كلمة صنع الله ابراهيم بمناسبة استلامه جائزة ابن رشد للفكر الحر سنة 2004

Deutsch

نوع من الصدق

PDF

الأخوة الأعزاء

تعوزني الكلمات التي أعبر بها عن سعادتي بهذا التكريم الذي يستمد قيمته من استقلال هيئتكم عن المؤسسات الرسمية  ومن الاسم الذي تحمله. فليس ابن رشد عقلا فذا وحسب ولكنه من أوائل من جعلوا قيمة لحرية الفكر ولالتزام المثقف. 

وكنت عندما بلغني النبأ في المرحلة الأخيرة من العمل على كتاب يتضمن شيئا من السيرة الذاتية عماده هو ما كتبته في السجن، مند أكثر من أربعين عاما، عندما  قررت أن أكون كاتبا.

فقد سجلت على ورق السجائر الخفيف، ابتداء من أبريل 1962 و حتى أبريل 1964 ،الأسئلة التي اعترضتني حينئذ ، وهي التي تعرض للكاتب عادة في بداية عمله وتستمر معه- في الواقع- طيلة العمر. دونت خواطري ومشروعات القصص التي أنوي كتابتها ومقتطفات من قراءات مختلفة، وتعليقات على بعضها. واحتلت الكتابة ومشاكلها ودور الكاتب والمدارس الفنية  والأقوال المتضاربة بشأن كل ذلك  جانبا هاما من هذه المدونات. 

***

كان المناخ الذي نشأنا فيه أنا ومجايلي  يغلي بحمي التمرد على الوجود الاستعماري  والأوضاع والأفكار البالية. وغمرنا المد الإشتراكي بالثقة في إمكانية التحقيق الفوري لآمال الإنسانية في الحرية والمساواة  والسعادة. كنا نقرأ لجوركي وتشيخوف وشتاينبك وكالدويل وأمادو وبريخت وايلواروسارتر ومالرووكامووتوماس مان.  ونردد تنظيرات الإنجليزي كريستوفر كودويل  حول وظيفة الأدب في خدمة حرية الإنسان والمجتمع  ونعتبره نموذجا يحتذي لأنه وحد بين القول والفعل ففقد حياته في الحرب الأهلية الأسبانية وهو لم يتعد الثلاثين من عمره.  

وكنا نتابع في حماس أعمال الكتاب الذين اجتذبهم شعار “الفن للحياة” الساحر. فقد هجر عبد الرحمن الخميسي قصصه الجميلة المستوحاة من “ألف ليلة” ليكتب ” قمصان الدم “عن كفاح “الماوماو” في كينيا. وأهل يوسف أدريس بلغة طازجة  وفضاءات واقعية وبأشخاص طيبين لأنهم فقراء ومهمشين. وأسلم عبد الرحمن الشرقاوي بطلة الأرض الجميلة للميكانيكي الكهل رمز الطبقة العاملة والمستقبل في آن . كان المد كاسحا في كافة أرجاء العالم العربي. ونظّر محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس لوظيفة الكتابة في مقالات شهيرة عن العلاقة بين الشكل والمضمون.  بالنسبة لنا كان المثقف عضويا حسب جرامشي والكاتب ثائرا يحمل القلم بدلا من السيف.

***

وكان من الطبيعي أن ينعكس كل هذا على  المدونات المذكورة. إليكم مثلا ما كتبته في عام 2691، في أعقاب التأميمات  غير المسبوقة التي أعلنها جمال عبد الناصر وأطلق عليهاإسم القرارات الاشتراكية:

“.. دور الفنان في مصر اليوم. لا أن يكتب آي شئ يحلو له لقيمة جمالية بحتة. لا أن يتوه في بحث مشاكل فكرية وفلسفية فقط ، لا أن يعيش أسير تجربته الفردية التي قد تسلمه للانعزال والإحساس بالضياع والعدم. لا أن يكتفي بتسجيل ما يحدث في المجتمع تسجيلا انطباعيا حياديا سطحيا. أن فنان مصر اليوم يجب أن يعمل بنشاط وتفاعل ويغوص في أعماق الشعب وفي أعماق الفرد.يكشف ويغير الطريق ويوجه، يقود ويلعب دورا في الحركة اليومية. مسلحا بالتكنيك والتجربة الذاتية والوعي والمثابرة والتضحية”.

يجب ..يجب ..يجب.. هكذا كانوا يتحدثون في الخمسينيات والستينيات.

*

كنت صغير السن محدود التجربة وأسير الدعاية السائدة. فلم أنتبه إلى أني كنت مسجونا في قضية رأي ، وأن ذلك جزء  من الواقع الذي تحدثت عن روعته.

*

كتبت أيضا في تلك الفترة: ” إن  عالمية الكاتب تأتي من تفوقه في التعبير عن قوميته”. علي أني لم ألبث أن أضفت إلي تلك العبارة في نوفمبر 1963، أى بعد سنة ونصف،  هذه الكلمات  : “..وفي التعبير عن نفسه”. وتعكس هذه الإضافة التطور الذي لحق نظرتي للموضوع. 

وكما يحدث في هذه الحالات أصابني شئ من الحيرة بعض الوقت فكتبت: “كل المدارس كانت محاولة مستمرة للوصول إلى الحقيقة وبحثا عن أشكال جديدة…. ليس هناك التزام . هناك فقط مسألة المنهج العلمي. فيكف يمكن  ليوسف جوهر أن يلتزم؟ ثم ما بالنا ويوسف السباعي يكتب آلاف الصفحات التي أصبحت تتضمن خطب عبد الناصر؟ …. الفن ضد السياسة اليومية. ما عاش من تولستوى هو فنه أما كتاباته التعليمية في مرحلة ثورته على الفن فقبرت”.

ولا بد أن عبارة “الفن ضد السياسة اليومية” قد أثارت قلقي فلم  ألبث أن أوضحتها قائلا:”  “الأمر يتوقف على الفنان نفسه انفعل أو لم ينفعل. ففي الحالة الأولى سينتج بشكل ممتاز وفي الثانية لن يحدث هذا ولو تشقلب أو اختفى خلف يافطة ” فن المعركة” وسيكون كاذبا. الأساس هو الموقف الصادق لا المفروض أو المدفوع باعتبارات معينة”.

*

كنت أنمو بسرعة. قالوا إن السجن مدرسة للثوار ولدي شكوك بالنسبة لصحة  هذه العبارة .لكني  متأكد من أن  السجن مدرسة هامة  للكاتب .  ففيه يحتك بشخصيات ومواقف متباينة ويتعرف علي كتابات متنوعة  ويثري معارفه  بمناقشات لأفكار مختلفة  وبملاحظات عن السلوك الإنساني ومحاولات لفهم دوافعها. الوقت في السجن طويل طويل يتيح للكاتب  أن يفكر ويتساءل ويشك ويقترب من الضعف الإنساني ويصبح هو نفسه أكثر إنسانية.

وكانت السنوات الأولي من الستينيات تستوعب بسرعة  النتائج الطبيعية لسقوط عبادة الفرد في الاتحاد السوفييتى. فقد تم الاعتراف بعدم علمية كثير من المفاهيم وبزيف الكثير من الإبداعات  التي زوقت الواقع وزيفته باسم الصدق والالتزام. ولم تعد رواية “الربيع علي نهر الأودر” – التي حصل بها مؤلفها كازاكيفتش على جائزة ستالين للأدب- والتي قرأتها قبل السجن بانبهار – لم تعد  تثير  غير السخرية والاستخفاف. نفس ما حدث لأم  سيد ، بطلة قصة يوسف أدريس التي واجهت عجز زوجها الجنسي باستسلام نبيل.

*

سجلت في يومياتي تصريحات يوفتوشنكو ، الشاعر السوفييتي الشاب المتمرد، بل وترجمت  إلي العربية قسما من سيرته “المبكرة” كما أسماها:

-“على الشاعر..أن يسلم نفسه بلا رحمة للحقيقة. الشاعر ممنوع من الغش ،…. عندما أصبح رامبو نخاسا، وتناقضت تصرفاته مع مثله الشعرية، كف عن الكتابة”.

– “تفنن نقادنا الأدبيون في اختراع نظرية “البطل الغنائي”. كانوا يقولون إنه يتعين على الشاعر أن يتغنى بالفضائل العليا للإنسان وأن تبدو أعماله لا كما هو ولكن كنموذج للإنسان الكامل . ..

-“كان يبدو لي أن الكلام عن الطبيعة والنساء وهمسات النفس ، بينما يشقي الناس من حولي ،عمل غير أخلاقي”.

ولعلي استرحت في ذلك الوقت لكلمات الماركسي النمساوي إرنست فيشر رغم ما بها من تناقضات..  فقد أكد بحزم :”لسنا علي استعداد للمساومة  مع فن وأدب هجرا الواقع الاجتماعي ، وجعلا الوجود قاتما بأقنعة غامضة”، و “يكمن في أنفسنا الإصرار علي طلب فن يبحث بحزم عن الحقيقة ، ويصور الواقع ويعرضه من كل جوانبه ، ويوضح مشاكله ..”.  لكنه لم يلبث أن استدرك قائلا” إن الفنان”يختار من تجليات الواقع ما هو جوهري”.

وفي موضع آخر وضعت خطا تحت هذه العبارة:”القوة المعنوية تأتي من معرفة الحقيقة”.

***

كانت الرياح تهب من كل اتجاه.

فقد أدلت  المخابرات الأمريكية بدلوها في المعترك الثقافي مستعينة بغطاء من مؤسسات عديدة مثل فورد وروكفلر. وأقامت منظمات لما أسمته بالحرية الثقافية، بعضها ترعرع هنا في برلين. ورفعت شعار فصل الثقافة عن السياسة. وأوقعت في شباكها أندريه مالرو  واجنازيو سيلوني و هوارد فاست وريتشارد رايت  الذي حاول فيما بعد الفكاك فلقي مصرعه في ظروف غامضة  سنة 1960.   وأنشأت بالاشتراك مع زميلتها البريطانية وآل روتشيلد مجلات مثل “انكاونتر” التي عهد بها إلى مثقف محترم وعميل راسخ هو ستيفن سبندر. وصدرت  طبعة عربية للمجلة باسم “حوار” أسسها  في بيروت مثقف محترم آخر هو توفيق صائغ. وأعلنت “انكاونتر” في عددها الثاني  أن واجب أي مثقف هو فضح الأكاذيب ، بينما تبنت باعتراف محرريها فيما بعد سياسة تقوم على “الكذب من أجل الحقيقة “.تبنت أيضا كتاب العبث والتغريب من أمثال يونسكوالذي  وُصف بأنه  يعبر عن “خلو الوجود الإنساني الحديث من المعنى في عالم تحكمه الصدفة”.

لم يفلت يونسكو من أوراقي إذ سجلت له  تصريحات من قبيل: 

– “يقال أنه يتعين على المرء أن ينحاز إلى جانب حتى يكون منتميا لعصره، هذا الموقف يحد من الأفق ويشوه الحقيقة الجوهرية..”

-الحقيقة الاجتماعية هي أشد الحقائق سطحية”..

وانضمت إليه ناتالي ساروت، إحدى رموز “الرواية الجديدة” الفرنسية قائلة :”الكاتب يجب أن يبتعد عن الواقع المرئي ، المعروف ، والمدروس ، يجب أن يركز على العالم الداخلي الغريب عنه”.

*

نقلت أيضا عن الناقد الإنجليزي دونالد جراي  أن  بريخت في كتاب”أورجانون المسرح الصغير”  أنكر أعماله الفنية الأولى واعتبرها  تعليمية سياسية، وأن المسرح يجب أن يكون مجاله المتعة الفنية لا غير… ولم يتمكن المؤلف من إخفاء بقية المقطع الذي قال فيه بريخت :” نحن في حاجة إلى مسرح يستغل الأفكار وينتجها حتى تلعب هي دورا في تغييرالعالم”. 

*

سجلت أيضا حديث هيمنجواي عن قيمة الصدق في التعبير عن الواقع. وجاء هذا الحديث في معرض تعليقه علي كتاب “نجاد أفريقيا الخضر”. وبالفعل فإنه وصف  بكل دقة ما صادفه في رحلته الأفريقية  في هذا الكتاب ثم  في قصتين بارعتين هما “ثلوج كليمنجارو”، و”حياة فرنسيس مكومبرالقصيرة السعيدة”. لكني لم ألبث أن تبينت أن  أفريقيا  في هذه الكتابات لم تكن  سوي مجال لصيد الحيوان والنساء لا يظهر فيها أهلها الأصليون إلا عندما يقدمون كأس الجن  إلي “الصاهيب” الأبيض.

أجل ! كان هيمنجواي صادقا لأنه عبر بصدق عما رآه.

عما تمكن من رؤيته.

*

وقبل مغادرة السجن بشهور قليلة سجلت تصريحا لنجيب محفوظ  في فبراير 1964، قال فيه  : “الالتزام الأساسي الوحيد في الفن هو الصدق”.

وإلى الآن لا يوجد عندي شك في أن الكاتب العظيم حافظ على الصدق  في كل أعماله الإبداعية ومواقفه الاجتماعية.

لكن أي نوع من الصدق؟

*

من الطبيعي أن تلقي كل هذه المدونات بظلها علي أول عمل لي بعد مغادرة السجن.كانت أجهزة الدولة الوطنية تعزف معزوفة الالتزام أي “اختيار ما هو جوهري من تجليات الواقع”. لكن هذه المعزوفة لم تنجح في القضاء علي شكوكي  فصدّرت أول رواية لي بكلمة لستيفن ديداليوس ، بطل “صورة الفنان في شبابه” لجيمس جويس ، يقول فيها :أنا نتاج هذا الجنس وهذه البلاد وهذه الحياة..ولسوف أعبر عن نفسي كما أنا..”

حملني هذا العزم بعد ذلك إلي موقع بناء “السد العالي” الذي أحاطت به دعاية ضخمة مشروعة. فبالرغم من كل شئ كانت مصر- بقيادة عبد الناصر- في غمار نهضة  عارمة في كل المجالات.  وجاءت الانطباعات  الأولية عن المشروع العظيم  في إطار القالب الدعائي السائد. ثم بدأت أعمل علي مهل في صياغة رؤية متبصرة أكثر عمقا.

*

لم يكن تحديث مصر والعالم العربي مسموحا به. وجرت أول محاولة لإجهاضه بواسطة  الجيش الإسرائيلي سنة 1967. ثم  تم تجريد  انتصار أكتوبر1973 من نتائجه الطبيعية واستقر أنور السادات في حجر كارتر كما صرح الأخير.ووصل بنك تشيز مانهاتن إلي القاهرة ليدير المرحلة القادمة.  وتكدست الدولارات في جيوب أصحاب النفط وبدلا من أن يستخدموها في إحداث نهضة شاملة بددوا بعضها وعهدوا بالباقي إلى المعتدين أنفسهم.  والتقط المثقفون من كتاب وفنانين وأساتذة جامعات ومهنيين الفتات. صار الإزدهار الفردي هو الالتزام الوحيد.

وترعرت كتابات الغموض والتأمل الصوفي التي تحمي صاحبها من المزالق .وردد المنظرون أن  ما تبقي من تولستوي هو” الحرب والسلام ” لا مسرحية “الجثة الحية” و كتاباته التعليمية. ومن كيبلنج  أشعاره لا دفاعه عن الاستعمار البريطاني والإمبراطورية. وأن ما سيتبقي من شتاينبك هو “عناقيد الغضب” لا ذهابه إلي فيتنام علي متن  طائرة الجيش الأمريكي.   ومن العقاد ما كتبه قبل أن تتوطد علاقاته بالسفارتين البريطانية والأمريكية ويصبح  حصنا لكل الأفكار الرجعية في الثقافة قبل السياسة. ومن نجيب محفوظ رواياته الرائعة التي صورت الشخصية المصرية واحتلت في الفضاء الأدبي المكان الذي احتلته الأهرامات في الفضاء التاريخي والأثري، لا تصريحاته المحايدة ومقالاته الإنشائية.

*

اكتمل المشهد باختفاء الاتحاد السوفييتي و توابعه الاشتراكية. وهتف ممثلو الرأسمالية العالمية في دافوس: “يا عمال العالم  اتحدوا الآن في خدمتنا”. وتلقفت الإعلان صحف عربية تمولها الحكومات العربية والأجهزة الاستخبارية. وانبرت الأقلام  تسخرمن حديث “الالتزام”  الذي عفا عليه الزمن. وبرز على الساحة حاملو الحقائب الجاهزة من الكتاب المسافرين  إلي مؤتمرات ومهرجانات تنظمها مراكز بحوث غامضة أو حكومية ليتحدثوا  في  عبارات فضفاضة تلقى القبول من الكافة. وصار بعضهم وزراء أو أشباه وزراء فدافعوا عما أسموه  بالانفصال الضروري للسياسي عن الثقافي. ووٌزعت الجوائز ذات اليمين وذات اليسار حتى تساءل أحمد عبد المعطي حجازى بعد حصوله على جائزة الدولة عام 1998 :”هل تغيرت البلاد أم أنا الذي تغيرت؟ هل خنت نفسي أو تركت مكاني لآخذ مكان العقاد ، هل شخت وصرت لينا مرنا ، هل تواءمت مع الممكن وذهبت أقابلهم في منتصف الطريق؟”

*

خلال ذلك ترعرعت النخب العميلة الفاسدة التي أسلمت ثروات الشعب إلى الشركات العملاقة الأجنبية. تمت تصفية الصناعة الوطنية وجرى طرد العمال من وظائفهم والفلاحين من أراضيهم  ونهبت المدخرات القليلة للبسطاء وحرموا من العلاج الصحي والتعليم المجاني ومن المياه والكهرباء اللتين ارتفعت أسعارهما بعد الهيكلة والخصخصة. كما حرموا من سوق العمل الذي إحتله أبناء الصفوة من خريجي الجامعة الأمريكية وجامعات جديدة كندية وفرنسية وألمانية بل ورومانية أيضا. وجرى تأهيل الجميع للعمل في ترويج وبيع المنتجات الأجنبية.  تفشى الفساد في كل مجال وجرت  عملية منظمة لتخريب  البناء القيمي للمواطن. تم كل ذلك في ظل أحكام عرفية وحكم مستبد مؤبد يستسلم  للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية.  فيسمي  الرئيس المصري  المقاومة  في فلسطين والعراق بالعنف  وتجمع  إدارته  المعلومات عن  المقاومين ثم تقدمها  لقاتليهم.

وبينما يباد الشعب الفلسطيني  على رؤوس الأشهاد، وتضع الإمبراطورية الأمريكية يدها علي بترول العراق وتستعد  للسيطرة علي  بترول إيران،  ويُصنع من الإسلام غولا يستخدمه  رأسماليو أوروبا في التغطية  على استغلالهم لمواطنيهم ، وتوضع  القوانين الفاشية  باسم محاربة  العداء  للسامية. .. بينما كل هذا يجري يتحدث المثقفون” الليبراليون” عن الحكمة والسلام والتسامح والحوار وحب الآخر والتجديد الديني. وبعد العصا استخدمت الجزرة فتوافد الملتزمون على مراكز التمويل الأجنبي ، وتألقوا على الشاشات الفضائية .  وعهد أحمد فؤاد نجم  إلي أحد نجوم النخبة العميلة ، بتنظيم عيد ميلاده السبعين ثم ظهرعلى شاشة القناة الأمريكية “الحرة”. ولم يجد المغلوبون على أمرهم من ملجأ إلا أن يتحصنوا بأكثر الأفكار رجعية في تراثهم الغني، فانسحبوا تاركين  الميدان لأعدائهم المنتصرين.

لكن الانتصار لم يدم طويلا.

*

فمنذ قرابة العامين وقف ساراماجو  في  مدينة رام الله المحاصرة يدين الاحتلال  الصهيوني ويدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني.  ثم رفض سعدي يوسف الذهاب إلي بغداد المحتلة مع من هرعوا إليها من أقرانه المرتبكين. وفي مطلع  هذا العام  وفي افتتاح المنبر الاجتماعي  العالمي في بومباي، قالت الكاتبة الهندية الشابة  أروندهاتي روي Arundhati roy:

“… أصبح على  البلاد الفقيرة ذات الأهمية السياسية الجغرافية أو التي  لديها سوق من أي حجم، وبينة أساسية يمكن خصخصتها أو ثروات طبيعية ذات قيمة من البترول والذهب والماس والكوبالت والفحم – أصبح عليها أن تستجيب  للأوامر أو تصبح أهدافا عسكرية”…

ومضت تقول: “نحن نعلم أن مدننا سوف تدمرها الصواريخ ، وقرانا ستسيج بالأسلاك الشائكة، ودوريات الجنود الأمريكيين ستسير في شوارعنا (…) لكن طالما ظلت  أسواقنا مفتوحة وظلت  احتكارات مثل انرون و بيكتيل  وهاليبورن وأندرسون  مطلقة اليدين ، فإن زعماءنا- وبعضهم منتخبون ديموقراطيا -يمكنهم بلا خوف أن يموهوا الفروق بين الديموقراطية وحكم الأغلبية والفاشية….أما  الاحتجاج ضد هم فيوصم  بأنه إرهاب”.

وتساءلت مؤلفة رواية “إله الأشياء الصغيرة” ،الجميلة مثل صاحبتها:….لماذا تمنع الحواجز الجمركية البلاد التي تنتج الكاكاو مثل ساحل العاج و غانا  من  تصنيعه وتحويله إلي شكولاتة؟ لماذا نجد البلاد الغنية التي تنفق أكثر من مليار دولار يوميا علي دعم مز ارعيها، تطالب  البلاد الفقيرة مثل الهند بإلغاء كل دعم لزراعتها؟..  لماذا تدفع المستعمرات القديمة  283 مليار دولار سنويا للأنظمة الاستعمارية التي نهبتها طوال أكثر من نصف قرن؟

لهذا كله – كما ختمت الروائية الهندية الجميلة كلمتها: “يجب أن نعتبر أنفسنا في حالة حرب”.

إنه -أيضا-نوع من الصدق.

صنع الله إبراهيم

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial