بيان استنكار لسياسة الإدارة الأمريكية نحو مؤسسات البحث العلمي المتخصصة في دراسات الشرق الأوسط

تتابع مؤسسة ابن رشد للفكر الحر باهتمام شديد واستغراب الحملة المنظمة والتهديد المستمر بقطع المساعدات المالية عن مؤسسات البحث العلمي في المعاهد والجامعات الأمريكية المتخصصة في دراسات الشرق الأوسط والعالم العربي تحديداً  في ما إذا واصلت ابتعادها عن سياسات الإدارة الأمريكية في المنطقة.

إنّ القرار الصادر عن مجلس النوّاب الأمريكي في الحادي والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2003 والذي يريد إلزام دوائر ومؤسسات البحث العلمي في الجامعات الأمريكية التي تعالج المسائل الدولية، بإظهار المزيد من الدعم والتناغم مع السياسة الخارجية الرسمية للإدارة الأمريكية الخاصة بالمنطقة العربية. هذه محاولة جادة لإبعاد تلك المؤسسات العلمية عن الخط الحيادي والموضوعي الذي يُفترض أن تلتزم به في البحث العلمي.

ومما يزيد في الطين بلة تصاعد الحملة الدعائية المغرضة والسيئة التي تقودها لين تشيني والنائب الديمقراطي جوزيف ليبرمان ومحاولة تعميم شهادات بعض الأكاديميين والباحثين الأمريكيين التي تتعرض بالسوء إلى أبحاث المفكّر الكبير الراحل إدوارد سعيد باعتبارها ذات أثر سلبي كما يزعمون، على دوائر ومؤسسات البحث العلمي الشرق أوسطي. إنّ هذا التوجه الجديد في السياسة الأمريكية إزاء مؤسسات البحث العلمي والباحثين العلميين والمفكرين في الولايات المتحدة الأمريكية، لا تنفصل بأي حال عن دور صقور الإدارة الأمريكية من المحافظين الجدد والمدافعين بحماس جامح عن اللبيرالية الجديدة (اللبيرالية المتوحشة). وبالتالي فهي تُعيد إلى الذاكرة السياسية المكآرثية في الخمسينات من القرن الماضي المناهضة لحرية الفكر والديمقراطية في الحياة الأمريكية وفي مختلف مجالات الحياة السياسية والعلمية والفنية.

إنّ السياسة الأمريكية الجديدة المرتبطة باتجاهاتها العولمية في العلاقات الدولية ومحاولة فرض الرؤية الثقافية والسياسية للإدارة الأمريكية على العالم كله وعلى مؤسسات البحث العلمي في الولايات المتحدة وخارجها تدريجياً ، تذكّرنا هذه الحملة الجديدة، نحن المثقفين في الدول العربية والمهجر، بالتفكير الكولونيالي المتخلّف والبالي الذي ساهم المفكّر إدوارد سعيد بتعريته وفضح أهدافه البعيدة في كتابه الرائد “الاستشراق”. واستناداً إلى هذا التقدير، ندين هذه الحملة غير العقلانية ونعتبرها تدخلاً فظاً عير مسؤول في شؤون البحث العلمي، الذي يُفترض أن يتمتع بالحرية الأكاديمية الكاملة.

كما نحيي بحرارة المواقف الشجاعة للدكتور الخالدي، الذي احتل كرسي الأستاذية الذي كان يحتله قبل ذلك الأستاذ إدوارد سعيد في رئاسة قسم الدراسات العربية في جامعة كولومبيا، وبقية الأساتذة الذين رفضوا هذا الاتجاه المختل في السياسة الأمريكية إزاء البحث العلمي.

ولا شك أن هذا الاتجاه لا يسعى إلى ربط البحث العلمي بالأهداف السياسية الاستراتيجية للإدارة الأمريكية في الحقل الدولي فحسب، بل يريد إبعاد البحث العلمي عن المنهج والدراسات التي قُدِّمت قبل ذلك في قضايا الشرق الأوسط ومشكلاته وبشكل خاص حول العالم العربي، ومنها الدراسات البالغة الأهمية للأستاذ الراحل إدوارد سعيد.

إننا نوجه الدعوة إلى كل مثقفي الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية والعالم العربي الذين يدركون بعمق أهمية الحرية الأكاديمية للبحث العلمي، أن يواجهوا هذه الحملة بالاحتجاج والرفض بما يساعد على إفشالها والعودة إلى الحرية المطلوبة للباحثين والبحث العلمي.

عن مؤسسة ابن رشد للفكر الحر

د. حامد فضل الله

برلين 17/12/2003

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial