بلقيس حميد حسن*
لم يكن غريبا موقف الإعلام الغربي والأمريكي من المجتمعات العربية، والحملات الأمريكية التي تحاول إلصاق تهمة الإرهاب بهذه المجتمعات البشرية، فالذي تتبع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، منذ نشأة دولة إسرائيل وغرس شجرة الظلم والاستبداد في قلب العالم العربي، والإعلام الأمريكي والغربي منسحب من تلابيبه وراء أكاذيب وديماغوجية إسرائيل، ليس غريبا أن يتفرغ الإعلام الأمريكي والغربي بعد سقوط وانهيار الاتحاد السوفيتي إلى عدوانية أكبر ضد العرب وضد كل مشاريعهم الوطنية ومحاولاتهم الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم وما بقي لهم من كرامة ببلدانهم التي يعيشون، خاصة وأن لهم مطامع معروفة ببلداننا، لكننا كي نكون موضوعيين بالحكم على عدونا وعلى ذواتنا، لابد لنا من وقفة نراجع بها أي كوة أو فسحة تعطي أعدائنا فرصة التصيد لنا بالماء العكر، وبصراحة أقول ولا أدر إن رغب البعض بنشر الصراحة ونقد الذات على صفحات الجرائد، أم آثروا تخبئة أوراقي هذه، في أدراج المكاتب لتطوى بالنسيان أو تمزق؟ لا بد من مواجهة ذواتنا أولا، خاصة وأننا جميعا نردد “رحم الله امرئ عرف قدر نفسه”. من هنا لا بد لنا من العودة لمحاكمة الذات ومعرفتها لنعرف جيدا كيف نتعامل مع العدو وبأي أسلوب يمكننا أن نخرب خططه وأن ندافع عن أنفسنا لبقاء هذه الأمة التي لم نجد لها مكانة راقية بين الأمم مثلما كانت، هذه الأمة التي بدأ الصدأ يصعد لجسدها، ويأكل عنقها الجميل مثل مرض مزمن ومخيف، فعندما نريد أن ننظر للعدو، لابد لنا من النظر من المستوى ذاته الذي ينظر لنا منه، وحين نكون في هاوية سحيقة والعدو يرتقي الأعلى، حتما سنكون نحن في الموقع المهزوم، وحتما سوف لا نستطيع رؤية ما يرميه علينا من الأعالي الشاهقة وهو آمن، و نركع نحن مرتجفين تحت الأقدام .
عندما كان العرب في أوج حضارتهم، كان الأوربيون يأتون ليتعلموا بمدارس العرب وينهلوا من فلسفتهم وأساليبهم العلمية في الطب والفلك والعلوم الأخرى، وكانت فلسفة ابن رشد إحدى الجسور التي بنيت عليها فلسفة وحضارة الغرب، حيث عرف هذا الغرب قدراته المتواضعة وتراجعه عنا في ذاك الزمن فرغب بالاستفادة منا كأمة متحضرة، ولسوء حظ العرب أن الزمن لا يتوقف عند حد معين من التطور، وأن العقل البشري ماض بالنمو إلى ماشاء الله، ولسوء حظنا أننا لم نراجع أنفسنا إذ ابتلينا بساسة وحكام وملوك لا يفهمون ما معنى الديمقراطية ويتصورون الجلوس على العروش إرثا دائما، من خلاله يملكون البشر ومن عليها ببلدانهم، ناسين أن الملك لله وحده كما يرددون في الصلاة، وناسين أن الدين هو العدل والحق، وناسين أن القيادة مسؤولية كبرى، وناسين أن الغرب لم يتطور إلا بالديمقراطية والإقرار بالتطور الدائم لعقول البشر، الذي يدعو لاحترام الشعوب جميعها فقيرها وغنيها، نساءها ورجالها، وأن عليهم إشباع حاجاتها وخلق حياة حرة، كريمة لها، كما أنهم جهلوا أن القوانين تنبثق من واقع المجتمعات وحركتها لتنظم حياة الناس وعلاقاتهم بالحق والمساواة التي تخلق الأمن والسلام وتعزز ثقة الفرد بقواده. من هنا أقول قبل أن نناقش قضية حملة الغرب الإعلامية علينا، أن نناقش ما لذي فعلناه نحن لتحسين أوضاعنا والنهوض قليلا لنتمكن على الأقل من بلوغ مستوى نستطيع به أن نرى، كيفية رؤية عدونا لنا،
ولنسأل أنفسنا :
*هل تستند حكوماتنا العربية على قواعد جماهيرية حقيقية غير مفتعلة ولا مرتعبة أو مأجورة ؟ كي نستطيع أن نحارب بها حملة الغرب ضدنا، ونفضح أهدافها ورغبتها بالسيطرة على بلداننا وخيراتها والتغلغل بمجتمعاتنا لتخريبها، أو أغواءها ومن ثم استعبادها؟.
*هل تعلمنا أن نأخذ من الشعوب المتطورة لإصلاح مجتمعاتنا كما أخذت هي منا سابقا وبنت عليه ما ينفعها ويدفع بها الى الأمام، لنخفف من سعة المسافة الفاصلة بيننا وبينهم لنستطيع أن نتحاور معهم ونتلاقح حضاريا خدمة لنا وللإنسانية جمعاء؟
*هل فهمنا معنى الديمقراطية في الصلة بين الشعوب والحكومات حتى وإن كانت الشعوب معارضة، وأعطيناها الحق بهذه المعارضة بلا عنف وسجون، وبلا قتل ودماء ومؤامرات، كما هي بالغرب؟
*هل استطعنا احترام المرأة كنصف المجتمع وعاملناها على أنها إنسان متكامل، لا يحتاج لمحرم ورقيب وأحجبة، ولا رجم وعقوبات عنيفة لا تتناسب مع الزمن ومع ما حصلت عليه المرأة من علم ووعي بالزمن الراهن لا ينقص قيد شعرة عما بلغه الرجل؟
*هل رفض قادتنا تقبيل أياديهم من قبل أبناء شعوبهم ومعاملتهم كالعبيد وهم مسلمون ويعرفون، ويرددون ” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟”
وكيف أن هذه الظاهرة تجعلنا بنظر الغرب أضحوكة، تدعوهم للسخرية منا والنظر لنا على أننا بالفعل أقل من بشر.
*هل فكر قادتنا أن يوقفوا عادتهم المزعجة بنشر صورهم ورسومهم التي تملأ الساحات والحيطان والشوارع ويوقفوا الأغاني التي تمجد بهم وبالفداء لهم بالأرواح والدماء وكأنهم قد خلقوا من نور ونحن من طين؟
*هل فكرنا أن الحضارة تعني كل شيء وكل مظهر من الحياة بدءا من الأخلاق والعلوم والفنون والأدب إلى التعامل مع الأتِكيت والملابس وطريقة الطهي وأسلوب أكل الطعام، وهانحن نرى كيف ترتدي نساءنا الخيم السوداء التي تمنع عنها رؤية نور الله، وتعامل أما كسلعة محرزة بالمنزل، وأما لعبة تتراقص على شاشات الفضائيات، وما يتبعه هذا من استغراب مرافق لسخرية واستهجان من الغرب يعمق نظرتهم الدونية لنا ؟
*هل فكرنا أن نعلـّم أبناءنا بالمدارس، طرق التعامل مع الحياة بحضارية وإنسانية وذوق كما يفعل الغرب بدلا من أن نملأ رؤوسهم بكتب التأريخ السحيق فقط، وتمجيد وتأليه القادة والملوك والحكام في الماضي والحاضر؟
*أخيرا أسأل القارىء العربي كيف ينظر للشعوب المتخلفة عنا، الشعوب التي تأكل لحوم أولادها مثلا، وهل يعتقد أن هذه الشعوب مؤهلة لقيادة نفسها ؟
حتما ستكون الإجابة لا، لأن من يأكل ابنه ليس أهلا لأن يقوده أو يربيه وهكذا للأسف، تنظر لنا الشعوب المتحضرة عندما ترانا نرزح تحت مظاهر التخلف التي لا يمكن أن تعتبر إنسانية، والتي كانت سائدة بالقرون السحيقة في البعد عن الحاضر، وغير المقبولة في عالم اليوم، ترانا أدنى من أن نستطيع قيادة أنفسنا وأقل بل أضعف من أن نواكب الركب الحضاري السريع الذي لا يرحم .
فالمواجهة الأولى هي المواجهة مع الذات وإصلاحها أولا، والكرة لازالت بأيدينا لنقوم بثورات نهضوية حقيقية، ننقذ بها هذه الأمة التي ضعضعناها بأخطائنا وتجاهلنا أسباب العلل مع شدة وضوحها ورؤيتها بالعين والعقل كما أشعة الشمس.
نعم الوقت يدركنا الآن، والعجلة تسرع بعيدا عنا، العدو يلاحقنا، وسوف لن يتراجع عن قذفنا بما يريد دون أن نعلو بأنفسنا، نتطاول بقدرتنا لنكون ندا ً له، نستطيع عندها أن نفقأ عينه فيتراجع ويرعوي عن حملته الإعلامية ضدنا، رغم أننا ندرك أن له مطامع أخرى، ليست معلنة، ندركها تماما، لكن السياسة أن نعرف المحاججة والدفاع عن النفس، ويكون لنا ذلك حينما نستند على شعوب متحضرة، حرة، تذوقت معنى الكرامة لتدافع عنها بكل ما تستطيع.
شاعرة وناشطة حقوقية عراقية مقيمة في هولندا
لاهاي/30-1-2004