنته ، وتصور الهوامش والإختلاف مصدر خطر على الوحدة الوطنية والديمقراطية والتقدم ، فقوى الهوامش والأطراف (22) في علاقاتها الصراعية والإختفائية والجدلية مع قوى المركز ينبغي دراستها تاريخيا واليوم ، فهناك حسب أركون قوى أربع تحاول تهميش قوى أربع أخرى وتحولها إلى بقايا لاحول لها ولاقوة  ، وهي – تشكيلة الدولة ضد مجتمعات قبلية مجزأة

الكتابات المقدسة ضد الحالة الشفهية

 الثقافة الفصحى ضد الحالة الشفهية

الاثذوكسية الديينية ضد الخروج على الارثذوكسية (23)

وللكشف عن بعض هذه الممارسات الباطنية لقمع الحريات والإستبداد يمكن ذكر الأمثلة التالية :

الوجه الخفي لإعلام مكمّمّ : رغم تميز الساحة الإعلامية بالتعددية والحرية وهو مكسب ديمقراطي دفع ثمنه كوكبة من الصحافيين الشهداء الذين راحوا ضحية العمليات العنفية ، وهي تجربة متميزة في الجزائر ،ولكنها ناقصة ، لأن هذه التعددية لم تشمل إعلام الصورة ، فمازال التلفزيون من إحتكار الدولة ، وهو إحتكار قصدي ، وقد لعب هذا الجهاز دورا كبيراً رغم تقليديته ومنافسة القنوات الأجنبية له دورًا في نجاح الرئيس الحالي في إنتخابات أفريل الرئاسية الاخيرة .

الصحف الجزائرية كانت سابقا مصنفة على الشكل التالي :

                   – صحف وطنية غالبها من القطاع العمومي ، ومحكومة برؤية السلطة رغم الهامش الحر الذي تتحرك فيه كالمجاهد اليومي والشعب .

صحف ذات توجه ديمقراطي ليبرالي وهي الأكثر مقرؤوية ، وكان ينعتها الطرف النقيض لها بالإعلام الإستئصالي اللأئكي ، وبقي تأثيرها محصوراً في الإدارة وعند النخب ،  معظمها تصدر بالفرنسية ، منها الوطن وليبارتي ولوماتن Liberté ,Le Matin  .

صحف ذات توجه إسلامي –عروبي ، وغالباً ماتكون عبارة عن أسبوعيات ، إنتهى البعض بها الأمر إلى التوقف أو التوقيف ، وبعضها تحول إلى تحالفات مع الصنف الأول خلال السنتين الأخيرتين .

هذه الخريطة تعرضت إلى إنقلاب غريب ، بعدما كان الخلاف حول القضايا الإيدولوجية والسياسية هو الذي يرسم الخلاف ، أصبح الخلاف حول من مع الرئيس ومن هو ضد ؟ هو الفيصل القاسم ، فأصبحت الساحة ثنائية تناحرية ، صحف تمجد المرحلة والوئام الوطني ، وتم تمويل بعضها مادياً قبل إنتخابات أفريل 2004 الرئاسية ، وصحف ترى في الوئام وسياسية الحكومة والرئيس تراجعا عن الديمقراطية ، ومستقبلا شاحبا قد يعيدنا إلى الإستبداد الفردي .

هذا القطاع محكوم بآليات قانونية ومالية تجعل من الصعب الآن المعارضة ، من بين هذه الآليات ، وضع مدونات قانونية تخص المهنة الإعلامية ، بها مواد قانونية عامة تفتح مجالا واسعا للتأويل وتعسف القاضي في حالة إذا ماتوفرت الظروف السياسية على القمع والتضييق ، إلى جانب خضوع الصحف لمطبعة الدولة الوحيدة ، فيسلط على بعض مالكي هذه الجرائد سيف الديون تجاه البعض ويترك لأخرى الحرية وتسديد الديون متى شآت ، وهذا وفقا لمواقفها من النظام والسلطة والرئيس  ، كما قد تلجأ السلطة إلى البحث عن ثغرات قانونية أو أخطاء يرتكبها الصحافيون المعارضون للزج بهم في السجون أو توقيف جرائدهم .

مؤسسسات تشريعية ظاهرها الإستقلال   : إن التنصيص على خلق غرفة تشريعية ثانية تسمى “مجلس الأمة ” ثلث أعضائه معينون من الرئيس ، كان القصد منها وضع عقبات أما إي إحتمال للمعارضة والضغط من البرلمان “الغرفة الأولى” ، منذ صدمة فوز الإسلاميين في بداية التسعينات تشرّع السلطات قوانين تحت نفسية هاجس الخوف من الفوز بالاغلبية ، وبالتالي لاتضع في الإعتبار ماتتطلبه العمليات الديمقراطية أو الشرط التاريخي للديمقراطية كممارسة ، ولكن لوضع حد أمام إكتساح الإسلاميين للساحة السياسية أو تيار راديكالي آخر مهددا لوجود السلطة حالياً ، إذن القوانين تشرع تحت هذا الهاجس الخوفي ، وهذا مايخلق منها قوانين ردّ فعل ويكون فيها التحايل والتأويل الفاسد .

فالخلاف السياسي والتباعد كان يفصل فيه الجيش سابقا ، وهو قوة ترتدي حين التدخل قوة القانون وحماية الدستور أو ماسموه سابقاً “حماية الجمهورية ” ، التأويل السيء الغرضي حاضر دوما ولكل مرحلة لباسها ، فهو ينتقل من الحفاظ على قيم الثورة سابقا إلى الحفاظ على الجمهورية إلى الحفاظ على إحترام القانون ، يفصل فيه قانونيا ولكنه في عمقه فصل ضدّ القانون ، لأنه حشر لخلاف لم يسوّى سياسيا ، ومعروف أن العمل السياسي له قنواته ومعجمه ومرجعياته .

كما أن المؤسسات التشريعية محكومة بآليات تجعل منها خادمة لمصالح المجموعات وليس للدولة ، ويمكنني أن أعطي هنا مثالاً على الإنتخابات البرلمانية التي باتت منفذا للفئات الوسطى المقهورة لتحسين ظروف معيشتها أو للدخول في شبكة المصالح والريع ، وهي فئات أغلبها قادم من قطاع التعليم ، كما أنه بالنسبة للأحزاب المرتبطة بالرئيس يكون إختيار المترشحين النواب سواء في المجالس البلدية والولائية أو المجلس الوطني ، خاضع لموقف التقارير الأمنية ، وأحيانا لتزكيتها ، أم في جهاز العدالة فهناك آليات قد تؤثر على مساره ، كترقية القضاة الخاضع لعامل الخنوع للسلطة ولجماعات المصالح ، فالقاضي يبقى تحت رحمة الراضين عنه أو الساخطين عليه ، ولنتذكر هنا ماجرى من خلاف حول نزع الإعتماد لحزب جبهة التحرير الوطني وحلّه حين أعلن أمينه السابق جبهة الحرب ضد رئيس الجمهورية .

تدجين الأحزاب وابتلاعها : الظاهرة الحزبية اليوم لم يعد لها من التاثير بعد أن تحول بعضها إلى لجان مساندة للرئيس ، أو أضعفت من يشهر سلاح المعارضة ،  فهل يمكن القول أن التجربة الخلافية التناحرية السياسية الحاصلة في بيت “جبهة التحرير الوطني” والتي إنتهت إلى تجميد نشاطه وأرصدته من طرف القضاء الجزائري ، تعبير ممسوخ عن التدني في الممارسة السياسية والديمقراطية ؟ كونه كان بدءاً خلاف حول “شخص الرئيس” الحالي للجمهورية ؟ ، فهو الإنزياح الفاسد سياسياً نحو الأشخاص بدل البرامج والإيديولوجيات والأفكار ، وهي مساحة تتسع لتنتقل إلى مستويات أخرى في العلاقات المدنية والإدارية والسياسية ، ليصير مفصل الخلاف هو : من مع الرئيس ومن هو ضد  ؟ إنه مستوى إبتذالي سياسي لايخدم لا التجربة الديمقراطية المخفقة في الجزائر ولا حتى الرئيس في حد ذاته أو برامجه أو مشاريعه ، إن لحظات التقدم التي أنجزها بوتفليقة كالوئام وزيادة إحتياطي الصرف مثلا من المفروض أن تحمى ديمقراطياً ، وأن يُدير التوازن في العملية الصراعية ، لا أن أن يكون العمل على وأد الظاهرة الحزبية بتحويلها إلى أشبه بلجان المساندة أو يتم إبتلاعها .

لم ندرك بعد جدل المباعدة والملاءمة ، المباعدة عن مرجعيات تقليدية كالزعاماتية وتداخل السلطات وتأويل القانون لصالح القوي ، وتغليب الدولة على الحزب وحشر الجيش في القضايا السياسية ، وهي مباعدة مطلوبة اليوم لتكون الملاءمة مع قيم صاحبت هذه المظاهر ولم تكن نتاجها بل الظرف التاريخي وقيم الروح الثورية هي التي أشاعتها ، كالرفض للحقرة والغبن وإحترام القادة التاريخيين وتبجيلهم وعدم الإنصياع للإملاءات الخارجية ونبذ العنف ، ويكون كذلك التلاؤم مع عهد آخر لابد أن يقوم بعد هذه التجربة المرّة من التخبط وآلاف الضحايا وسنوات من العزلة الدولية ، إننا للأسف أمة تتقدم خطوة إلى الأمام لترجع خطوتين إلى الوراء ، إن طبيعة المصالح الريعية والمافياوية هي التي تجعل المجموعات الحاكمة تهاب المسار الديمقراطي وتتلكأ في الذهاب إلى الأمام .

كما أنه للأسف في التركيبة البشرية لأحزاب التآلف الحكومية القائمة اليوم ثلث مناضليها من الإنتهازيين وثلث من الرّحل من حزب لآخر وثلث من الغوغاء .

الهوامش :

جون راولس ، فيلسوف أمريكي رحل عن الدنيا نوفمبر 2002 ، كان أستاذاً بجامعة هارفارد ، إلى جانب كتابه الأساسي الذي لقي رواجاً A Theory of justice  الصادر عن المطبوعات الجامعية لهارفارد عام 1971 ، وترجم إلى الفرنسية عام 1987 عن دار ساي بباريس ، “مناقشة حول العدالة السياسية ، نقاش مع يورغن هابرماس” و”الليبرالية السياسية ” ، و”العدالة والديمقراطية” و”محاضرات حول تاريخ فلسفة الاخلاق”.

ومن الأهمية نقل الكتاب الأساسي “نظرية العدالة” إلى العربية ، لأانه يسمح لنا بالإستفادة من العودة الغربية إلى نظرية العقد الإجتماعي ونقدها لتجاوز عصر الحداثة ، ولنقد الليبرالية والديمقراطية المعاصرة .

تشكل اليوم فلسفة التواصل أهمية في النوادي الفكرية والكتابات الفلسفية ، وهي ذات جذور لسانية –تحليلية ، وتراث تأويلي مثالي الماني ، ويعتبر هابرماس وزميله كارل أوتو آبل من أبرز ممثلي هذه الفلسفة في الوقت الراهن .

حنا ارندت إستطاعت في اطروحتها الأساسية كشف الانظمة التوتاليتارية وأصول الإستبداد ، وهي مراجع كذلك مهمة لنا في فهم الإستبداد المعاصر وتنوع أشكاله ، يمكن العودة إلى مؤلفها المركزي الكون من ثلاثة أجزاء : Les Origines Du Totalitarisme.

صدر أخيراً كتاب ضمّ مناقشات بين هابرماس ودريدا ، أدراتها جيوفانا بورادوري ، عنوانه :

Le « concept » du 11 septembre, tr,CH.Bouchindhomme, S.Gleize, Galilée , Paris ,2004  

شارل تايلور الكندي يطرح فكرته عن التنازع والإختلاف الناتج عن تهميش الأقليات اللغوية والدينية ، ويعتبر الليبرالية بطرحها لما هو كلي تمارس الإرهاب والتعسف وهضم حقوق الأقليات ، يمكن الرجوع إلى كتابه : تنازع وديمقراطية ، الصادر عام 1992 بالإنجليزية وبالفرنسية عام 1997 .

لقد ظلت حقوق الجماعات اللغوية والدينية مهمشة ، وبرغم الإعتراف وتفير جزء من الحقوق لهذه الجماعات تبقى تهديداً متواصلا للمركز ، ويحمل بذور عنف من الممكن إنفجاره في أية لحظة ، كما انه باسم الوحدة الوطنية ودرء الخطر الخارجي يتم قمع هذه المحموعات .

إستعملت هنا “السنية المعثمنة” مااضفاه الأتراك في الجزائر على ترسيم المدونات المالكية الفقهية الممزوجة بالتصوف الشادلي ، وقد ظلت بعض المدونات الفقهية تدرس لأربعة قرون طيلة العهد التركي ، وهي اليوم تشكل ميراثاُ ثقيلا ، لننظر إصرار البعض في رفض تغيير بعض مواد قانون الأسرة .

يمكن العودة إلى بحثنا المنشور بالمستقبل العربي ، عدد 2 /1994 والمعنون ” الحداثة والفكر العربي المعاصر “.

لم نعمل بعد على  القيام بعملية تحليلية إكلينيكية لفهم الحالات المرضية لبعض زعماء العرب ، وكذا تحليل الخطاب التعبوي –والإيديولوجي المحمل بقيم تراثية-أنثربولوجية تعمل على تسويغ الإستبداد والطغيان .

هناك علاقة إرتباطية بين البلاغة والإستبداد في تراثنا العربية والإسلامي  تحتاج إلى القراءة والفهم ، وكذا اليوم ، فباستخدام الإجتهادات المتنوعة لعلم اللغة والتداولية –البراغماتية- نستطيع قراءة وفك بلاغة الإستبداد والقهر .

مامعنى أن يقول بعض مشايخ الزوايا هذه العبارة أو مايماثلها لرئيس الجمهورية : ” لقد إختارك الله لنصرة هذا البلد وإنقاذه ” ، وماهو الفرق بين مثل هذه العبارة وعبارت الإسلاميين المؤلة للأحاديث النبوية  ، ومنها : أن شمس الإسلام ستطلع من الغرب ، أو مايشبه هذا في المعـنى .

إن التصوف الإسلامي في جوهره الإبداعي الفلسفي يختلف عن الترهات والخرافات التي حاول بعض الطرقيين إلباسها للتصوف ، ونذكر هنا تصوف الأمير عبدالقادر الذي فيه المقاومة والتسامح والإجتهاد .

حول مفهوم” الشر” من الناحية الفلسفية  يمكن العودة إلى كتاب بول ريكور

في الوقت الذي نكتب فيه هذه المقالات هناك أربعة صحفيون في السجن ، منهم إثنان مالكي لجريدتي “الرأي”و”لوماتن” ، من الناحية القانونينة في قضايا تتعلق بالحق العام ، ولكن وراء لك خلافيات سياسية لها تأثيرها .

كانت لي تجربة مرّة إذ أقبلت على تأسيس يومية معربة باقتراح من أحد ملاك مؤسسة إعلامية ، وتبين لي فيما بعد ، كيف أن بعض هذه المؤسسات تتاجر سياسيا ولها إمتدادات ريعية مصلحية –تجارية مع القوى النافذة في السلطة ، فعدت إلى المدرج وحمدت الله على رجوعي سالما دون التلوث  مع هؤلاء الذين يتاجرون بالحرف ويساهمون في العفن .

الإصلاح الذي تدعو إليه أمريكا في المنطقة العربية قد لاتختلف الأنظمة الجديدة التي ترضى عنها أمريكا عن تلك الموروثة من الإستقلال الوطني ، والتي بقيت فيها آثار النمط الكولينالي .

مفهوم “الهجانة” نستخدمه هنا بخلاف مضموني عن الدين إستخدموه في الجزائر من اليساريين الشيوعيين المستوحى من الأدبيات السياسية اليسارية الفرنسية .

“العصب المقرصنة”  ، بالرغم من قساوة هذه العبارة إستخدمناها ، لأن فضاعة الواقع السياسي العربي أكبر ، فالقرصنة السياسية هي إمتداد طبيعي لقراصنة البحر الأبيض المتوسط الذين ملكوا البلاد في عهود سالفة .

منذ ستين عبر الجيش رسمياً عن عدم تدخله في السياسة ، وهو موقف شجاع وديمقراطي ، نتمنى فعلا أن تتغير الذهنيات التسلطية التي تحاول أن تجد في الجيش دائماً سندها .

هناك ربط إعلامي مقصود بالصورة ، وهو تكرار مشهد تأبين الهواري بومدين ، حيث قرأ التأبين الرئيس الحالي ، كما أن الصورة الفوتوغرافية التي غستخدمت في الحملة الإنتخابية ، هي صورته في السبعينات ، وهذه دلالات لها تأثيرها البسيكولوجي .

يمكن العودة إلى كتاب ميشال فوكو : أركيولوجيا المعرفة ، والكلمات والأشياء ، مترجمين إلى العربية .

مفهوم “قوى الهامش والأطراف”  إستعمله “بيير بورديو ” وأعاد إستعماله محمد أركون.

محمد أركون ، قضايا في نقد العقل الديني ، ترجمة : هشام صالح ، دار الطليعة ، بيروت ط2 2000

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial